يدرك المعنيون في مجلس الأمن أن تهريب قرار إعطاء قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب “اليونيفيل” الصلاحيات للقيام بجولات تفتيش من دون مواكبة الجيش اللبناني في العام الماضي، كان خاطئا، كونه تسبب بسلسلة مواجهات حصلت بين أهالي بعض القرى وأصحاب القبعات الزرقاء وأدت الى توترات وخسائر وكادت أن تشعل أكثر من أزمة، ما أجبر هذه القوات على إلتزام مقراتها، وإقتصار عملها فقط على الدوريات اليومية التقليدية والعادية.
يعيد مجلس الأمن الكرّة اليوم، في خطوة تستدرج أزمة جديدة الى لبنان، متجاهلا التجربة الميدانية في العام الفائت والتي باءت بالفشل، ورغم ذلك، يبدو أن هناك من يريد زج “اليونيفيل” في مغامرة جديدة غير محسوبة النتائج، وإرباك حزب الله بوضعه أمام أمر واقع قد يسفر عن سلسلة أزمات جديدة نتيجة الحساسية التي قد تنشأ بين الأهالي وقوات الطوارئ، ويحاول في الوقت نفسه ممارسة مزيد من الضغط على لبنان بمسودة تشكل إنتقاصا من سيادته وإستقلاله.
تشير المعطيات الى أن البعض في لبنان هو من سعى بإتجاه إستمرار عمل اليونيفيل وفق الآلية المطروحة في المسودة التي وضعها مندوب فرنسا، وذلك من أجل إحراج حزب الله، وإستدراج الغرب للتدخل بالوضع اللبناني، ورفع الصوت أمامه لطلب “مظلة دولية لحماية اللبنانيين من حزب الله الذي يستقوي عليهم”، علما أن هذه اللغة إعتمدت قبل أسابيع في عين إبل بعد مقتل إلياس الحصروتي، ويبدو أن هذا البعض سعى الى ترجمتها دوليا.
المسودة التي تناقش في مجلس الأمن من شأنها في حال إقرارها أن تؤدي الى فتنة وربما الى حرب، ما دفع بالحكومة اللبنانية الى إتخاذ موقف متوازن يصون السيادة ويحفظ الأمن ويحمي الاستقرار ويبعد خطر الفتنة، خصوصا أنه لا يمكن لأي بلد أن تتجول فيه قوة أجنبية مسلحة من دون معرفة الحكومة ومن دون طلب مواكبة الجيش أو التنسيق معه، علما أن لبنان هو من طلب تمديد عمل اليونفيل، وبالتالي فإن الدولة التي تطلب يكون لها رأي أو قرار في تحديد الاجراءات وآليات العمل، ولا يجوز للدول المعنية أن تُحرج هذه الدولة بقرارات تنتقص من سيادتها وتفتح الباب على مصراعيه أمام تطور الأحداث وخلق التوترات في بلد لا ينقصه المزيد من الانقسامات والاشكالات الأمنية.
يمكن القول، كما إن قوات اليونيفيل تشكل حاجة للبنان، فإنها تشكل حاجة مضاعفة للكيان الصهيوني لا سيما في ظل توازن الرعب الذي تفرضه المقاومة، ما يعني أن الكيان الصهيوني ومن يدور في فلكه من الدول لن يستطيعوا إبتزاز لبنان بهذه المسودة، كما أن التهديد بالفصل السابع لا يعدو كونه قنبلة دخانية لا تأثير لها، خصوصا أن أي قرار من هذا النوع قد يؤدي الى حرب، وهو سيواجه بفيتو من قبل الصين وروسيا ما يجعله غير قابل للحياة.
تشير المعطيات الى أن الأيام المقبلة ستشهد الكثير من الأخذ والرد قبل صدور القرار النهائي، والذي قد يُبقي صلاحيات قوات اليونيفيل على الورق فقط، ويكون الوضع على الأرض مغايرا لجهة التنسيق مع الجيش أو الاكتفاء بالدوريات التقليدية، أو أن تثمر الجهود في إقناع الدول المعنية بضرورة تأمين مظلة أمان لقوات الطوارئ من خلال التنسيق مع الحكومة والتحرك بمواكبة الجيش، ما يوفر عليها الكثير من الحوادث والاشكالات، ويجنب لبنان الكثير من الأزمات!..
غسان ريفي – سفير الشمال