كتبت صحيفة “الجمهورية”: ما بين حل داخلي ضائع في واقع سياسي مقيم على ضفتي هوة انقسام سحيقة، منعدمة فيها إرادة التوافق على رئيس للجمهوريّة، وبين جعبة إقليمية ودولية طافحة بالتمنيات «من بعيد لبعيد» على أطراف التعطيل، بتقصير عمر الشغور الرئاسي والتسريع بانتخاب الرئيس، وخالية من أي مبادرة جديّة تكسر جدار الأزمة، وتجلب المعطّلين إلى بيت طاعة بلدهم، وطن بدأ يتحضّر فعلاً لمرحلة انتقالية من سيئ إلى أسوأ.
مع هذا الواقع المسدود، صار القلق والخوف صفتين ملازمتين للمواطن اللبناني، فالدوامة الرئاسية بلا أفق، وأطراف مأزومة تتناتش بعضها البعض وتتبارى في مَن منها الأقدر على مراكمة الحجارة في الطريق وسدّ طاقات الفرج والحلول، ناهيك عن التآكل والاهتراء المريع لكل عناصر ومقومات الحياة في هذا البلد، وتبعاً لهذا المشهد، مهما كثر الموفدون ومهما سالت تمنياتهم أكانت صادرة بلغات اللجنة الخماسية جميعها او باللغة الإيرانية، فلا تنفع حوارات اياً كان شكلها، وكل ذلك لا يغيّر في حقيقة انّ لبنان مقبل على مجهول.
صرخة الأمن
وإذا كان المسلّم به انّ الأزمة التي يعانيها لبنان أطاحت بكل شيء تقريباً، وعمّمت الإهتراء على الواقع الاقتصادي والمالي والمعيشي والكهربائي والصحّي والخدماتي بشكل عام، فكلّها مخاطر نسفت حياة اللبنانيين، الاّ انّ الخطر الأكبر يتبدّى إن سقط الأمن، فساعتئذ يتهاوى الأساس الذي لا يزال يمكّن هذا البلد من الوقوف على رجليه. وما الصرخة التي أطلقتها الأجهزة العسكرية والأمنية في جلسة لجنة الدفاع النيابية امس الأول، بأنّ أمن البلاد لا يزال ممسوكاً، والاجهزة تعاني، وتمارس دورها باللحم الحي، ولكنه مع استمرار هذه الحال، فقد نصل الى وقت يخرج فيه عن السيطرة، وهنا تكمن الكارثة.
الصمد يحذّر
في هذا الإطار، أبلغ رئيس لجنة الدفاع النائب جهاد الصمد إلى «الجمهورية» قوله: «نحن وصلنا الى مرحلة الضوء البرتقالي، فالذي يبقي البلد قائماً حتى الآن هو انّ الحدّ الأدنى من الأمن ما زال متوافراً. كل القطاعات والمؤسسات تعاني وكذلك المؤسسات الأمنية والعسكرية تعاني، ورغم ذلك تقوم بواجباتها في السهر على أمن وأمان اللبنانيين، ولكن هذا الوضع لا يمكن ان يستمر، حيث انّ ثمة احتياجات ضرورية وملحّة ينبغي تأمينها لهذه الاجهزة والقطاعات الأمنية وفي مقدّمها المؤسسة الأم اي الجيش اللبناني، وما لم نسارع الى تدارك الامر ونتجنّب الخطر، لن تكون نتيجتها سلبية على تلك المؤسسات فقط، بل انّ لبنان ككيان، ولبنان بكل اطيافه وفئاته، وجميعنا من دون استثناء في خطر».
