تضمّ الإمبراطورية العقارية لآل سلامة في أوروبا، قصوراً فاخرة في أغلى المناطق في بعض العواصم ومجموعة من المباني الصناعية والتجارية التي تدرّ دخلاً إيجارياً كبيراً، إضافة الى ممتلكات بقيمة 92 مليون دولار قد حجزت عليها السلطات. لكن يبدو أن إمبراطوريتهم تمتدّ إلى ما وراء أوروبا لتصل الى الولايات المتحدة، حيث كشف القضاء الأوروبي عن ممتلكات تقدّر قيمتها بأكثر من 4.5 ملايين دولار وربما أكثر، يملكها رجا سلامة، شقيق حاكم البنك المركزي. وفي حين تمكّن محقّقو الاتحاد الأوروبي من تتبّع أصل الأصول الأوروبية لـشركة “فوري”، الشركة الوهمية المتورّطة في تحويل الأموال المزعومة من البنك المركزي اللبناني من خلال عقد غير منتظم بين عامي 2002 و2016، لم تتمكّن صحيفة “ذا ناشيونال” من تتبّع منبع الأموال لهذه الاستثمارات الأميركية.
غسل أموال؟
هذا ويشتبه في أن رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان المركزي وبمساعدة شقيقه رجا سلامة، قد دبّر مخططاً مزعوماً لغسل الأموال بموجب عمولة بنسبة 0.38% فرضتها “فوري” على البنوك التجارية مقابل كل معاملة مع البنك المركزي، دون أية خدمات في المقابل. ورغم امتناع القضاء الأميركي، حتى الوقت الراهن، عن اتخاذ أي إجراء قانوني كان يمكن أن يؤدي إلى تقصّي أصول هذه الأموال والاستيلاء عليها لاحقاً، إلا أن الشكوك لا تزال قائمة في ما يتعلّق بشرعية هذه الأموال… ويزعم أن “فوري” قد قامت بتحويل أكثر من 330 مليون دولار من البنك المركزي اللبناني، إلا أن قيمة الممتلكات التي تمّ التحفظ عليها تبلغ 120 مليون يورو فقط حتى الآن، ما يطرح علامة استفهام حول المبالغ المتبقّية…
وثائق موناكو
الى ذلك، كشفت وثائق حصرية من القضاء في موناكو، عن تدفّق الأموال من حسابات رجا في بنك يوليوس باير موناكو لإدارة الثروات، والتي تلقّت ملايين الدولارات من أموال “فوري” المختلسة المزعومة، ثم تمّ تحويلها إلى حساباته في الولايات المتحدة. وفي قرار قضائي، أكدت القاضية الفرنسية أودي بوريسي أنه “يعتقد أن الأموال المحوّلة قد تمّ “غسلها” من خلال استثمارات عقارية في “أوروبا والولايات المتحدة ولبنان. وفي حين أننا لا نملك معلومات مفصّلة عن العقارات اللبنانية، تكشف الوثائق القضائية الفرنسية التي اطّلعت عليها صحيفة “ذا ناشيونال” أن شقيق الحاكم، وهو أيضاً مالك “فوري”، مرتبط بعقارات باهظة الثمن في نيويورك قد تم شراؤها خلال الفترة التي كان فيها البنك المركزي متعاقداً مع “فوري”.
عقارات في الولايات المتحدة
وبينما تبدو أوروبا الخيار الأول لمحفظة رياض سلامة العقارية، سواء باسم “شريكته الرومانسية” آنا كوساكوفا أو أبنائه، يبدو أن الولايات المتحدة تقف كوجهة رئيسية لاستثمارات رجا سلامة الذي يزعم أنه الشريك الوحيد في وول ستريت بروبرتيز ليمتد، وهي شركة مقرّها جيرسي وتمتلك جميع أسهم شركة سكرين بروبرتي كوربوريشن، وفقاً للوثيقة. ولم تفرض جيرسي التابعة للقضاء البريطاني، بعد، الكشف العام عن المالكين المستفيدين وذلك على الرغم من التزامها بإنشاء سجل عام في العام 2019 بما يتماشى مع معايير الاتحاد الأوروبي. وفي العام 2013، استحوذت شركة Screen Property Corporation، ومقرها الولايات المتحدة، على شقة فاخرة في مبنى مكوّن من 42 طابقاً في وول ستريت في مانهاتن، في وسط الحي المالي الرئيسي في أميركا، مقابل 1.4 مليون دولار.
