الجمعة, نوفمبر 22
Banner

مَن أراد من اللبنانيين دوراً لهوكشتاين لا يريده؟

جورج شاهين

رصدَ المراقبون باهتمام بالغ شكل زيارة الموفد الأميركي عاموس هوكشتاين وتوقيتها ومضمونها لأعمدة جوبيتير في بعلبك بعد ظهر أمس، قبل ان يتفقد أي منشأة نفطية في المنطقة او النقاط الحدودية البرية في الجنوب. ولم يفهم اللبنانيون انّ الرجل غير معني بملف ما يسمّى «ترسيم» الحدود البرية والنقاط المختلف حولها بعدما أمعنت التسريبات في الحديث عن مبادرة اميركية جديدة لإقفال هذا الملف. وعليه، ما هي المعادلة التي قادت الى هذه المفارقة؟

ظهر واضحاً انّ ما اراده بعض المسؤولين اللبنانيين من زيارة هوكشتاين هي غير ما أراده الرجل نفسه. فبعض اللبنانيين نسجوا سيناريوهات متعددة ونسبوا اليه مهمات لم تكن يوماً على أجندته المتخصصة بالطاقة ومنها الثروة النفطية في لبنان والشرق المتوسط انطلاقاً من موقعه ككبير مستشاري شؤون الطاقة في الإدارة الأميركية، وأرادوا له ان يبحث في النقاط البرية المختلف حولها، وراح بعضهم بعيداً في الربط بين الزيارة وما يجري من محادثات في أروقة الامم المتحدة حول التمديد لقوات «اليونيفيل» العاملة في الجنوب.

على هذه القاعدة فقد رغبَ بعض من أمعنوا في نسج هذه الروايات في أن يتوسعوا في الحديث عن سيناريوهات غامضة تتصل بما كان يسمّى «ترسيم الحدود البرية» بين لبنان واسرائيل، قبل التثبّت من الأولوية الموجودة لدى الادارة الاميركية في هذا الشأن وان كانت من اختصاص هوكشتاين او من خارجه. وعليه، لم يظهر في وضوح ان مثل هذا الملف له أولويته على رغم من حرصه الدائم على اهمية الحفاظ على أمن المنطقة المحيطة بالانشاءات النفطية الممتدة من حقل كاريش في المياه الفلسطينية المحتلة وصولاً الى البلوكين 8 و9 اللبنانيين وعلى امتداد منطقة شرق المتوسط التي استعادت اهمية كانت قد اقتربت من ان تكون مفقودة.

وهي معادلة بسيطة دفعته منذ اللحظة الاولى التي اعقبت اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل على اهمية الحفاظ على امن المنطقة ومنع أي مؤشر يمكن ان يقود الى اي شكل من أشكال التوتر التي تهدد الاستثمارات، سواء تلك التي انفقت او التي تستعد الشركات الدولية لرصدها في المشاريع المستقبلية في عدد من أحواض المنطقة والمقدّرة بعشرات المليارات من الدولارات، منذ ان بدأ صدور القرارات الاميركية والاوروبية التي تفرض العقوبات على الثروة النفطية الروسية بمختلف مشتقاتها ومنع تصديرها الى الخارج بسبب الحرب التي شنتها موسكو على اوكرانيا قبل عام ونصف عام.

وانطلاقاً من هذه المؤشرات والمعايير التي تعطيها الادارة الاميركية الاولوية، تتحدث المصادر الديبلوماسية المطلعة عن انّ هذه الادارة التي رَعت عملية الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل وقدمت ما قدمته من اجل الاسراع في التوصل اليه بطريقة ضمنت انتصاراً يدّعي الطرفان اللبناني والاسرائيلي تحقيقه، لا تفرّق بأي شكل من الأشكال بين مصير المليارات من الدولارات التي رصدت منذ العام 2016 في حقل كاريش والاحواض الاربعة المحيطة به وما تم رصده لاحقاً منها لجهة تسويق ما يجري سحبه منها، وما تقتضيه عملية التنقيب التي بوشرت قبل أيام في البلوك الرقم 9 اللبناني بحثاً عن الثروة في انتظار التثبّت من وجود الكميات التجارية التي ستضعها لاحقاً ولو بعد سنوات عدة على لائحة ثروات المنطقة التي تحتاجها دولها كما العالم الذي أحيا الخطط الاستراتيجية للعودة الى استخدام المشتقات النفطية التقليدية والأحفورية، بعدما جمدت او تراجعت عن صرف الاستثمارات التي كانت مخصصة لـ«الطاقة البديلة» سواء تلك «النظيفة» أو تلك التي تعرف بـ«النفط الحجري» الذي بدأت الولايات المتحدة الاميركية بإنتاجه بديلاً من النفط الطبيعي.

