عزة الحاج حسن – المدن
لا شك أن القطاع الاستشفائي، وعموم المستشفيات، يواجهون أزمة استمرارية بفعل الأزمة المالية الحالية. لكن معاناتها تبقى أقل وطأة من أزمة المرضى، الذين يواجهون جشع المستشفيات، ويتكبدون الأموال النقدية في ظل تقليص تغطية المؤسسات الضامنة.
وقد وجدت العديد من المستشفيات مخارج لها من الأزمة، تضمن لها استمراريتها على الأقل، عبر تقاضي الرسوم الاستشفائية والطبية نقداً وبالدولار مباشرة من المرضى. من هنا لا يُغتفر لمستشفى يتقاضى فواتير منتفخة أو مدولرة، أي تقصير في علاج مريض أو استخفاف بحياته.
ولا يستثني الحديث عن المستشفيات تلك التي تعود لجمعيات تصف نفسها بـ”الخيرية” كمستشفى المقاصد الإسلامية الخيرية. وبصرف النظر عن أنها لا تمت إلى الأعمال الخيرية بصلة، إلا أن شكاوى المرضى الذين أجبروا على تلقي علاجاتهم فيها، بحكم ظروفهم، تكفي لتكوين مشهد سوداوي عن حال المستشفى إدارة ورعاية وطبابة وخدمات.
ولا تُستقى حقيقة مستشفى المقاصد إلا على ألسنة مرضاها، الذين يعايشون التلاعب بحياتهم وصحتهم تحت ذريعة ضيق الأحوال المادية. وليس أصدق من تعبير أتى على لسان مريض كلى سوى القول “أغلقوا هذا المسلخ البشري”.
مسلخ بشري؟
طالعتنا مستشفى المقاصد الخيرية منذ أيام قليلة ببيان تدافع فيه عن سمعتها التي تناولها عدد كبير من المرضى والمتابعين لوضع المستشفى بانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي. استنكرت إدارة المستشفى في بيانها، اتهامها بتحويل قسم غسيل الكلى إلى قسم خاص بمرضى الدرجة الأولى، وبالتمييز بين المرضى. أصر كاتب البيان أن المستشفى يعامل كافة المرضى بالتساوي، واعترف بشكل أو بآخر بوجود مشكلة بتأمين المستلزمات الطبية. ثم ختم بيانه بالدعاء بان يحمي الله المقاصد، فيما لم يتضح يحميها مِن مَن.
يوحي البيان بأن إدارة المستشفى ليست على دراية بما يحصل داخل غرف المرضى وبين أروقتها. وهذه مصيبة. أما المصيبة الأكبر فتكمن بأن تكون الإدارة على دراية بحال مرضاها التي يُرثى لها، وتخفي تلك الحقيقة ببيانات متملقة.
الأمثلة كثيرة عن الاستهتار بحياة المرضى في مستشفى المقاصد، جولة سريعة على عدد قليل من المرضى، يفضح الكثير من الحالات التي لم يشهدها القطاع الاستشفائي في لبنان، حتى في المستشفيات الحكومية المهملة. من الحالات الكثيرة، مريض كِلى ساءت حالته خلال جلسة الغسيل في المستشفى، فقررت الإدارة إجراء دخول له. وحين لم يتوفر سرير تم إدخاله إلى الطوارئ للسيطرة على ضغط دمه، ريثما يتم توفير غرفة. وإلى ذلك الحين كان على ذوي المريض دفع تكاليف الطوارئ وتكاليف الدخول.
من هنا تبدأ قصة هذا المريض. لكنها حتى اللحظة لم تنته بعد، ولم يتمكن ذويه من نقله إلى مستشفى آخر لسوء حالته. نُقل المريض من الطوارئ إلى المستشفى وكانت المفاجأة بأن حرارة الغرفة عالية جداً، ولا وسادة على السرير. وعند مطالبة ابنة المريض مكتب استعلامات الطابق كان الجواب بأن “هذا هو الوضع لا مكيف لا وسائد لا ماء ولا مناديل. يمكنك توفير ما يحتاجه المريض بنفسك”. حتى حبة الدواء تحملها الممرضة بيدها من دون كوب ماء. علماً أن الدواء يتم شراؤه على عاتق المريض من خارج المستشفى.
صدمة أولى يمكن أن يمتصها ذوي المريض، خوفاً على صحته. لكن ما لا يمكن تجاوزه، على ما تقول ابنة المريض، هو غياب التكييف والإكتفاء بمروحة تم استقدامها من المنزل. فالمريض يعاني من مشكلة في الرئتين بالإضافة إلى حالته الصحية المرتبطة بالكلى، ويصعب عليه التنفس في ظل ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة. تقول الإبنة: “راجعنا الإدارة، خصوصاً أن والدي خضع لعدة عمليات جراحية لكن الجواب كان دائماً: هيدا الموجود”.
كمية القذارة في الغرف والممرات مخيفة والإهمال كبير، تقول الإبنة. حتى الممرضين والممرضات جميعهم من الخريجين الجدد عديمي الخبرة، لا يتمتعون بأدنى حس من المسؤولية بالتعاطي مع المرضى. وهنا تقول إحدى الممرضات في حديث لـ”المدن”: قد لا يكون مبرّراً سوء التعامل مع المرضى، لكن كيف يمكن لممرض أن يتعامل في ظل ظروف عمل غير صحية وحرارة ورطوبة عاليتين، بالإضافة إلى راتب لا يتجاوز 200 دولار و9 ملايين ليرة لا يكفي لبدلات النقل.
مستوى خطر من الإهمال
تشكو ابنة المريض سوء اهتمام الأطباء. وهو مستوى خطر من الإهمال. وتقول أنه تبيّن يوم خميس أن والدها لديه ماء في رئتيه. وقد ارتأى الطبيب أن يتم سحبه بالإبرة. لكن الطبيب المعالج رفض الحضور إلى المستشفى قبل يوم الاثنين، أي بعد التشخيص بثلاثة أيام. وهو ما حصل فعلاً. لكن تأخر الطبيب فاقم حالة الوالد، وتبيّن خلال عملية سحب الماء من الرئتين أنه تعرض لإلتهاب حاد. فاضطر الطبيب لوقف السحب وتحويله إلى الجراحة، هي الأخرى لم تنته بسلامة، بل واجهت عراقيل أيضاً. ولكل هذه المراحل تفاصيل مُحبطة لذوي المريض، تبدأ من اعتراف الطبيب بالتأخر في إتمام الأمر، ولا تنتهي بإلزام ذوي المريض بشراء كل مستلزمات العملية حتى الأنابيب وسواها.
تضغط على زر المساعدة الخاص بالممرضات، فلا من مجيب، تقول ابنة المريض. حتى أنه في إحدى الحالات كان الوضع طارئاً جداً والمريض تعرّض للنزيف، ولم تكترث أي من الممرضات. وهنا تسأل الإبنة: أمام هكذا واقع، كيف يمكننا ان نثق بالأدوية التي يتم تقديمها في المستشفى؟
سؤال في محله. فالمشهد الأول الذي صادفنا عند مدخل المستشفى هو أحد العاملين في قسم الاستقبال يدخن سيجارة من دون أي حرج. أضف إلى أن الأدوية توضع في المستشفى (صورة مرفقة) ببرادات صغيرة كتلك الخاصة بالرحلات، توضع على مرأى من أعين المرضى، وربما بمتناولهم، بدليل أن الصورة المرفقة أخذتها إحدى المريضات التي تحدثت “المدن” إليها.
مريضة أخرى في مستشفى المقاصد خضعت لعملية جراحية في الأمعاء، عانت الأمرّين في المستشفى، واضطر أولادها إلى استقدام مراوح من المنزل للتخفيف من الحرارة في الغرفة تجنباً لالتهاب الجرح. لكن ذلك لم يفلح، فالجرح تعرض للإلتهاب وطال مكوثها في المستشفى، بالإضافة الى معاناتها كباقي المرضى من غياب أي رعاية أو خدمات أو اهتمام. وتقول ابنة المريضة “رائحة العرق مقززة بالمستشفى. لا مواد تنظيف ولا اهتمام بالنظافة”.
الإدارة غائبة أم متوارية؟
بعد البيان “السطحي” الذي عممته مستشفى المقاصد، حاولت “المدن” التواصل مع إدارة المستشفى وإدارة الجمعية على مدار أيام.. من دون جدوى. حتى أن مساعدة مديرة المستشفى جمانة نجار، حسمت -نيابة عن المديرة- عدم توفر الوقت لها للإجابة على أسئلتنا “فهي مشغولة دائماً خارج المكتب”، حتى أنها لم تبد أي استعداد لإعادة التواصل معنا، ردأ على أسئلة تدور حول صحة الشكاوى بحق المستشفى.
من هنا، لا بد من سؤال مديرة المستشفى عن وجهتها، فيما لو تعرض أحد أفراد عائلتها لضرر، هل تقوم بإدخاله إلى مستشفى المقاصد؟ وهل مكتبها في الإدارة مبرّد أم انها استقدمت مروحة من منزلها؟
وبعد الحديث مع أحد المسؤولين السابقين في المستشفى، الذي أسف لما آلت إليه الأمور بسبب سوء الإدارة، وغياب المتابعة، وعدم كفاءة الأشخاص القيمين عليها، لم يعد مستبعداً أن تكون الإدارة الحالية غائبة أو متوارية.
Follow Us: