شهدت بدايات الدراما اللبنانية في ستينيات القرن الماضي مولد عدد من الممثلين والممثلات الذين أسهموا في مجدها عندما كانت في أوج تألقها وانتشارها على مستوى الوطن العربي كله، ومنهم من لا يزال مستمراً في المهنة، بينما قرر آخرون الابتعاد بسبب التقدم في السن، وهو ما يطرح تساؤلاً حول عمر الممثل وهل عليه الاعتزال أو التقاعد عند بلوغ سن معنية؟
الموهبة أولاً
الممثل صلاح تيزاني يرى أن ابتعاده عن التمثيل أمر طبيعي، إذ يقول “عمري 95 سنة، وانتهى دوري، ومن المؤكد أنني لن أمثل طوال عمري، فالفنان يتقاعد عندما يصبح ما بين الـ60 والـ70 سنة، ويعيش على أمجاده، ولم يحصل أبداً أن استمر ممثل يبلغ عمره 100 سنة. والفنان لا يتقاعد عندما تكون صحته جيدة، وهو يمكن أن يؤدي أدوار الأب أو الجد، لكن الممثل الذي يعجز عن السير بسبب التقدم في العمر لا يمكن أن يعمل أبداً، وأنا الممثل الوحيد المعمر في لبنان، بينما الممثلون المعمرون في مصر كثر لأن عدد الممثلين هناك يفوق عددهم في لبنان”.
ويستعيد تيزاني دور الجيل الأول من الممثلين في صناعة مجد الدراما اللبنانية، قائلاً “بدأنا في الستينيات، وكنت أمثل مع الكشافة في أعمال بدائية نقدمها في الحفلات والمناسبات كوننا لم نكن نعرف ماهية الفن، ولم يكن هناك وجود لمسرح، بل سينما صامتة، ولم يكن بالإمكان التعلم منها، ثم بدأت السينما الناطقة، ومن بعدها العروض المسرحية المقتبسة، لكنها كانت مفتعلة، ودون تخطيط أو دراسة”.
ويضيف “عندما افتتح تلفزيون لبنان انتقلنا للعمل فيه، وتمكنا من الاستمرار لأننا كنا معتادين على العمل معاً كفريق، ولكننا كنا نعرض أعمالنا مباشرة على الهواء خلال الفترة الممتدة بين 1960 و1969، ثم بدأت مرحلة التسجيل التي أتاحت لنا الفرصة لتصحيح أخطائنا. كنا ممثلين بالفطرة، لكننا كنا موهوبين، والموهبة ضرورية في أي مهنة، وليس في المجال الفني فحسب”.
وينتقد تيزاني تجارب خريجي المعاهد بقوله “هم يتباهون بأنفسهم ويتهموننا بأننا نعمل بشكل ارتجالي، لكنهم لا يعرفون أننا درسنا في مدارس موليير وشكسبير وديلارتي وتشارلي شابلن ولوريل وهاردي وسواهم. التمثيل ليس شهادات علمية، ومع أن الدراسة تعلم الممثل أسس وقواعد المهنة، لكنها لا تجعله موهوباً، ومعظم الممثلين اليوم تنقصهم الموهبة وهمهم الوحيد الشهرة والانتشار والمال وهم لا يعرفون أننا لا نملك ثمن الدواء، على رغم تعبنا وتضحياتنا في الفن”.
وتابع “الفن لم يعد إبداعاً، والممثل بات أشبه بـ(مانيكان) يتحرك ويفتح فمه ويغلقه بلا روح أو إحساس، أما النصوص فلا نعرف بدايتها من نهايتها، والقصة التي تحتمل ساعة عرض واحدة يحولونها إلى 30 أو 40 ساعة. فن اليوم كذب واحتيال وسخرية من الجمهور. من بعد عام 1960 انتهت الكوميديا والدراما في العالم كله حتى في هوليوود كما انتهى فن الغناء أيضاً”.
أداء وإلقاء
الفنان جهاد الأطرش صاحب تاريخ فني كبير، ويضم رصيده أكثر من ألفي حلقة تلفزيونية و20 ألف برنامج إذاعي وآلاف الحلقات الوثائقية والدوبلاج و10 أعمال مسرحية، ويركز نشاطه حالياً على بعض البرامج الإذاعية والوثائقيات، كما انتهى من تسجيلات (غرندايزر) التي تدخل مجال ألعاب الأطفال، أما تمثيلياً فكان آخر أعماله “والتقينا”، حيث يقول “أنا انتقائي في أعمالي ومنكمش على نفسي في الدراما التلفزيونية لأن الإنتاج الحالي يحلق في فضاء بعيد من الواقع”.
ويضيف الأطرش الذي تجاوز عمره الـ80 سنة، “لم أفكر في الاعتزال، ولأنني أعتمد على صوتي ركزت على بعض البرامج الوثائقية والصوتيات، لأن تنفيذها أسهل من التمثيل ولا يحتاج إلى حفظ وانتقال من مكان إلى آخر، خصوصاً أنني بدأت كممثل إذاعي، كما أنني أدرس الأداء والإلقاء في معهد الفنون لكوني متمرساً في المجال وتوليت تدريب عدد كبير من المذيعين داخل لبنان وخارجه”.
