الجمعة, نوفمبر 22
Banner

حرب القمح تدق ناقوس الجوع… هل ينجو لبنان من نيرانها؟

بعد نحو عام على إبرامها، حزمت روسيا أمرها وقرّرت الانسحاب من اتفاقيّة تصدير الحبوب الأوكرانيّة والتي سمحت بموجبها بمرور المواد الغذائية والأسمدة عبر موانئ البحر الأسود. وبهذا تكون السلطات الروسيّة قد وقّعت رسميّاً على إنتهاء صلاحية الاتفاقية لتسحب بذلك ضمانات سلامة الملاحة ولتُغلق الممرّ الانساني البحري شمال غرب البحر الأسود في ضربة قاسية لامدادات الغذاء العالميّة. وفور الاعلان عن عدم التمديد الروسي، ارتفعت أسعار القمح بأكثر من 10 في المئة مُهدّدةً بزيادة أسعار السلع الغذائيّة في ظل تزايد القلق حول مصير الامدادات نتيجة تزايد المخاطر المتعلقة بعمليات نقل الحبوب وكيفيّة ضمان إيصالها إلى مقصدها.

وعلى اثر ذلك، سارعت الهيئات الأمميّة والمنظّمات الدوليّة إلى دق ناقوس الخطر مُعبّرة عن تخوّفها من آثار هذا الانسحاب على تعميق انعدام الأمن الغذائي في الدول المضطربة، ومن انعكاساته الوخيمة على السكان الذين يُكافحون من أجل الحصول على السلع والخدمات الأساسيّة. فحسب أرقام الأمم المتحدة، أسهم هذا الاتفاق في خفض أسعار الحبوب في السوق العالمية بنسبة 20 في المئة بعد بلوغها مستويات قياسية عقب اندلاع الحرب، كما أدّى إلى تصدير 33 مليون طن من القمح الأوكراني بحيث استفادت منه وإن بنسب مختلفة 45 دولة حول العالم. وفي هذا الاطار، حذّر صندوق النقد الدولي من عواقب الانسحاب الروسي، لافتاً إلى أنّه يُخاطر بزيادة معدّل تضخّم أسعار الغذاء لا سيما في البلدان ذات الدخل المُنخفض.

ونبّه برنامج الغذاء العالمي على أن القرار الروسي بالانسحاب يُضيف أزمة أخرى إلى محفظة التمويل المحدودة للغاية، مؤكداً أنّ الدول الأكثر فقراً والتي لا تصدّر النفط هي الأشدّ تضرّراً. فيما أشارت كورين فلايشر، المديرة الاقليميّة لبرنامج الأغذية العالمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا الشرقية الى أنّ المنطقة هي الأسوأ مقارنة مع غيرها كونها لا تملك الموارد المالية اللازمة لانتاج الغذاء محليّاً، إذ تأثّرت البلدان المعتمدة على الاستيراد بشدّة بالحرب في أوكرانيا بعد أن بلغ تضخّم الغذاء 30 في المئة، جاعلاً أسعار الأغذية الأساسية بعيدة عن متناول الملايين. وكانت تقديرات منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي قد أظهرت أنّ 29.6 في المئة من سكان العالم أي حوالي 2.4 مليار شخص قد عانوا من الوصول إلى الغذاء العام المُنصرم، منهم ما يُقارب الـ900 مليون شخص يُواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد وسط الأزمات المتفاقمة والمتداخلة.

أمّا على الصعيد المحلي، فالأنظار أيضاً تتّجّه إلى مدى تأثّر لبنان بالانسحاب الروسي من الاتفاقية، خصوصاً وأنّه لا يزال يستورد القمح من أوكرانيا على اعتبار أنّها من أكبر الدول المُصدّرة للقمح والحبوب والزيوت النباتيّة، مع تصديرها ما يُقارب الـ5 ملايين طن من الحبوب والبذور الزيتيّة خلال الشهر الواحد عن طريق البحر الأسود. وزارة الاقتصاد اللبنانية لفتت عبر وزيرها إلى أنّ تداعيات انتهاء العمل باتفاقية الحبوب غير واضحة المعالم بعد، بانتظار معرفة النوايا الروسيّة وطريقة تعاملها مع الصادرات الأوكرانيّة كي يُبنى على الشيء مُقتضاه. ففي حال حدوث السيناريو الأسوأ، وهو قيام روسيا بعرقلة صادرات أوكرانيا سوف ترتفع أسعار القمح في الأسواق العالميّة وبالتالي فإنّ لبنان سوف يتأثّر، غير أنّه لا يُتوقّع حدوث أي نقص في السوق اللبنانية نتيجة الاتفاق مع البنك الدولي على تنويع مصادر استيراد القمح في الفترة الأخيرة. مع الاشارة إلى أنّ الاستيراد من هذه المصادر قد يستغرق وقتاً أطول من تلك المُستوردة من أوكرانيا.

