الجمهورية
يواجه حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري منذ استلامه مسؤولياته الجديدة تحديات صعبة على محاور عدة، محاولا التوفيق بين البراغماتية في التعاطي مع الواقع والتطلعات الإصلاحية التي يحملها.
صحيح ان سعر الدولار لا يزال “منضبطا” منذ فترة، وان حاكم منصوري استطاع إبقاءه تحت السيطرة بعد مغادرة رياض سلامة التي تمت من دون وقوع مزيد من “الأضرار” الفورية في الليرة، ولكن الصحيح أيضا ان هذه الاستكانة الظرفية هي مجرد “هدنة”، وان المطلوب الاستفادة منها لتحويلها “استقرار”، وإلا ستصبح من نوع الهدوء الذي يسبق العاصفة.
حتى الآن، لا يبدو أن كثيرين من أصحاب الشأن يدركون أهمية استثمار فترة التقاط الأنفاس لاستدراك النزيف المستمر في الفرص والوقت، ولإنتاج حلول مستدامة، خصوصا على مستوى إقرار القوانين الإصلاحية التي يمكن أن تؤسس لمسار إنقاذي.
من هنا، حسم منصوري أمره برفض قبول اي تمويل إضافي للدولة ما لم يسبقه إقرار القوانين والإجراءات الإصلاحية التي تضمن استرداد اي قرض يُمنح لها، مستندا في موقفه الى قاعدة حماية ما تبقى من أموال المودعين ومحاولة استعادة ما ضاع منها.
ولكن منصوري يتفادى في الوقت نفسه تحويل موظفي القطاع العام واحتياجات المؤسسات الصحية والامنية والعسكرية “ضحية” عجز الدولة حتى الآن عن تعديل سلوكها الاتكالي، بحيث أخذ على عاتقه تأمين تمويل المتطلبات الضرورية لهذا الشهر، انما من دون المساس بأموال المودعين ولا زيادة الضغط على الدولار، منطلقا من ان الأمن والصحة خط أحمر.
وفي قناعة منصوري ان لبنان ليس مكسورا بل هو منهوب، وبالتالي اذا جرى تنفيذ الخطة الاصلاحية، يمكن وقف النهب والهدر وزيادة الإيرادات وصولا الى تحقيق الدولة تدريجيا الاكتفاء الذاتي او التوازن المالي.
ولوحظ اخيرا اهتمام الجهات الدبلوماسية برصد تجربة منصوري في الحاكمية ومواكبتها، وكان لافتا في هذا الإطار اللقاء الذي عقد بينه وبين السفير السعودي وليد البخاري، للتداول في شؤون مالية تتصل بدور مصرف لبنان ومسؤولياته، الى جانب البحث في إمكان دعم القوى الأمنية والعسكرية.
َوعُلم ان البخاري وجه دعوة الى منصوري لزيارة السعودية واستكمال البحث في الملفات المالية – النقدية. كذلك زار أخيرا عدد من السفراء والدبلوماسيين منصوري، مبدين ارتياحهم الى السياسات الجديدة التي يعتمدها.
وضمن سياق الاشارات الإيجابية التي تلقاها منصوري اخيرا، علم ان ان بعض المصارف المراسلة التي كانت قد قاطعت لبنان عادت الى التعاون مع البنك المركزي، كذلك فإن رؤساء مصارف دولية هم في صدد زيارة بيروت قريبا والإجتماع مع “الحاكم”.
وتفيد المعلومات ان بنوكا اجنبية عدة استطلعت إمكان فتح فروع لها في لبنان، لاسيما ان السوق الداخلية باتت قابلة للانتعاش، الا ان منصوري قرر عدم التجاوب مع أي طلبات في هذا الخصوص حاليا، لحماية القطاع المصرفي وإعطاء البنوك اللبنانية فرصة لتصحيح أوضاعها والانطلاق مجددا على أسس سليمة وسوية، خصوصا ان دخول المصارف الأجنبية في هذا التوقيت سيؤدي الى استقطاب كبير في ظل انعدام الثقة بشكل كامل في تلك اللبنانية، ما يشكل ضربة قاضية لها.
وخلال اجتماعه مع ممثلي جمعية المصارف، تمنى علبهم منصوري ان يصححوا أخطاء المرحلة السابقة وان يتخلوا عن الخطاب القديم والمتهالك لصالح مقاربة جديدة تتناسب مع تحديات المرحلة الراهنة، مؤكدا حرصه على إعادة ضخ الحياة في القطاع وإنما وفق قواعد صحيحة تعيد بناء الثقة مع المودعين.