عيسى الخوري وتابت
ويحوز رجا سلامة أيضاً على أسهم في شركة مقرّها جيرسي وتمتلك، بشكل غير مباشر، عقاراً بقيمة 3 ملايين دولار تم شراؤه في العام 2014 في 93 شارع وورث، في حي تريبيكا الرئيسي في مانهاتن. وتم إنشاء هذه الشركة، المسمّاة Caliber Properties Limited، مع ملكية 45 في المئة من قبل رجا سلامة، فقط للاحتفاظ بأسهم شركة Caliber NY Property Corporation، وهي شركة أميركية تمتلك بدورها العقار في مانهاتن وتتوزّع الأسهم المتبقية بين كمال تابت، بحصة 45 في المئة، ومنى عيسى الخوري، بحصة 10 في المئة. كما يتهم، مروان عيسى الخوري نجل منى الخوري والمدير والممثل القانوني للعديد من الكيانات المملوكة لسلامة والمتورطة في مخطط غسيل الأموال المزعوم، وهو الممثل القانوني للشركتين اللتين تتّخذان من جيرسي مقراً لهما ومدير الشركتين الأميركيتين، وفقاً للوثيقة.
ووفقاً للوثائق المصرفية التي حصلت عليها صحيفة “ذا ناشيونال”، فإن شركة كاليبر نيويورك العقارية لديها حساب في بنك إنترودي، الذي يمتلكه كلّ من رجا سلامة وتابت. واكتشف القضاء في موناكو أن رجا سلامة قد حوّل ما مجموعه 1.3 مليون دولار من حسابه المصرفي في موناكو، الذي فتح في العام 2012 في يوليوس باير، إلى حسابه الشخصي في الولايات المتحدة في بنك إنترودي قبل عام من إجراء عملية الشراء الأولية وتلقّت حساباته في موناكو 1.6 مليون دولار من حسابه السويسري في البنك البريطاني والذي تمّ تمويله حصرياً من قبل “فوري”، ووفقاً لوثيقة موناكو “لا يمكن استبعاد الاحتمالية بأن الأموال الموجودة في حساب رجا سلامة السويسري قد يكون مصدرها غير مشروع”.
مدّخرات شخصية
وقال كل من السيدة منى عيسى الخوري والسيد تابت لصحيفة “ذا ناشيونال” إن التمويل جاء من مدّخراتهما الشخصية. وحسبما قال محامي تابت، مايكل حداد لصحيفة “ذا ناشيونال”: “السيد تابت مهني ويتمتّع بمسيرة مهنية ممتازة ومربحة للغاية في الولايات المتحدة وأوروبا”، مشيراً إلى أن السيد تابت قد حصل على ثروته فقط من خلال عمله الجاد ونجاحه المهني وخبرته الاستثمارية ومحفظته العقارية، وشدّد على أن المستثمرين الثلاثة المشاركين في عملية الشراء في نيويورك “مستقلون” وتصادف أن لديهم “علاقة عائلية”.
هذا وقد رفض رجا سلامة طلب “ذا ناشيونال” بالتعليق على الموضوع علماً أنه كان سابقاً قد نفى ارتكاب أي مخالفات، وقدّم أنشطة “فوري” على أنها أنشطة وسيط شرعي، وفي المقابل لم يكشف القضاء الأوروبي عن أدلة على أي أنشطة تنفيذية فعلية للشركة.
