تحتفي دول المعمورة في الخامس من سبتمبر من كل عام بـ”اليوم العالمي للعمل الخيري”، وذلك بعد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة ذلك الحدث اعتبارا من عام 2015، بغية التأكيد على أن القضاء على الفقر بجميع صوره وأشكاله وأبعاده، بما في ذلك الفقر المدقع، هو “تحد عالمي هائل” مهم في سبيل تحقيق التنمية المستدامة.
وبحسب الموقع الرسمي للأمم المتحدة، فقد جرى اختيار 5 سبتمبر للاحتفاء باليوم العالمي للعمل الخيري، وذلك لمصادفته ذكرى وفاة الأم تيريزا، التي حصلت على جائزة نوبل للسلام عام 1979، تكريما للأعمال الخيرية التي اضطلعت بها من أجل التغلب على الفقر، والذي يشكل تهديدا للسلام العالمي.
وأوضحت الأمم المتحدة أن إقرار اليوم العالمي للعمل الخيري، “يهدف إلى توعية وتحفيز الناس والمنظمات غير الحكومية وأصحاب المصلحة المشتركة في جميع أنحاء العالم، لمساعدة الآخرين من خلال التطوع والأنشطة الخيرية”.
ورأت أن العمل الخيري، يتيح “مثله في ذلك مثل مفهومي التطوع والإحسان، فرصة لتعزيز الأواصر الاجتماعية والإسهام في خلق مجتمعات أكثر شمولا ومرونة. فللعمل الخيري القدرة على رفع آثار الأضرار المترتبة على الأزمات الإنسانية”.
وأضافت في بيان: “له القدرة على دعم الخدمات العامة في مجالات الرعاية الطبية والتعليم والإسكان وحماية الأطفال. والعمل الخيري فاعل جدا في تحسين الثقافة والعلوم والرياضة وحماية الموروثات الثقافية، فضلا عن تعزيزه لحقوق المهمشين والمحرومين ونشر الرسالة الإنسانية في حالات الصراع”.
“قديسة القلوب”
يعتقد الكثيرون أن الأم تيريزا هندية، لكن اسمها الحقيقي هو آغنيس غونكزا بوجاكسيو، وهي تنتمي إلى أسرة ألبانية تنحدر من جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة.
ووُلدت الأم تيريزا في 26 أغسطس 1910، في مدينة سكوبيا، التي هي الآن عاصمة جمهورية مقدونيا الشمالية، حيث كان والدها مقاول بناء، بينما كانت والدتها ربة منزل اعتادت على المشاركة في أنشطة الكنيسة الكاثوليكية في الحي الذي تقطنه العائلة.
وفي عام 1928، قررت آغنيس بعد أن بلغت الـ18 من عمرها، أن تصبح راهبة كاثوليكية، فسافرت إلى آيرلندا للانضمام إلى معهد “العذراء المباركة مريم” في دبلن.
وفي سنة 1929، سافرت إلى الهند لتعمل معلمة ومبشّرة في مدرسة ببلدة دارغيلنغ، وذلك قبل أن تنتقل إلى كالكوتا لتعمل معلمة في مدرسة القديسة ماري الثانوية للفتيات، وهي مدرسة مخصّصة لتعليم الفتيات من الأسر الفقيرة.
وخلال إقامتها في كالكوتا، تمكنت الأم تيريزا من إتقان اللغتين الهندية والبنغالية، مما جعلها قادرة على التواصل بشكل أفضل مع السكان المحليين.
وفي سبتمبر من عام 1946، قررت تيريزا اعتزال التّدريس والعمل في أحياء كالكوتا الفقيرة، لمساعدة الفقراء والمرضى، حيث أخذت تتجول في المدينة مرتدية الساري الأبيض والأزرق الذي عرفت به طوال حياتها.
وفي أكتوبر 1950، أسست جماعة “الإرساليات الخيرية” المعنية بالأطفال والمشردين وكبار السن، وذلك بعد أن انضمت إليها مجموعة من المدرسات والطالبات السابقات في مدرسة القديسة ماري.
وسنة 1957، وسعت دائرة اهتمامها لتشمل علاج المجذومين والعناية بهم، وذلك قبل أن يمنحها بابا الفاتيكان “لويس السادس” الإذن بتوسيع أعمال جمعية “الإرساليات الخيرية” خارج الهند، في فبراير من سنة 1965.
وتمكنت الأم تيريزا من افتتاح أول دار خيرية لجمعيتها في الولايات المتحدة عام 1971، كما افتتحت دارا لرعاية المصابين بداء فقدان المناعة المكتسبة (الإيدز) في نيويورك سنة 1985.
كما كان للأم تيريزا دور واضح في مساعدة الأطفال بالعاصمة اللبنانية بيروت خلال حرب عام 1982، بالإضافة إلى تقديم مساعدة للمنكوبين وإغاثتهم من الجوع والتشرد في إثيوبيا عام 1985.
وما أن طل عام 1997، حتى كانت جمعية “الإرساليات الخيرية” تضم 4 آلاف متطوعة، بالإضافة إلى تأسيس أكثر من 300 منظمة شقيقة تعمل في الخدمة الاجتماعية، في 123 دولة.
كما أدت جهود الأم تيريزا الخيرية إلى افتتاح 755 دار خيرية للمعدمين والفقراء في 125 دولة، في مختلف أصقاع المعمورة.
وتوفيت “قديسة القلوب” بعد معاناة مع المرض، في الخامس من سبتمبر عام 1997 في كالكوتا، عن عمر ناهز 87 عاما.
وفي سبتمبر 2016، منحها بابا الكنسية الكاثوليكية، فرانسيس، لقب “قديسة كالكوتا”، وذلك خلال قداس حضره نحو 100 ألف شخص في الساحة الرئيسية في الفاتيكان.
وأشاد البابا خلال القداس بأعمال الأم تيريزا، ووصفها بـ”المثال الذي يحتذي به المسيحيون”، وقال إنها “دافعت عن حياة من لم يولدوا بعد، والمرضى والمهمشين، وانتقدت قادة العالم الذي خلقوا أنفسهم جرائم الفقر”.
وقال عنها أيضا الكاهن الكندي، براين كولوديجشك، إنها “كانت تفهم جيدا معاناة الناس الذين يشعرون بعزلة، ويصارعون الرعب والألم”.
وأضاف أن “الأم تيريزا كانت قادرة على التعاطف معهم، لأنها هي نفسها عانت من ذلك”.
وأشار إلى أن البابا فرنسيس، عبر تطويبها، “لن يعترف لها بمساعدتها الفقراء ماديا، لكن بمساعدتها من يعانون من الفقر الروحي، أي أولئك الذين يشعرون أنهم غير محبوبين، أو غير مرغوب فيهم، أو من هم دون رعاية”.