منذ اليوم الأوّل لاندلاع الإشتباكات داخل مخيم عين الحلوة بين حركة فتح من جهة وتنظيمات إسلامية متشدّدة من جهة أخرى، يوم السّبت 29 تمّوز الماضي، سرت عدّة مخاوف وتساؤلات حول إنْ كان المخيّم الأكبر للاجئين الفلسطينيين في لبنان سيتحول إلى نسخة جديدة من مخيّم نهر البارد، الذي شهد عام 2007 إشتباكات بين حركة فتح وتنظيم فتح الإسلام، قبل أن يتدخل الجيش اللبناني وينهي المعركة لصالحه بعد تدمير المخيم وتشريد أهله.
كان واضحاً من هذه المقارنة التي أرادها البعض الوصول إلى نتيجة محدّدة، هي أنّ إشتباكات مخيّم نهر البارد التي حصلت خلال فترة فراغ رئاسي بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق إميل لحود، أدت حينها إلى إبراز قائد الجيش حينها العماد ميشال سليمان، والتوافق عليه بعد اتفاق الدوحة في عام 2008 لانتخابه رئيساً للجمهورية، وبالتالي فإنّ الفراغ الرئاسي الحالي بعد انتهاء ولاية الرئيس السّابق للجمهورية ميشال عون قبل أكثر من 10 أشهر، قد تكون إشتباكات مخيم عين الحلوة جواز سفر لانتخاب قائد الجيش الحالي جوزاف عون رئيساً للجمهورية، إذا ما تدخّل الجيش اللبناني وحسم المعركة لصالحه بعد قضائه على المتشدّدين داخل المخيم.
في الشّكل تبدو المقارنة منطقية، لكن في المضمون فإن الاختلافات كبيرة جدّاً، لأنّ المعطيات والظروف التي أحاطت بمعركة مخيّم نهر البارد لا تبدو متوافرة في معركة مخيّم عين الحلوة، وبالتالي فإنّ ما ينطبق على مخيّم نهر البارد لا ينطبق بالضرورة على مخيّم عين الحلوة.
فمنذ معركة مخيّم نهر البارد وصولاً إلى اليوم تبدّلت أمور كثيرة في البلاد. الإنقسام السّياسي إزداد حدّة، والرئيس سعد الحريري إنسحب من المشهد السّياسي، والأوضاع الإقتصادية والمالية تشهد إنهياراً غير مسبوق، وتداعيات الأزمة السّورية ترخي بثقلها على الوضع اللبناني بينما كان الجانب السوري في معركة مخيّم البارد داعماً لوجستياً وعسكرياً بشكل غير مباشر للجيش اللبناني، وتجربة إيصال قائد الجيش ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية على أنقاض مخيم نهر البارد لا تلقى إجماعاً مماثلاً اليوم لإسقاطها على قائد الجيش جوزاف عون وانتخابه رئيساً على أنقاض مخيم عين الحلوة.
يُضاف إلى ذلك، أنّ الوضع العسكري في مخيم نهر البارد لا يشبه إلا بجزء بسيط منه الوضع العسكري المعقد في داخل مخيم عين الحلوة، ففي حين كان تنظيم فتح الاسلام يواجه وحيداً في المخيّم الشّمالي حركة فتح، فإنّ مروحة واسعة من التنظيمات المسلحة تقف اليوم في المخيم الجنوبي بمواجهة حركة فتح، ما يجعل تدخل الجيش اللبناني أكثر تعقيداً، وهو ليس بالسهولة التي يتوقعها البعض.
غير أنّ الخطورة لا تكمن هنا. فالخشية التي تجعل كثيرين يساورهم القلق هي أن تمتد الإشتباكات التي يشهدها مخيّم عين الحلوة إلى خارجه، وهو ما لم يحصل في اشتباكات مخيّم نهر البارد، إذ عندها لن تكون الأمور في مخيّم “عاصمة الشّتات” الفلسطيني في لبنان قد خرجت عن السيطرة، بل يكون لبنان دخل فعليّاً في نفق مجهول.
عبدالكافي الصمد – سفير الشمال