بالأرقام، يحتاج لبنان إلى حوالي 450 ألف طن من القمح، منها 350 طناً تدخل في صناعة الخبز. وقد بلغ إنتاج القمح المحلي عام 2022 نحو 45 ألف طن فقط في رقم يعكس مدى العجز الكبير وعدم القدرة الذاتية على تأمين انتاج الكمية الكافية في حال تعذّر الاستيراد من الخارج، إذ تستورد البلاد ما يُقارب الـ 80 في المئة من حاجاتها الاستهلاكية للقمح من أوكرانيا وروسيا. ففي العام 2020، بلغ حجم الاستيراد أكثر من 630 ألف طن بقيمة ‏‏133 مليون دولار مقارنة بـ 535 ألف طن العام 2019؛ في حين استورد لبنان حوالي 754 ألف طن من القمح خلال العام 2021 وبمتوسّط استهلاك بلغ نحو 60 ألف طن من القمح شهريّاً، وذلك وفق احصاءات دائرة الجمارك اللبنانية.

على الرغم من تطمينات المعنيين بأنّ مخزون القمح مُتوافر حتى اليوم ولا داعي للخوف لا سيّما وأنّ كميات الحبوب الأوكرانيّة المصدّرة إلى لبنان لا تحتاج إلى بواخر كبيرة لشحنها وبالتالي يُمكن إخراجها من موانئ غير خاضعة لرحمة الحصار، إلّا أنّ الوضع لا يُطمئن خصوصاً وأنّ لبنان يعاني من شحّ في القمح كما أنّه لا يمتلك مكاناً بديلاً عن اهراءاته المُدمّرة من أجل تخزين احتياطات القمح، الأمر الذي يجعل سعتة التخزينية ضئيلة جداً تصل إلى شهرين أو ثلاثة كحد أقصى نتيجة اعتماده على امكانات القطاع الخاص فقط. في موازاة ذلك، إنّ ارتفاع أسعار القمح عالمياً قد يؤثّر على كميّة القمح المُستوردة وكلفته ومن شأنه أن ينعكس غلاءً على سعر الرغيف وأن يؤدّي إلى تفاقم أزمة الخبز مجدّداً وعودة الطوابير أمام الأفران.

لبنان في قلب العاصفة الغذائيّة العالميّة، فالبلد الغارق في أزمة اقتصاديّة وماليّة مُخيفة والمُصنّف ضمن بؤر الجوع الساخنة في العالم، يعيش انعداماً في الأمن الغذائي بعد تراجع قدرته على استيراد المواد والسلع الغذائيّة. فانهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي وارتفاع معدّلات تضخّم الأسعار أدّيا إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين الذين أصبحوا قاب قوسين من وقوعهم ضحيّة مجاعة ضروس. وما هو خطير أيضاً حسب برنامج الأغذية العالمي، أنّ 20 في المئة من اللبنانيين باتوا يعيشون على المساعدات الغذائيّة التي يقدّمها برنامج دعم الأسر الفقيرة، وأنّ 2.3 مليون نسمة أي حوالي 45 في المئة منهم لا يستطيعون العيش من دون مثل هذه المساعدات الممنوحة من مختلف البرامج العاملة في لبنان. وبالتالي، فإنّ الأمن الغذائي للبنانيين بات على المحك، الأمر الذي يتطلّب ضرورة اتخاذ الاجراءات المطلوبة من أجل قطع الطريق أمام امكان حدوث مجاعة مُحتملة. فسُبحة الأزمات لا تنتهي والصراعات الجيو- سياسية لا تتوقّف وسلاسل الامداد مُهدّدة بالشلل في أي وقت والمساعدات الغذائية مُعرّضة للإنقطاع من دون أي إنذار عن الدول الفقيرة ومنها لبنان الذي ينال دائماً حصّة الأسد، بحيث يُضاف إلىى سجل أزماته المزيد من الويلات والنكسات.

من هنا، تكمن أهمية وضع سياسات فاعلة تُعزّز أمن لبنان الغذائي وتُسلّط الضوء على كيفية افادة البلاد من مساحاته الواسعة، كذلك التركيز على الخطط الزراعية الشاملة والقادرة على استصلاح جميع الأراضي القابلة للزراعة وتقديم الدعم المادي واللوجيستي ورفع حجم الانتاج وقيمة الاستثمار الزراعي من أجل تأمين الغذاء لجميع اللبنانيين وتحقيق الاكتفاء الذاتي تجنّباً لوقوع أي كارثة انسانية.

سوليكا علاء الدين

Leave A Reply