وأخيراً وبعد ضياع أكثر من عقد من الزمن، في الخلافات والصراعات بين أطراف المنظومة السياسية على تقاسم الحصص ومغانم الثروة النفطية، يقف لبنان على عتبة نادي الدول المنتجة للنفط والغاز، بإنتظار نتائج عمليات الحفر الأولية، والتأكد من حجم المخزون من النفط والغاز في الرقعة رقم ٩، التي يبدأ فيها الحفر غداً، بعدما أنهت «توتال أنيرجيز»، تمركز الحفارة الضخمة، وكل الترتيبات اللوجستية الأخرى.
فرحة اللبنانيين بدخول لبنان أسواق النفط والغاز العالمية، يشوبها الكثير من الحذر والقلق على مصير الثروة الجديدة، في ظل إدارة سياسية تجاوزت كل الخطوط الحمر في فسادها، وعملت نهباً بموارد الدولة، وأموال الناس في المصارف، حتى أفلست خزينة البلد، وأسقطت أكثرية اللبنانيين تحت خط الفقر، دون أن يرفّ جفنٌ لمسؤول، ودون أن يخاف أي مرتكب من محاسبة أو عقاب.
هذا اليوم التاريخي تأخر سنوات مديدة، سادها نقاش عقيم بين أهل الحل والربط في السلطة، فيما كان العدو الإسرائيلي يحزم أمره في إستخراج النفط والغاز من البحر، ومن المناطق التي كان لبنان يُطالب بحقوقه الطبيعية فيها، بدءًا من الخط ٢٩، وإمتداداته على الحدود البرية.
عام ٢٠٠٨، وفي عهد الرئيس ميشال سليمان وحكومة الرئيس فؤاد السنيورة، تم فتح الملف النفطي على مصراعيه، وبادر لبنان إلى إنجاز الترسيم مع قبرص، تمهيداً لبدء مفاوضات مماثلة مع الجانب الإسرائيلي بواسطة الأمم المتحدة، في البداية، ثم برعاية ومشاركة أميركية لاحقاً. ولكن المفاوضات توقفت بعد إندلاع الخلافات بين السياسيين اللبنانيين، حول من سيتسلم الملف النفطي، ومن يقرر في مسألة ترسيم الحدود، ومن سيتولى إدارة الصندوق السيادي لعائدات النفط والغاز.
نام هذا الملف الحيوي، والذي كان من الممكن أن ينقذ البلاد والعباد من الوقوع في جهنم الراهنة، لو قُدِّر للبلد أن يكون بإدارة سياسية رشيدة، تضع مصلحة الوطن العليا فوق مصالحها الأنانية والشخصية، ولكن من سوء حظ هذا الشعب المقهور هذا الإبتلاء بمنظومة سياسية فاسدة، لا تقيم وزناً للمصلحة العامة.
واليوم يدخل الصندوق السيادي البازار السياسي من جديد، بعد مطالبة النائب جبران باسيل العلنية بأن تكون عائدات الثروة النفطية بإدارة فريقه الحزبي، وذلك في صلب المفاوضات الدائرة بين حزب الله والتيار العوني، حول الإنتخابات الرئاسية.
فهل تتكرر عمليات السرقات والهدر في وزارة الكهرباء الموقوفة للتيار العوني منذ ٢٠٠٨، وتلحق أموال النفط والغاز، مليارات الكهرباء في النهب والتبديد، على عينك يا تاجر، ودون حسيب ولا رادع من حس وطني وضمير؟