خلال العشاء السنوي لهيئة قضاء كسروان الفتوح في التيار الوطني الحر، القى الرئيس العماد ميشال عون كلمة قال فيها:
انا اليوم سعيد بلقائي معكم يا أبناء كسروان، وانا لا أنسى ماضيَّ ولا ماضيكم، فمنذ أن وطئت قدماي أرض لبنان بعد إبعاد 15 عاماً وحتى اليوم لم أفارقكم ولم تفارقوني؛ فالإنسان، وإن غاب جسديا، يبقى فكره وذكرياته مع الناس الذين خلفهم وراءه، ومع هذا فأنا لم أترككم، وبقيت كسروان والفتوح في قلبي وعقلي، وحاولنا دائماً أن نقدم لها كل ما أمكننا وما تحتاجه من مشاريع ولكن مع الأسف فإن قسماً كبيراً من هذه المشاريع لم يكمل طريقه في التنفيذ على الأرض لأن الخزينة فرغت من المال وزادت السرقات.
وتوجهنا لمحاربة الفساد؛ تراكم الديون وتفليسة الدولة، جرائم متعددة أوصلت الى هذا الوضع أبرزها الهندسات المالية، وهذه جريمة واضحة لمن يعرفون في مسار المال. رفعوا الفوائد بنسب عالية واستدرجوا الأموال من حامليها، “زغار، كبار أثرياء متوسطي الدخل… ” جميعهم ركضوا خلف الفائدة المرتفعة، أعطوا الناس الفائدة وأخذوا الودائع، خبأوها هرّبوها وظفوها صرفوها سرقوها لا نعرف.. كل شيء معقول
وأود هنا أن أوجه تهنئة الى القاضي جان طنوس الذي بدأ بالتحقيق العدلي اللبناني بالجرائم المالية المرتكبة، والى النائب العام غادة عون التي مسيرتها مسيرة أبطال، فعلى الرغم من كل ما تعرضت له من حواجز وعوائق وتهديدات، بقيت على قناعاتها وعلى احترام ضميرها، والى القاضية هيلانة اسكندر رئيسة هيئة القضايا التي دورها أن تدافع عن مصالح لبنان، وهي تؤدي هذا الدور بكل أمانة وبكل ضمير، وتواجه معركة قاسية لتحقيق هذه الغاية.
المحاكمة الفعلية يجب أن تكون مع نتائج التدقيق الجنائي والتي جاءت بالمناسبة مطابقة لضميرنا وأيضاً كنتيجة بديهية للمشاكل التي حصلت والأفعال التي ارتُكِبت، ولكن تبقى هناك مخالفات، ارتكبها من يحمون اليوم حاكم مصرف لبنان ويجب أن تتظهر.
وأذكر هنا إلى أن لبنان الدولة الذي عمره 103 سنوات لم يشهد رئيساً يحاسب مسؤولين ، الا في عهدنا وبكل تواضع، ولكن مع الأسف المعركة كانت على حسابي فقط، كنت أتوقع الدعم في هذه المعركة من المؤسسات اللبنانية مثل النقابات الحرة والمؤسسات الاعلامية ولكنهم لم يفعلوا، الإعلام قبض الأموال لمحاربتي، وهذه سابقة، إذ لم يحصل في أي بلد أن حارب الإعلام المسؤول الذي يحارب الفساد، حتى بعض الذين خسروا أموالهم، والجمعيات التي برزت هنا وهناك، وغيرهم تجمّعوا ضدي… كان مؤسفاً أيضاً أن بعض الحلفاء السياسيين ومن كنا على تفاهم معهم التزموا الصمت، فأصبحنا وحيدين في المعركة، والأبشع التسابق في تصاريح الدعوات الى “تنحي رئيس الجمهورية واستقالته”، لم أشهد أبداً مثل هذا “التقدير” لمن يحارب الفساد.. وهذا معيب، لأن ما كنت أقوم به لم يكن خدمةً لي ولا دفاعاً عن “ثروة والدي” المحجوزة في البنك.. كنا نقاتل من أجل بناء وطن، ومن يريد أن يبني وطناً عليه أن يعطيه، فالبناء عطاء وكلفة ومصاريف.. أما من يقاتل من أجل السلطة فيريد أن يربح وأن يربح المال، هذان الهدفان مختلفان ولا يمكن أن يلتقيا لأن جوهرهما مختلف كليّاً.
في موضوع النفط، أذكّر أن أول من أطلق مشروع التنقيب كان الوزير باسيل حين كان وزيراً للطاقة، وتحددت الخريطة مع النروج لأنهم أول بلد وجد النفط في البحر، وطرح موضوع استدراج عروض استخراج النفط حيث استجابت وتقدّمت 56 شركة من كبريات شركات النفط في العالم، ولكن بقي المرسومان اللازمان للمشروع في مجلس الوزراء دون إقرار لعرقلة التنفيذ، وعندما صرت رئيساً كان هذان المرسومان في وجداني فوضعتهما بنداً أولاً على جدول أعمال أول جلسة لمجلس الوزراء، وهكذا تم إقرارهما.
في موضوع القضاء في لبنان، أود أن أروي ما حصل معي عندما زارني المجلس الأعلى للقضاء لتهنئتي بالرئاسة فقلت لهم “أنتم واجهة القضاء ومسؤولون عنه وعن مساره وعن عمله ونزاهته، أعرف أنكم تتعرضون للكثير من الضغوطات من السياسيين والسلطةـ اعتبروني سقفكم الفولاذي ولا تخافوا، وأي ضغط تتعرضون له ولا يمكنكم تحمله انقلوا المشكلة لعندي وانا أخذها على عاتقي…”.
وفي نهاية الولاية جاءوا مجدداً لوداعي فذكرتهم بما قلته لهم وأضفت “خلال الست سنوات لم يأتني أي منكم فهل أعتبر أن القضاء كان يسير “متل الساعة” خلال هذه السنوات الست؟!… الجواب عندكم أنتم.
دولتنا “فارطة” طالما لا يوجد فيها مؤسسات، طالما القضاء بهذه الحالة، طالما القوى الأمنية بهذه الحالة.. فالدولة تقوم على ركيزتين الأمن والعدل، الشرطي والقضاء، فإذا فقدت إحداها يضيع البلد، القاضي ليحفظ حقوق الناس وحقوق الدولة والشرطي ليحفظ الأمن وينفذ أحكام القضاء وإعادة الحقوق.
في التدقيق الجنائي عانينا ثلاث سنوات من كثرة العراقيل التي كان يضعها المسؤولون والمتّهمون الذين سعوا بكل ما لديهم لإسقاطه. اليوم “علقوا”، بعضهم صار في السجن والاخرون في طريقهم اليه، بهذا أعدكم وكل سنة وأنتم بخير.