واكّد الصمد «انّ المخرج الوحيد هو توفير الاعتمادات اللازمة لتمكين المؤسسات الامنية والعسكرية من الاستمرار في القيام بواجباتها، وهذا الامر ليس صعباً، إذ انّه في ظلّ واردات الدولة التي يُفترض انّها بدأت تتحسن بعد تعديل سعر الدولار الجمركي، وبعد الإجراءات التي اتخذتها الدولة، يمكن تأمين احتياجات هذه المؤسسات، عبر اقتراح قانون معجّل مكرّر تتبنّاه كل الكتل النيابية والتوجّهات السياسية، وتقرّه الهيئة العامة لمجلس النواب في اسرع وقت ممكن، بما يوفّر الاعتماد الإضافي اللازم لتأمين الحدّ الأدنى من الاحتياجات الضرورية لتلك المؤسسات، والحفاظ بالتالي على أمن المواطن والمجتمع. واتوجّه الى الجميع قائلاً: لم ندخل حتى الى مرحلة الخطر والأجهزة الامنية والعسكرية تقوم بواجباتها، لكنها لا تستطيع ان تستمر من دون ان تُوفّر لها احتياجاتها الضرورية. من هنا، فإنّ أمن لبنان، كل لبنان في خطر إن لم نتداركه قبل فوات الأوان».
هوكشتاين
من جهة ثانية، البارز في المشهد الداخلي، هو وصول الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت، ولقاؤه برفقة السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا كلاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي اضافة الى وزير الطاقة وليد فياض.
بحسب معلومات «الجمهورية»، فإنّ هوكشتاين لم يحمل معه أي «افكار نوعية جديدة، على صلة بأي من الملفات التي يتابعها مع الجانب اللبناني، حيث بدا انّه ينقل رسالة اميركية قديمة – جديدة، تدعو الأطراف اللبنانيين الى التسريع في حسم الملف اللبناني وانتخاب رئيس الجمهورية في اقرب وقت ممكن، مشدّداً على ان يقوم المجلس النيابي بدوره في هذا المجال، بما يعيد انتظام الحياة السياسية في لبنان، ويمكّنه من اتخاذ الاجراءات والاصلاحات التي تُخرجه من أزمته».
ومن جهة ثانية، تشير المعلومات الى انّ هوكشتاين عبّر عن سروره في بدء الخطوات التطبيقية لما بعد الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، والتي تجلّت في وصول عبّارة الحفر للبدء عن التنقيب عن النفط والغاز في البلوك رقم 9، والذي من شأنه ان يمدّ لبنان بما يمكّنه من تجاوز أزمته. وافيد انّ اللقاء بين هوكشتاين والرئيس ميقاتي تخللته مطالبة من الجانب اللبناني للوسيط الاميركي بتشجيع الشركات الاميركية على المشاركة في دورة التراخيص الثانية.
والى جانب هذين الأمرين، تشير المعلومات، انّ الجانب اللبناني أثار مسألة نقاط التحفّظ على الخط الازرق، حيث افيد بأنّه تمّ حسم 7 من هذه النقاط، فيما تبقى 6 نقاط عالقة، ومدار بحث فيها في الاجتماع الثلاثي في الناقورة. ونُقل عن هوكشتاين تأكيده في معرض النقاش في هذا الملف، انّ واشنطن ستواصل لعب الدور الأساس من أجل إزالة هذه التحفظات وإنهاء هذا الملف.
بري
واللافت انّ هوكشتاين وصف لقاءه بالرئيس بري بالممتاز والبنّاء، فيما برز في المقابل، ملخّص من مقرّ الرئاسة الثانية، يشير الى أنّ الرئيس بري «جدّد شكره للجهود التي بذلها هوكشتاين وأثمرت البدء بعملية التنقيب في البلوك رقم 9، مؤكّداً أنّ جهود المجلس النيابي ستبقى منصّبة على انتخاب رئيس جديد للجمهورية واستكمال إنجاز التشريعات المطلوبة في المجال النفطي وفي مقدّمها الصندوق السيادي، كما التشريعات المطلوبة لإنجاز الإتفاق مع صندوق النقد الدولي . كما اكّد بري امام الموفد الاميركي على ضرورة وقف الإنتهاكات الإسرائيلية للقرار الدولي 1701، وعلى عمق العلاقة مع قوات الطوارئ الدولية «اليونيفيل» منذ عام 1978 وحتى الآن، وأنّ لبنان حريص جداً على المحافظة على الاستقرار كما حرصه على سيادته على كامل التراب اللبناني».