ويعتبر الأطرش أن الزمن الجميل الذي انطلقت فيه الدراما اللبنانية والبرامج التلفزيونية كان يقوم على مجموعة عناصر، قائلاً “كل شيء كان مختلفاً، وكنا نحترم عقول المشاهدين. والموضوعات كانت تتناسب مع البيئة والمجتمع، كما كنا تقدم إنتاجات تتوجه بشكل خاص إلى العالم العربي كأعمال التراث والأدب والعلوم والفلسفة، وهذه الأمور أسهمت في بناء شخصية الممثل بطريقة مختلفة عما هي عليه اليوم. ومع أننا كنا ننجز الحلقة خلال يوم واحد، لكنها كانت مدروسة، وكان الممثل يبذل كل طاقته لكي يؤدي العمل بمنافسة شريفة تسمح له بالمحافظة على مكانه أو أن يتطور، بينما معظم الأعمال الآن تجارية لا تترك أثراً على رغم تطور التقنيات”.
لكل شيء نهاية
الممثل عبدالمجيد مجذوب (83 سنة) الذي يضم رصيده عدداً كبيراً من الأعمال التاريخية والاجتماعية، كما شارك في ثلاثة أفلام وخاض تجربة الدوبلاج، يتحدث عن سبب قراره الاعتزال قائلاً “حصدت ما زرعته رضا واعترافاً من الناس بأنني قدمت جرعة طيبة من الأداء والاحترام والإبداع، لكن لكل شيء نهاية. فعلت المطلوب مني وخرجت من المعمعة راضياً عن نفسي، وآخر أعمالي كان تسجيلاً بصوتي لرسالة قطر في مونديال 2022. أديت رسالتي وكنت في قمة ألقي بين عامي 1975 و1990، لكن عندما تقدمت في السن أصبحت انتقائياً في أعمالي، وآخرها (الهيبة)”.
أدوار لكل الأعمار
الممثلة وداد جبور في الـ77 من عمرها، لكن ملامحها تجعلها تبدو وكأنها في الـ55، ولا تزال تمارس التمثيل، وتقول إن كسراً في يدها أجبرها على الابتعاد، لكنها ستعود قريباً إلى الشاشة. وتضيف “لا يمكنني أن أحصي عدد الأعمال التي شاركت فيها. قدمت أكثر من ثلاثة آلاف مسلسل و10 أفلام، كما شاركت في 20 مسرحية. وركزت على التلفزيون لأن الأدوار كانت تعجبني”.
وفي مقارنة بين تجربتها وتجارب زملاء الوسط الذين انسحبوا من الساحة، توضح “أنا مستمرة في التمثيل، وأعتبر أن الفنان يجب أن يكمل في العطاء طالما أنه يتمتع بصحة جيدة، وآخر أعمالي (رصيف الغرباء) و(موجة غضب) وشاركت قبلهما في (شتي يا بيروت) وأدرس حالياً مجموعة من العروض لكي أختار بينها. وبالنسبة إلى الممثلين الذين انسحبوا من الساحة فلديهم أسبابهم الخاصة ولا ألوم أحداً، لكن التقدم في السن لا يقف عائقاً بين الممثل والمهنة، لأن هناك أدواراً لكل الأعمار”.
وتستعيد جبور ذكرياتها مع زمن الفن الجميل، قائلة “كان كل شيء جميلاً مع أننا كنا نتعب كثيراً على العكس من اليوم مع وجود التقنيات الحديثة، وكان هناك تقدير كبير لنا ولوجودنا في أي عمل نشارك فيه”، مضيفة “على الساحة ممثلات جيدات حالياً، لكن ممثلات الجيل القديم كن أكثر حباً وإخلاصاً للعمل مقارنة مع الجيل الحالي الذي يعتمد على الشكل”.
الفنان لا يتقاعد
أحمد الزين ربما يكون الممثل الوحيد من جيل العصر الذهبي للدراما اللبنانية الذي لم يبتعد عن الشاشة، وقدم خلال مسيرته الفنية الطويلة 18 عملاً مسرحياً و18 فيلماً و200 مسلسل تلفزيوني، وعند سؤاله عن سبب استمراريته في حين قرر عدد من أبناء جيله الانسحاب، يقول “هذا السؤال يجب أن يوجه إلى الناس لمعرفة سبب حبها لي، وأيضاً إلى شركات الإنتاج لمعرفة أسباب تركيزها على الفنان أحمد الزين”.
ويضيف الزين “أنا أبرع في تنويع الشخصيات التي ألعبها، وهذه نعمة من الله، ودرست الفن في الشارع وتعلمت من الناس، والفنان لا يتقاعد، لكنه يستريح بين فترة وأخرى، ولذلك أنا أكتفي بتقديم عمل واحد سنوياً لأن لنفسي وجسمي وعمري عليَّ حقاً”. وتابع “لم يصدق أحد أنني فزت بجائزة (الموركس) عن عمل شاركت فيه وأنا مصاب في رجلي. وقدمت شخصية ابن البلد لمدة 44 عاماً، ولم أخن الجمهور يوماً، ولم أنقل البندقية من كتف إلى أخرى، كما حرصت على الابتعاد عن الوسط الفني وأمضيت وقتي بين البيت ومكان التصوير، كما أنني أحفظ بسرعة، وبمجرد أن أصل إلى مكان التصوير أخلع ملابس أحمد الزين وأرتدي ملابس الشخصية فيزول 90 في المئة من وجعي”.
وفي تأكيد منه على استمراريته يشير الزين إلى أنه سيشارك في عمل رمضاني للموسم المقبل من إنتاج شركة “إيغل فيلمز”.
هيام بنوت – اندبندنت
Follow Us: