لا أموال… لا صرف… لا دولة.
تلك هي المعادلة التي يتهيبها الجميع مع دخول البلاد أخطر مؤشرات التعثر المالي والنقدي وبعد أن اتخذ القرار: لا مساس بالاحتياط.
والسؤال كيف ستتمكن الدولة من تسيير أمورها؟
“الناس عايشة والمطاعم مليانة” هذا الوصف بعد شهر سينتهي مفعوله لتتكشف تباعاً رداءة الوضع الذي وصلنا اليه، واذا كان حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة قد اتفق مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قبل مغادرته منصبه على تغطية مصاريف شهر آب، فماذا عن أيلول والتشرينين والأشهر المقبلة اذا بقي الوضع على ما هو عليه، استعصاء للحل السياسي وشح غير مسبوق في الدولارات؟.
يقول مصدر مالي رفيع لـ “لبنان الكبير”: لقد أصبح كل المسؤولين في أجواء ما ينتظرنا، وهناك تخبط كبير ومخاوف أكبر من سيناريو مقبلون عليه عاجلاً أم آجلاً. من دون حل سياسي والبدء بالاصلاحات، “رح نتفركش” والمسألة مسألة وقت.
انتهى زمن المعجزات يضيف المصدر، وما قام به الحاكم الأول بالانابة وسيم منصوري هو ترقيعة شهر أو شهرين على أبعد حدود، فالوضع أصبح صعباً جداً وفي النهاية سنصل حتماً الى الاصطدام بالحائط أو الى الـbottom line، وهذا ليس صدفة أو تبصيراً انما وقائع علمية ومنطقية، الدولة تحتاج شهرياً بين ٢٠٠ الى ٢٥٠ مليون دولار، المصرف المركزي و”بطلوع الروح” يستطيع تأمين مليون منها وبصعوبة شديدة، واذا عجز المصرف عن تأمين نصف هذه الحاجة فماذا ستفعل الحكومة؟ الاستحقاقات القادمة كبيرة وضاغطة من الرواتب (المحلية والديبلوماسية) وكهرباء وصحة ومدارس… الواضح في كل هذا المشهد الضبابي التأكيدات الثلاثة: أكيد أكيد أكيد لا صرف من الاحتياط ولا مساس بالذهب وأصول الدولة. اما أموال السحوبات الخاصة فقد وصلت الى أدنى مستوى، وهنا يكشف المصدر أن ميقاتي استخدمها لتغطية النفقات المتوجبة ولم يبقَ منها سوى ٥٠ مليون دولار (شهر آب صرف من الـSDR ٦٠ مليون دولار) والسوق لا يحتمل كب الليرات وسحب الدولارات بصورة عشوائية حتى لا يقفز سعر الصرف. احتياجات الدولة أصبحت أعلى بكثير مما يمكن تأمينه، وهذا أسوأ الأوضاع التي يمكن أن تصل اليها أي دولة في تأمين احتياطها، أي أن تعمل كل شهر بشهره من دون أي رؤية أو خطة ولا حلول. من هنا هدد ميقاتي بالاعتكاف يقول المصدر، لأنه مدرك تماماً أنه لن يستطيع الاستمرار هكذا وستنفجر في وجهه في توقيت ما، ليس ببعيد!
هل وصلنا فعلاً الى الارتطام؟
على مدى ثلاث سنوات نسأل وننتظر هذه اللحظة لكن أرانب سلامة كانت دائماً حاضرة فمن سيأتي بها الآن؟ الدولة تحتاج سنوياً الى مليارين ونصف المليار لتغطية نفقاتها:
رواتب القطاع العام تحتاج الى ما يقارب ٩٠ مليون دولار شهرياً ونفقات القوى الأمنية والعسكرية الاستراتجية تقارب الـ٣٠ مليون دولار شهرياً. نفقات الادارات الحكومية والوزارات والنفقات العمومية تقارب الـ ١٢٠ الى ١٥٠ مليون دولار شهرياً، ما يعني أن مجموع المطلوبات الشهرية بالدولار يصل بالحد الأدنى الى ٢٥٠ مليون دولار. ومعروف أن الاحتياط الالزامي الباقي في مصرف لبنان بعد حسم المطلوبات على الدولة أصبح ٧.٣ مليارات دولار وهذه النسبة تساوي ٨٪، بينما المفروض أن لا تقل هذه النسبة عن ١٤٪ (الودائع الدولارية في المصارف تبلغ ٩٢ مليار دولار بينما الموجود القابل للتصرف لا يتجاوز الـ ٧.٣ مليارات).
من أين ستأتي الحكومة بهذه الأموال لتغطية نفقاتها؟ آخر هذا الشهر تكون غالبية المغتربين قد عادت مع دولاراتها الى بلادها وتعود الضغوط المعيشية وفي مقدمها العام الدراسي والهم الصحي يتفاقم والبنى التحتية مهترئة وتحتاج الى صيانة على أبواب الشتاء، والأجهزة الأمنية أمام تحديات مع عودة التوترات يعني باختصار “بتروح السكرة وبتجي الفكرة”.
السيناريو الأسود تتقاطع عليه كل القوى السياسية اذا لم يكن هناك حل في السياسة والأخير صعب قياساً على مسار الأمور. وعندما تنهار الدولة ينهار معها كل البلد وهذا هو شبح الارتطام الذي سكننا منذ ثلاث سنوات… فهل أصبحنا على عتبته؟
ليندا مشلب