منطق التكيّف مع الشغور في المواقع والوظائف الأساسية بالدولة يتمدد، وأزمة النقص الفادح في عديد المراقبين الجويين في مطار رفيق الحريري، وعدم تعيين مراقبين جدد، ليست وليدة اليوم، أو انعكاساً للأزمة الاقتصادية وانهيار النقد، بل هي واحد من الملفات العالقة منذ أكثر من 10 أعوام، بحجج تبدأ بالمطالبة بالتوازن الطائفي والمذهبي، ولا تنتهي بالخلاف على التحاصص الحزبي، مروراً (دائما وأبداً) بالنكايات السياسية، وتسجيل النقاط والشعبوية.
مئة مراقب جوي تقريباً يحتاج إليهم المطار لتأمين العمل فيه 24/24، فيما لم يبق غير 10 مراقبين فقط يقومون بمهام المئة، ومعهم ثلاثة من زملائهم المتقاعدين، أعيد التعاقد معهم للحاجة إليهم. 13 مراقباً فقط، يقومون بخدمة 30 ألف راكب بين وافد ومسافر يومياً، وتأمين سلامة الهبوط والإقلاع لعشرات الطائرات يومياً.
مَن ينتظر من في هذه الدولة الشاغرة من المسؤولية تجاه شعبها؟ مَن يتلكأ عن المبادرة إلى ابتداع حل وعلاج لأزمة ارتقت إلى عقدة عصيّة، كان ولا يزال بالإمكان تفكيكها وإنهاؤها بشطبة قلم وصحوة ضمير؟
وفق الواقع الاهترائي لموظفي المطار، أسوة بموظفي القطاع العام عموماً، كان على مسؤولي المطار إقفاله، وإعلان خروجه من الخدمة كلياً، إلى حين عودة الدولة إلى وظيفتها ودورها الأبوي برعاية مشاكله وحلّها، عبر تأمين العديد اللازم من المراقبين الجويين لتسيير حركة “نافذة #لبنان على العالم”. لكن مبادرة “طيران الشرق الأوسط” MEA أنقذت الموقف، ومنعت انهيار العمل في الملاحة الجوية فيه، عندما بادرت ذاتياً، إلى تقديم “رواتب مساندة” ومساعدات نقدية شهرية، لمعظم العاملين في دوائر ومصالح الطيران المدني والأجهزة في المطار، ما أبقى على المرفأ الجوي قيد العمل والخدمة، ومنع عزل لبنان عن العالم.
إلى متى سيستمر الترقيع والاتكال على الحلول الاستثنائية والمرحلية؟ هناك من يقترح استقدام مراقبين جويين من الخارج، ليقوموا بالمهام المطلوبة، بحجة ملء الشغور وتخفيف الضغط، إلى حين تعيين مراقبين جدد، فاقتضى السؤال: ما كلفة هؤلاء؟ ومن سيدفع لهم بالعملة الصعبة؟ ومن أي موازنة؟ وإن كان بالإمكان الاتفاق على “استيراد” مراقبين جويين بهذه السهولة، أليس أفضل للمطار، وللمالية العامة، وللمراقبين الجويين، ولليد العاملة اللبنانية، أن يتم الاتفاق على تعيين مراقبين لبنانيين جدد، وتنتهي المشكلة؟ ما جنسية هؤلاء؟
ومن سيختارهم، ووفق أي آلية؟ وهل صحيح ما سرى في أوساط الطيران المدني، أن بعضهم، (وربما أغلبيتهم) لبنانيون من حملة جنسيات أجنبية، وُعِدوا بالتعاقد معهم وفق شروط مالية ومخصّصات تفوق بأضعاف ما يحصل عليه المراقبون اللبنانيون؟
عدد المراقبين الجويين في المديرية العامة للطيران المدني، أصبح 13 مراقباً، من ضمنهم رؤساء الدوائر والأقسام والفروع، يعملون ضمن مركزين منفصلين كالآتي: 6 مراقبين في دائرة المراقبة الإقليمية أي الرادار، من أصل 52 مراقباً، يعاونهم مراقبان اثنان متقاعدان متعاقدان، و7 مراقبين في دائرة مراقبة المطار أي برج المراقبة، من أصل 35 مراقباً، يعاونهم مراقب متقاعد متعاقد، علماً بأن ثمة مراقبين اثنين عمرهما 70 عاماً، وتالياً لا ينبغي أن يعملا، وفق ما تؤكد مصادر المراقبين.
أمام الضغط الذي يعانيه المراقبون، وضعت بعض الحلول منها مراسلة منظمة الطيران الدولية لتدريب المعاونين المراقبين دفعة 2010، وعددهم 17 معاوناً. وهؤلاء يعملون مساعدين للمراقبين على صعيد التنسيق مع قبرص والشام وإدخال المعلومات، فيما يعمل قسم منهم مع الطائرات على أرض المطار (موجة التردّد الارضية). وفي انتظار جواب المنظمة، وعد وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية المراقبين بوضع مرسوم توظيف 24 شخصاً الذين نجحوا في مجلس الخدمة المدنية عام 2018 على جدول أعمال أول جلسة لمجلس الوزراء، إضافة إلى إدخال المعاونين المراقبين الجدد (دفعة 2018) وتدريبهم، عدا عن التعاون مع 15 مراقباً عراقياً لمدة سنة ونصف بناءً على معاهدة مع الطيران المدني العراقي، على أن يتقاضوا رواتبهم (هبة) من الجانب العراقي”، وفق ما تؤكد المصادر، وبناءً على هذه الوعود جمّد المراقبون الجوّيون تحركهم لشهرين وهي الفترة المحددة لقدوم المراقبين العراقيين، وفق ما أكد المعنيون.
وفيما تقدر الحاجة وفق المرسوم التنظيمي للطيران المدني الى نحو 105 مراقبين جويين في المطار، لا يتجاوز عددهم بين مراقب ومعاون نحو 30 موظفاً، وكان في الإمكان أن يزيد عددهم الى 54 موظفاً لو أن الرئيس السابق ميشال عون لم يرفض توقيع مرسوم تثبيتهم، بحجة عدم مراعاة التوازن الطائفي. يومها نجح نحو 100 شخص في امتحانات الخدمة المدنية عام 2018 لوظائف مطلوبة في الطيران المدني بينهم 24 شخصاً نجحوا لوظيفة الملاحة الجوية (درزي، سني، 2 مسيحيان والبقيّة شيعة). ولكن المشكلة أنه لم يتقدّم لهذه الوظيفة نسبة كبيرة من المسيحيين (تقدم 130 مسيحياً للوظائف المطلوبة في الطيران المدني، نجح منهم 7، فيما تقدّم 1800 مسلم، نجح منهم 81). وتؤكد المصادر أنه لولا المخصصات والمساعدات من “الميدل إيست” لما كان في مقدور المراقبين الاستمرار إذ لا تتجاوز رواتبهم 260 دولاراً.
وتشير المصادر الى أن المراقبين يعملون تحت ضعط هائل، وخصوصاً مع ارتفاع عدد الطائرات بشكل هستيري من أول السنة حتى اليوم، “بما ضاعف ساعات عملنا وما تسبّب بإرهاق لعدد من المراقبين استدعى دخولهم المستشفى للمعالجة، مع الأخذ في الاعتبار أن معدل أعمار المراقبين كبير، إذ بينهم من وصل الى سن التقاعد ولكن النقص الكبير بأعدادنا استدعى التعاقد معهم مجدداً ضمن اتفاقية بين المديرية العامة للطيران المدني والمنظمة الدولية للطيران المدني”.
وكان المراقبون قد أصدروا بياناً أضاؤوا فيه على أزمتهم ومطالبهم “في معظم الحالات التي نتوصّل فيها الى حل، نصطدم بحواجز إما طائفية، إما سياسية أو عقبات لا ندري ما خلفيتها، وآخر هذه الحلول كان توظيف المعاونين المراقبين دفعة 2018، الذي لم يتم والذي كان أمراً ضرورياً للبدء بحل أزمة النقص على المدى الطويل، لأن المعاون المراقب بحاجة إلى ما يزيد عن 3 سنوات من التدريب المكثف في معهد معتمد من قبل المنظمة الدولية للطيران المدني الدولي، ليصبح مراقباً معتمداً”.
وعاب المراقبون على المعنيين التعامل بخفة مع “كل الاقتراحات التي نتقدّم بها لإنقاذ الوضع – منها أنه رُفعت عدة تقارير منذ أكثر من سنة من رؤساء الوحدات في المصلحة للمطالبة بتعزيز أعداد المراقبين المجازين، أو إقفال المطار ليلاً بما يتناسب مع العدد الحالي للمراقبين وأسوة بمطارات أجنبية وأوروبية لكن من دون جدوى”. وحرصاً من المراقبين على سلامة الحركة الجوية وسلامة الركاب، أفادوا أنهم سيلتزمون “بدءاً من تاريخ 5/9/2023 ضمناً، بجداول مناوبة نؤمن فيها العمل في مطار بيروت الدولي من الساعة السابعة صباحاً حتى الساعة الثامنة مساءً، على أن تتم جدولة الرحلات بما يتناسب مع القدرة الاستيعابية للمراقب الجوي، وهي جداول تتناسب مع عددنا الحالي وتراعي وتحافظ على سلامة الحركة، الى حين تنفيذ الإصلاحات الضرورية في مصلحة الملاحة الجوية؛ لإعادة العمل في المطار على مدار 24 ساعة بشكل آمن وسليم”.
سلوى بعلبكي – النهار