ضجت مواقع التواصل الاجتماعي، الجمعة، بقرار القاضية المنفردة الجزائية في بعبدا، جويل بو حيدر، الناظرة في قضايا جنح الأحداث والأحداث المعرّضين للخطر في جبل لبنان، بشأن إقفال جمعية “قرية المحبة والسلام” بشكل فوري، وختمها بالشمع الأحمر، بعد “المخالفات الفاضحة” بحق القصّر الذين تستقبلهم بقرارات قضائية لحمايتهم من الخطر اللاحق بهم من قبل أهلهم وذويهم أو نتيجة التخلي عنهم، لكن بدلا عن ذلك “تاجرت بهم ماديا وجنسيا”.
الصفحة الأولى من القرار القضائي
“تحرير القصّر من سجن الانتهاكات”، بدأ بحسب ما تقوله خبيرة الحماية الأسرية، رنا غنوي، لموقع “الحرة” بـ “تبليغ مواطنين عما يحصل داخل الجمعية، وإيداع إخبار لدى بو حيدر التي أصدرت قراراً بتقصي الحقيقة، ليتم جمع المعطيات وتنتهي بعدها معاناة استمرت لثلاث سنوات خلف جدران تحكمها مديرة أبعد ما تكون عن الرحمة والإنسانية”.
“منذ فترة وبو حيدر تجري تحقيقات بشأن الجمعيّة” بحسب ما أعلنته المحامية، ديان عساف، في مقطع فيديو نشرته على صفحتها في “إنستغرام”، مشيرة إلى المخالفات الجسيمة التي ارتكبتها الجمعية ممثلة بمديرتها، نورما سعيد.
في عام 2020 تأسست جمعية “قرية المحبة والسلام”، معلنة في كتاب العلم والخبر الذي قدمته إلى وزارة الداخلية، أن غايتها إنسانية، تنموية، اجتماعية تسعى بشكل عام لإيواء، استقبال وتأهيل المعرضين للخطر من جميع الأعمار لاسيما الفئة العمرية لغاية سبع سنوات، وتقديم كل ما من شأنه المساهمة في تنمية وتطوير قدراتهم الجسمانية والنفسية وذلك من خلال دعم مهاراتهم الفكرية والتعليمية لتمكين دمجهم في مجتمع صالح يؤهلهم الانطلاق نحو مستقبل أفضل وبصورة عامة متابعتهم صحياً علمياً وثقافياً… ليظهر أن غايتها عكس ذلك.
انتهاكات مروّعة
جاء في قرار القاضية بو حيدر، أن سعيد كانت على علم “بتعرض قاصرتين لتحرش جنسي من قبل شخص يدعى جبران، الذي حثّ كذلك بعض القاصرات على ممارسة الجنس وتعاطي المخدرات وممارسة العادة السرية، ما أدى إلى وقوع إحدى الفتيات بحبه، وقد صرّحت أمام المحكمة أنها رغبت بالموت كون الأخير متزوج ولا يمكن أن ترتبط به لهذه العلّة، كل ذلك من دون أن تتخذ سعيد أي تدبير بشأنه ولم تعلم المحكمة بذلك ما يجعلها متواطئة ومشاركة معه في جرمه”.
كما اصطحبت سعيد بعض القاصرات إلى “ملهى ليلي للاحتفال بعيد مولدها، وسمحت لهن باحتساء الكحول وصولاً لحد الثمالة وقد حاولت إحداهن الانتحار، ومما ارتكبته كذلك تهديد بعض القاصرات وممارسة التهويل عليهن بوضعهن في السجن في حال أخبرن المحكمة بما يحصل في القرية ونعتهن بألفاظ نابية وشتائم فاضحة واصطحبت بعضهن إلى منزلها للمبيت لديها دون إذن المحكمة وخلافاً لأنظمة الجمعيات كافة وقيامهن بأعمال تنظيف فيه”.
لم تكتف سعيد بذلك، بل بحسب ما جاء في قرار القاضية، “ارتكبت جرم الاتجار بالبشر، عبر إيهامها بعض العائلات بأن الأطفال الرضع المتواجدين لديها بقرار من المحكمة، يمكن تبنيهم عبرها من دون اللجوء إلى المحكمة، وذلك من خلال تزوير المستندات العائدة لهم بمساعدة أحد المخاتير وإحدى المستشفيات لقاء دفع مبالغ مالية، وقد استعملت المناورات الاحتيالية أمام المحكمة موهمة إياها بتواجد طفلتين رضيعتين لديها، في حين أنها سلمتهما لعائلتين غريبتين دون علم المحكمة ودون أي مسوغ شرعي”.
