الجمعة, نوفمبر 22
Banner

المقاربة الدستورية لإعتكاف رئيس الحكومة ـ بقلم الدكتور خضر ياسين

أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن نيته بالإعتكاف في ممارسة صلاحياته ومهامه، اعتراضآ على المسار السياسي الحالي في لبنان، داعيآ كل الأطياف السياسية الى تحمل مسؤولياتها أمام الأزمات السائدة، وفي ظل الظروف الإستثنائية التي تمر بها الدولة اللبنانية، والمتمثلة بالشغور الرئاسي وعدم التمكن من انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وعدم اجتماع المجلس النيابي إلاّ في الحالات الضرورية، بالإضافة إلى القضايا المالية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية التي نشهدها.لكن هذا الأمر لا يشكل سابقة فيما يخص إعتكاف رئيس الحكومة، حيث سبق لرئيس الحكومة السابق حسان دياب أن لوّح بالإعتكاف بعدما فشل الرئيس سعد الحريري بتشكيل حكومة، وحينذاك كان الرئيس دياب رئيس حكومة تصريف أعمال، أيضآ الرئيس الراحل رفيق الحريري مارس الإعتكاف في شهر أيار عام ١٩٩٤، كذلك اعتكف الرئيس الراحل رشيد كرامي عن ممارسة مهامه منذ نيسان إلى تشرين الثاني عام ١٩٦٩. إن الدستور اللبناني لم يتضمن الحديث عن الاعتكاف في ممارسة الصلاحيات، بل يؤشر هذا المفهوم إلى أن رئيس الحكومة يعبّر عن موقف سياسي يترجمه بانقطاعه عن العمل. والدستور في أبسط تعاريفه أنه يتضمن مجموعة القواعد الناظمة لعمل المؤسسات الدستورية، حيث يحدد إختصاصات كل من السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية بأركانها الثلاثة: رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة، والحكومة. ووفقآ للمبادئ والأصول الدستورية فالحكام الذين يتولون إدارة الشؤون العامة للدولة، يستمدون الإمتيازات من النصوص الدستورية، فهي ليست إمتيازات شخصية لهم، أو حقوق ذاتية يمكنهم التنازل أو التخلّي عنها، بل إنهم يعبرون عن إرادة الدولة، وقيمة قراراتهم الملزمة مستمدة من قوة الدولة لأنهم يمارسونها نيابة عنها.فالمادة (٦٤) من الدستور والتي بموجبها تم استحداث موقع رئاسة مجلس الوزراء استنادآ إلى إصلاحات إتفاق الطائف (١٩٨٩)، حددت في ثماني فقرات صلاحيات رئيس الحكومة، ومنها على سبيل المثال الفقرة السابعة التي تنص على أن رئيس الحكومة هو الذي يتابع أعمال الإدارات والمؤسسات العامة وينسق بين الوزراء ويعطي التوجيهات العامة لضمان حسن سير العمل، وكذلك الفقرة الثامنة التي تنص على أنه يعقد جلسات عمل مع الجهات المعنية في الدولة بحضور الوزير المختص.

صحيح أن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال، لكن هذا لا يمنع رئيس الحكومة من الإستمرار في تحمل مسؤولياته وممارسة صلاحياته الدستورية وغيرها حتى تشكيل حكومة جديدة، فهذه الحكومة لا تجتمع إلاّ بدعوة من رئيسها، وطالما أنه سيعتكف وينقطع عن العمل فإن هذا سينعكس على عدم انعقاد مجلس الوزراء لمتابعة القضايا والمواضيع الضرورية والملحة، مما يؤثر سلبآ على المصلحة العامة، وفي هذا السياق إن المادة ٦٤ من الدستور تنص على أن الحكومة لا تمارس صلاحياتها بعد استقالتها او اعتبارها مستقيلة إلاّ بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال، أي أنها تلقي على رئيس الحكومة مسؤولية بمتابعة عمله ومهامه وصلاحياته مما يجعل من الإعتكاف سلوكآ مناقضآ ومخالفآ لمضمون وروحية المادة المذكورة. والدستور في اكثر من موقع، ترقب لحالات الشغور أو الفراغ أو الخلل في المواقع أو في الصلاحيات، وهذا يدل على أنه يحث ويحفّز على معالجة هذه الحالات، من أجل الإستمرارية في ممارسة الصلاحيات إلى حين ملء الشغور أو إنبثاق سلطة دستورية جديدة، وبالتالي فهو ينص على واجب دستوري يتوجب القيام به، ولا تملك الجهة التي يقع على عاتقها هذا الواجب أي سلطة في تقرير القيام به أو الإمتناع، أو التلكؤ، أو الإهمال، وهنا نذكر الحالات التالية:المادة (٥١) من الدستور تنص على أنه اذا حلّ المجلس النيابي وجب ان يشتمل قرار الحل على دعوة لإجراء إنتخابات نيابية جديدة، وهذه الإنتخابات تجري وفقآ للمادة (٢٤) وتنتهي في مدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر.المادة (٤١) تتحدث عن انه اذا خلا مقعد في المجلس النيابي يجب الشروع في انتخاب الخلف خلال شهرين.المادة (٥٥) تنص على أنه في حال حلّ المجلس النيابي تستمر هيئة مكتب المجلس في تصريف الأعمال حتى انتخاب مجلس نيابي جديد. المادة (٦٢) تذكر أنه في حال خلو سدة الرئاسة لأية علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء. المادة (٦٤) تتضمن انه في حالة استقالة الحكومة تستمر الحكومة ذاتها بممارسة صلاحياتها ضمن ما يعرف تصريف الأعمال. استنادا لما تقدم يتبين لنا أن الدستور تنبأ وعالج الحالات التي تشكل استثناءآ لعمل المؤسسات الدستورية بشكلها الطبيعي، وحفاظآ وحرصآ على مبدأ إستمرارية عمل ونشاط المؤسسات الدستورية للدولة وعدم حصول شلل في هذا العمل، حدد بشكل واضح من هي الجهة الدستورية التي يتوجب عليها الإستمرار بممارسة صلاحيات معينة إلى حين عودة الحياة الدستورية لنصابها الطبيعي والمعتاد. هذا من حيث المبدأ والأصول الدستورية، فكيف إذا كانت الأوضاع السائدة في الدولة من النواحي الإقتصادية، والإجتماعية، والصحية، والمالية، تحتاج إلى متابعة، وتضافر جهود، وحرص وعناية السلطات في الدولة؟

Leave A Reply