شكّل إعلان وزارة الطاقة والمياه اللبنانية عن منح ترخيص لتحالف شركتي Geoex MCG ومقرها المملكة المتحدة وشركة (Brightskies Geoscience (BGS ومقرها مصر، للقيام بمسوحات زلزالية ثلاثية الأبعاد لقاع البحر في الرقعة الرقم (8) في المنطقة الاقتصادية الخالصة قبالة الساحل اللبناني، خطوة جديدة في المسار البترولي الذي يتعطّش اللبنانيون لسماع أصداء إيجابية فيه، تشكل خلاصًا لهذا البلد من حالة انعدام الرؤية والتهديد بانهيار المصير.
بداية، إن الرقعة الرقم (8) هي من ضمن الرقع الثمانية المعروضة (1 و2 و3 و5 و6 و7 و8 و10) في دورة التراخيص الثانية من المياه البحريّة اللبنانية منذ العام 2021، غير أنه وبنتيجة الظروف التي مر بها البلد خلال السنوات الماضية، أحجمت شركات النفط العالمية عن إبداء رغبتها في طلب الإشتراك بالمزايدة في أي من هذه الرقع، على رغم من تكرار هيئة إدارة قطاع البترول تمديد مهلة تقديم الطلبات لجولة التراخيص الثانية، والتي كان آخرها تمديد المهلة حتى 2 تشرين الأول 2023.
وقد كان لموقع الرقعة الرقم (8) أهمية في عمليات التفاوض غير المباشر حول ترسيم حدود المنطقة الإقتصادية الخالصة الجنوبية مع الكيان الإسرائيلي كونها تقع في منطقة مُتنازع عليها عند حدود الخط (23) غرب الرقعة الرقم (9) تحديدًا. لذا فإن إطلاق المسوحات الزلزالية في هذا التوقيت وفي هذه الرقعة تحديدًا بالتزامن مع الإعلان عن بدء عمليات الحفر الإستكشافي الأول في بئر «قانا1/31» أي في الرقعة 9 المجاورة، هو دفعة لتعزيز جو إيجابي جاذب لشركات النفط العالمية في الملف البترولي اللبناني.
وفي 8 آب 2023 الجاري، منحت رخصة استطلاع في الرقعة الرقم (8) لتحالف مكون من شركة Geoex MCG وهي شركة عالمية مزودة البيانات الجوفية، يكمن جوهر نشاطها في تحديد المناطق الجاذبة لاستكشاف موارد الطاقة الطبيعية وتصميم المسوحات الجيولوجية العلمية، وشركة Brightskies Geoscience وهي شركة تقدم خدمات متكاملة للتصوير والمعالجة الزلازلية لصناعة النفط والغاز. ومن المفترض أن تغطي رخصة الإستطلاع مساحة 1400 كيلومتر مربع في الرقعة الرقم (8) بهدف القيام بدراسة زلزالية ثلاثية الأبعاد للرقعة المستهدفة. وتعتبر هذه الدراسات الزلزالية إحدى تقنيات تصوير التربة التي تمنح شركات النفط فهمًا أفضل لإمكانات وجود الهيدروكربون في الرقعة المستهدفة، وبالتالي تقليل مخاطر الحفر من دون اكتشافها.
وقد أعلنت شركتا Geoex MCG و(Brightskies Geoscience (BGS أن «المسح سيركز على تصوير الأحجار الرملية في المياه العميقة التي تعود إلى عصر أوليجو- ميوسين (Oligo-Miocene)، إضافة إلى تسلسلات الكربونات فيها… ومن المتوقع أن يبدأ جمع البيانات الزلزالية في الربع الأخير من عام 2023، على أن تتم معالجة هذه البيانات بسرعة خلال الربع الأول من عام 2024. ومن الممكن توسعة نطاق المسوحات للرقعة الرقم (5) للأطراف المهتمة».
ويجري الحديث على أن السفينة المجهزة خصيصًا لهذا النوع من العمليات ستصل إلى لبنان بين منتصف تشرين الثاني، ومنتصف كانون الأول من هذه السنة. وستستغرق مدة المسح الفعلية نحو شهر ونصف شهر، وسيتم بعد ذلك تجميع البيانات لإنشاء الخريطة تحت السطح. ولا بد من الإشارة هنا الى ان رخصة الإستطلاع الممنوحة هي ليست حصرية، فلا يوجد ما يمنع الشركات الأخرى من التقدم للحصول على تراخيص خاصة بها لإجراء النوع نفسه من الدراسة الزلزالية بالتوازي مع الدراسة الجارية.
إذاً مع طلائع الشهر المقبل سيكون اللبنانيون على موعد مع بدء الورشة الأولى لأعمال الحفر الإستكشافي في بئر «قانا 1/31» في الرقعة رقم (9)، وما سيتبعها تاليًا من التجهيز للورشة الثانية ببدء المسوحات الزالزالية في الرقعة المجاورة الرقم (8)، مما سيكون له الأثر البالغ في رفع آمال اللبنانين وسقف توقعاتهم في الملف البترولي.
والأمل أن يرافق هاتين الورشتين إستقرار سياسي وتشريعي وإقتصادي يمهد الطريق أمام تلقف أي إستثمارات مكتشفة في هذا الإطار، لعل هذا الملف يكون بداية الطريق نحو تأسيس دولة ومؤسسات قادرة على حماية ثروات الأجيال القادمة.
الجمهورية