شؤون عائلية
يمتلك رجا سلامة عقارات في أوروبا لم يتم الكشف عنها سابقاً في الإعلام. ففي تشرين الأول 2021 في تمام الساعة السادسة والنصف صباحاً داهم 6 ضباط فرنسيين، ومن دون سابق إنذار، مقرّه في الدائرة السادسة عشرة في باريس حيث تمّ حجزه لمدة 24 ساعة ولم يتم الإعلان عن الأمر. وتعرّض رجا سلامة، الذي أعلن أنه “عاطل عن العمل” في محضر الجلسة الذي اطلعت عليه صحيفة “ذا ناشيونال”، لساعات من الاستجواب من قبل الشرطة الفرنسية بشأن شرعية مشترياته من العقارات الفرنسية في ما يتعلّق بدخله المعلن. وتضمّنت الأصول المشكوك فيها شقة ابتيعت في العام 2013 في جادة فيكتور هوغو في الدائرة السادسة عشرة، قام رجا سلامة مع زوجته ندى بستاني وأبنائهما الثلاثة إميل وريا وكريم بالاستحواذ عليها مقابل 3.6 ملايين يورو. وقال رجا سلامة أثناء التحقيق إنه قد سدّد حصته من دون اللجوء الى قرض بينما قام أبناؤه بتسديد حصصهم من خلال قروض من مصرف لبناني، حيث قام “فرد من العائلة” (قد يكون هو نفسه أو زوجته، حسب زعمه)، لاحقاً بتسديدها.
قروض من لبنان
إضافة الى ذلك، قام أبناء رجا سلامة، وأكبرهم آنذاك كان يبلغ 18 عاماً، بشراء شقة في جادة رايموند بوانكار في الدائرة السادسة عشرة مقابل 1.2 مليون يورو، وقال رجا للمحققين إن الأبناء قد سدّدوا ثمن الشقة بموجب قرض من بنك لبناني قام هو أو زوجته بتسديده. وفي العام 2013، منح الأبناء رجا سلامة وزوجته حقوق “الانتفاع” في ربع الممتلكات وهذا يعني الحق القانوني في استخدامها والاستفادة منها. وبعد تقسيم الأصول، تم تخصيص العقارات لابنتهما، التي كانت تبلغ من العمر 26 عاماً في ذلك الوقت وقامت بتسديد 376,250 يورو تعويضاً لشقيقيها؛ وأخبر سلامة المحققين أنه لا يعلم كيف قامت ابنته بدفع التعويض لشقيقيها في هذه المسألة. وقد امتنع كلّ من ندى البستاني وأبنائها عن التصريح الى “ذا ناشيونال”.
وتم تأجير هذه الشقق منذ شرائها، بحوالي 4000 يورو شهرياً – باستثناء فترة عامين ونصف، بسبب عدم تسديد الإيجار من المستأجرة حينها؛ وأثناء استجوابه من قبل الشرطة الفرنسية بتورّطه في غسل الأموال المتعلّقة باستثمارات عائلته، اشتكى سلامة: “اضطررت إلى رفع دعوى إخلاء في المحكمة لإبعادها وحتى اليوم لم تسدّد المبالغ المتوجّبة عليها”. وقال أيضاً إنه يمتلك شركتين قد “نسي” اسميهما، وهما تمتلكان عشرات الأستوديوات والشقق في لندن مؤجرة بالكامل.
جلسة استماع
وتشير جلسة الاستماع لسلامة مع الشرطة إلى أن دوره كمدير لشركة “فوري”، التي قال إنه أسسها بعد أن عمل كممثل لبنك ريبابليك الوطني في نيويورك من عام 1985 إلى عام 2003، كان مصدر دخله الرئيسي. وتبيّن الوثائق القضائية لموناكو أيضاً تحويلات بين رجا سلامة وابنه إميل من أحد حسابات موناكو التي تلقت أموالاً من “فوري”. وإثر جلسة الاستماع في العام 2021 تم إطلاق رجا سلامة من دون إدانته ولم يحضر الى جلسة الاستماع في فرنسا هذه السنة لأسباب مرضية، فتمّت إعادة جدولتها على الفور بعد إصدار القضاء الفرنسي مذكرة توقيف بحق أخيه رياض سلامة.
نداء الوطن