الحوار المُنتظر
وبعد هوكشتاين يصل إلى بيروت وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبداللهيان، لإجراء محادثات مع الرئيس نبيه بري والامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، وتردّد انّه سيشارك اليوم في الاحتفال الذي تقيمه حركة «أمل» في بيروت في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر، والذي سيلقي فيه الرئيس بري خطاباً، وُصف بأنّه خريطة طريق للمرحلة المقبلة.
وعلى مسافة ايام قليلة، سيصل الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان في مهمّة صعبة، لخلق توافق داخلي على رئيس للجمهورية، عبر حوار يطلقه في النصف الثاني من الشهر المقبل.
وكما بات معلوماً، فإنّ الأجواء السابقة لحوار لودريان لا تحيطه بإيجابيات، ولخّص مصدر وزاري مهمّته بقوله: «لقد سبق للودريان أن شدّد في زيارته الثانية، ما مفاده انّه سيحشد مهمّته لإطلاق العملية الحوارية، ويستنفر كلّ طاقاته لليّ ذراع التعطيل، واستيلاد صحوة لبنانية تمكّنه من ان يزرع مهمّته في تربة لبنانية خصبة لتنبت توافقاً على رئيس للجمهورية. وانا اقول انّه اذا ما نجح يكون بذلك، قد سجّل لنفسه ولفرنسا وللبنان ولزملائه في اللجنة الخماسية إنجازاً تاريخياً بإعادة نبض الحياة الى بلد بلغ قمة احتضاره. ولكن لنكن واقعيين، ونسأل كيف يمكن له ان ينجح طالما تكمن له جبهة مكشوفة بعناوين عريضة ورفيعة ترفعها مكونات تمنع الانفراج من أن يطأ ارض هذا البلد الاّ بشروطها التعطيلية ومعاييرها الصادمة للغاية التي يرجوها الموفد الفرنسي من حواره؟».
سكاف: مسعى جديد
الى ذلك، يتوالى تقديم الأجوبة عن «رسالة السؤالين» التي بعث بها لودريان الى الأطراف الـ 38، تمهيداً لحوار ايلول. وفي هذا الاطار سلّم النائب غسان سكاف السفارة الفرنسية امس، رسالة جوابية على رسالة لودريان.
على انّ اللافت ما قاله سكاف لـ»الجمهورية»، «بأنّ الحوار ليس من الضروري ان يكون على طاولة حوار، فأنا مؤمن بالمكوكية السياسية والديبلوماسية التي يمكن ان تؤدي الى تقاطع، وفق ما جرى سابقاً».
ولفت الى انّ «المعادلة الفرنسية الاولى لا تؤدي الى حل، وما قاله الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون اخيراً، وكذلك ما قالته وزيرة الخارجية الفرنسية يبشر بأنّ هناك تصوراً فرنسياً جديداً، وهذا هو المطلوب».
واشار سكاف الى انّه يقوم حالياً بمسعى، وستكون له زيارات عربية، موضحاً «انّ المسعى الذي اقوم به يقوم على أساس كسر الحواجز بين مكونات السياسة، مثلما استطعنا ان نكسر الحواجز بين مكونين اساسيين، ما انتج انعقاد الجلسة الانتخابية الاخيرة. فكسر الحواجز بين كل المكونات، يوصل الى تقاطع وطني وجلسة جديدة لانتخاب رئيس الجمهورية، نحتكم فيها للعبة الديموقراطية والبرلمانية، فبذلك نصل الى رئيس بالانتخاب وليس الى رئيس بالتعيين».