على هذه الخلفيات، يمكن النظر الى اهمية وجود هوكشتاين في المنطقة اليوم، فهو لا يحمل اي مبادرة تتصل بتفاصيل الحدود البرية بدليل انه لم يطرح أيّاً منها على زواره في اليوم الاول من زيارته على رغم من تشديده على اهمية الحفاظ على الامن في المنطقة الجنوبية على أنها الحاضنة الطبيعية للثروة البحرية، وهو ما كشف عنه إبّان مفاوضات الترسيم البري عندما شدد أكثر من مرة على ان السلاح المخزّن الذي نقل الى المنطقة الجنوبية ومنطقة الأمم المتحدة تحديداً من أجل تعزيز ما يسمّى قوة الردع او الهجوم قد يَصدأ في مخازنه، وهو يأمل في ان لا يستعمل لا في البر ولا في البحر. وعلى هذه القاعدة رصد ما رصد من هدوء على الحدود البرية منذ الانتهاء من مفاوضات الترسيم البحري وحتى كتابة هذه الأسطر. ولهذه الأسباب بقيت المناوشات التي وقعت في اطار ضَيّق لم ولن تثير أي قلق جدي لدى الاميركيين والمطلعين على كواليس التفاهمات التي قادت الى الترسيم والتعهدات غير المعلنة التي تم التوصل اليها في كواليس المفاوضات والأوراق المتبادلة التي لم يعلن عنها، وهي غير تلك التي نشرت او تم توقيعها في العلن. كما لدى الشركات التي تستثمر في الثروة النفطية. وإلّا لما جاءت شركة «توتال اينرجيز» بمنصة الحفر ولا رصدت ملايين الدولارات للبدء بالمهمة قبل اسبوع تقريباً في البلوك الرقم 9، وهي تستعد لمسح البلوك الرقم 8 قريباً.

عند هذه الملاحظات الدقيقة، توقفت المراجع المعنية بزيارة هوكشتاين والتحضيرات التي سبقتها، حيث أنه لم يتناول موضوع الحدود البرية من غير الباب المؤدي الى ضرورة الحفاظ على الهدوء والاستقرار في المنطقة. ولم ولن يتناول النقاط الـ 13 المختلف حولها ولا مصير خيَم «أخضر بلا حدود» الـ17 على طول الحدود بما فيها خيمة «سهل الماري» ولا مصير سَهلها مقابل بلدة الغجر ولا تلة الناقورة ومعها النقطة «B1». وعليه، فإن زيارته الحالية لا علاقة لها بأي شكل من الاشكال بما يجري في الأمم المتحدة من مفاوضات للتمديد لقوات «اليونيفيل» وان تزامنت مع هذه المرحلة، فهي بالمصادفة لا اكثر ولا اقل.

وبناء على ما تقدّم، فإنّ تناول اللبنانيين هذه النقاط وتعليق الاهمية على وجود مبادرة اميركية «وهمية» لترتيب الحدود البرية ستبقى على مسؤولية المسؤولين اللبنانيين ومَن فبركها ومن سَوّق لها. فالاهتمام الاميركي بالملف وتحديداً ما يتصل بمهمة هوكشتاين وان تلاقت بالعناوين عينها، فإنّ لكل منهما قراءة منفصلة عما يريده منها كلا الطرفين. ولذلك وفي انتظار ان تمر هذه الزيارة بما تبقّى لها من ساعات في بيروت، فإنّ كثيراً من النقاط سيتضِح اكثر وسيظهر عقم وزيف النظرة اللبنانية إليها ومراميها لمجرد سقوط السيناريوهات التي نسجت على مدى الايام القليلة الماضية بُغية استدراج هوكشتاين الى ما لا يريده، وما ليس من صلاحياته ولا من أهداف زيارته الحالية الى لبنان.

Leave A Reply