إضافة إلى كل ذلك، هناك “شبهات عديدة موثقة، تثبت تعاون الجمعية مع جمعيات وهمية غير موجودة بغية الاستحصال على تبرعات ومبالغ مالية لتأدية رسالتها، وهو أمر قيد التحقيق من قبل الجهات القضائية، ويدخل في صلب مكافحة الفساد الذي يدفع ثمنه الأطفال عبر الاستعطاء على اسمهم بهدف تأمين حياة كريمة لهم، في حين أن الموت هو جل ما يتمنونه حالياً في ظل الظلم وبشاعة ما عاشوه، ما يجعل أقل ما يمكن للمحكمة فعله هو الانحناء أمام ألمهم”.
“وأهملت الجمعية وتخلفت عن تأمين أبسط حقوق الإنسان، ألا وهي السلامة الجسدية والنفسية والصحية، حيث تفتقر إلى الحد الأدنى من معايير النظافة” وفق القرار.
شروط حماية الأمانة
الانتهاكات التي طالت القصّر في الجمعية، دفعت القاضية إلى اتخاذ قرار إقفالها بشكل فوري وختمها بالشمع الأحمر، وإحالة القرار إلى المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي، سامر ليشع، ليُنفّذ أصولاً من قبل مديرية التحقيق المركزي وفقاً لمضمون إشاراته، كما قررت توقيف مديرة الجمعية والمتورطين بجرم الاتجار بالبشر، أما فيما يتعلّق بالمتحرش بالأطفال، فذكرت المحامية عساف أن ملفه “قيد النظر عند مرجع قضائي آخر في النيابة العامة”.
الصفحة الثاالثة من القرار القضائي
تواصلت المحكمة مع قضاة الأحداث في المحافظات كافة لإخلاء الجمعية من أي طفل فيها لكونها “مصدر خطر داهم لهم بموجب المادة 25 من القانون رقم 422/2002″ وتأكدت بعد تكليف جمعية كرامة والمندوبة الاجتماعية أن القرية خالية من أي طفل لديه ملف حماية”.
بعد الذي كشف، لا بد كما تقول غنوي من أن “تعتمد المؤسسات الاجتماعية التي تعنى بالأطفال أفضل المعايير التي تضمن كرامتهم ومصلحتهم، كما يجب دعم دور مصلحة الأحداث في وزارة الشؤون الاجتماعية في تحمل مسؤوليتها ضمن منظومة رقابة ومحاسبة دقيقة، على أن تكون الرقابة دورية وموثّقة في تقارير تشير إلى مجريات الرعاية داخل هذه المؤسسات، فمصلحة الأطفال الفضلى يجب أن تكون أولوية كونهم مستقبل الوطن، فأي وطن سيبنونه إذا كان ماضيهم مفعماً بالصدمات وسوء المعاملة”.
الصفحة الرابعة من القرار القضائي
كما شددت غنوي على ضرورة الخروج من دائرة التعميم التي تعكس عدم النضج الاجتماعي، نحو التحليل المنطقي لتفنيد القضايا ووضع الأمور في نصابها، “فبناء المجتمعات يحتاج إلى أساسات فكرية سليمة، لكن للأسف يستسهل البعض التعميم في ظل منظومة الفوضى التي تطال أغلب القضايا”.
فمن الخطأ كما تقول خبيرة الحماية الأسرية “اعتبار أن كل المؤسسات الاجتماعية تخون أمانة ورعاية القصّر، كما أن ليس جميع الأمهات اللواتي يطالبن بحضانة أولادهن كوالدة الطفلة المغتصبة، لين طالب، وليس كل الاجداد كجدّها المشتبه به، كذلك ليس كل الكلاب تنقذ الرضّع من القمامة، ولا جميع الأطفال الذين يتم رميهم في الحاويات هم أبناء غير شرعيين، ولا جميع مغتصبي الأطفال مرضى نفسيين، علينا أن نكون واقعيين ونضع الأمور في نصابها، لكي نميّز بين من يقوم بواجبه ويتحمّل مسؤوليته ومن يضع مصلحته الشخصية وغرائزه فوق كل اعتبار”.
الحرة