الجمعة, نوفمبر 22
Banner

“بلومبرغ” تسبق بعثة صندوق النقد و”المركزي” يترجم التزامه القانون

كثيرة هي الخطوات والإجراءات التي يستعجل المصرف المركزي بقيادته الجديدة اعتمادها، في محاولة حثيثة لترجمة عملية للالتزامات التي قدّمها، أو الأصح اشترطها لتسلّم مهماته بعد انتهاء ولاية الحاكم السابق رياض سلامة وتسلّم النائب الأول وسيم منصوري مهام الحاكم بالإنابة تنفيذاً لمندرجات قانون النقد والتسليف.

فبعد قرار وقف تمويل الدولة، يأتي قرار توفير منصة تبادل الكترونية جديدة بديلة من منصة “صيرفة”، التي أوقف “المركزي” العمل بها، وقام باستدراج عروض شاركت فيه كل من “بلومبرغ” و”رويترز”، ورست على “بلومبرغ”.

قرار التعاون مع هذه المؤسسة العالمية أُدرِج على جدول اعمال مجلس الوزراء اليوم بعدما رفعه وزير المال يوسف الخليل عقب تسلمه كتاب الحاكم بالإنابة في هذا الشأن، والذي ينص صراحة على اعتماد منصة الكترونية عالمية، والتوقف عن استخدام منصة “صيرفة” التي تفتقر الى الشفافية والحوكمة، وفق ما جاء في كتاب منصوري الى وزير المال. ومعلوم ان “صيرفة” كانت توقفت منذ تسلّم منصوري، ولكن بقي الاعتماد على سعرها في دفع رواتب القطاع العام.

وفي انتظار ما سيقرره مجلس الوزراء الذي رُميت مسؤولية التعامل مع المنصة العالمية في مرماه، أسئلة كثيرة تُطرح حول آلية التعامل عليها والمكاسب التي سيحققها المصرف المركزي، فضلاً عن المحاذير التي ستترتب عليه في ما يتعلق بالاستقرار النقدي ودور “المركزي” في التدخل لحماية العملة الوطنية.

من الثابت ان التوجه لدى “المركزي” لإلغاء “صيرفة” واللجوء الى مؤسسة عالمية، يأتي ترجمة لالتزامه توصيات صندوق النقد الدولي، الذي يستعد لبنان للدخول في برنامج معه، وتصل الى بيروت الأسبوع المقبل بعثة منه من اجل إعادة التأكيد على التزام الصندوق مساعدة لبنان والمضي في البرنامج، عند انجاز الإصلاحات المطلوبة. كما يؤكد هذا التوجه قرار السلطة النقدية وهدفها توحيد سعر الصرف وتحريره، واللجوء الى منصة عالمية لالغاء تعدد الأسعار واعتماد السعر المبني على حركة العرض والطلب.

هذا يعني ان سوق القطع تتجه نحو تحرير السعر وإلغاء الأسعار الرسمية المعتمدة حالياً، ولا سيما التعميم 151 الذي حدد سعر الصرف بـ 15 ألف ليرة، نظراً الى الظلم الذي ألحقه بأموال المودعين.

منصة “بلومبرغ” لن تكون منصة اسهم بل منصة قطع. وهذا ما يفسر عدم اللجوء الى بورصة بيروت، فضلاً عن ان التوجه الى منصة عالمية يهدف الى توفير الشفافية، من دون ان يعني ذلك وقف المضاربات، طالما ان المنصة ستكون متاحة امام الجميع افراداً ومؤسسات تبدأ في المرحلة الأولى بالتعاملات على الدولار لتتوسع لاحقاً الى باقي العملات الأساسية. لكن المشكلة الأساسية التي سيواجهها مجلس الوزراء في مناقشته لهذه المسألة تكمن في الحاجة الى تغيير الحكومة السعر الرسمي الذي تعتمده حالياً في موازنتها. ذلك ان موازنة 2022 تعتمد سعر 15 الف ليرة، فيما موازنة 2023 تعتمد سعر “صيرفة”. اما سعر السوق فيلحظه مشروع قانون 2024 المعروض على مجلس الوزراء الآن، علماً ان هذا المشروع يلحظ دفع الضرائب والرسوم المتأخرة على 40 في المئة من سعر “صيرفة” باللولار، فيما الرسوم والضرائب الباقية ستُستوفى بالدولار “الفريش”. وهذا الامر سيسبب مشكلة لدى “المركزي” في صرف اللولار، الامر الذي لم تأخذه الحكومة في الاعتبار.

وفي انتظار ما سيقرره مجلس الوزراء في هذا الشأن والخطوات اللاحقة التي ستترتب على القرار في حال الموافقة على انشاء المنصة، سيكون لبنان امام مرحلة جديدة بعد شهرين تقريباً، هي المهلة التي يضعها المصرف المركزي امامه لانجاز الترتيبات اللوجستية لبدء العمل على المنصة الجديدة، لجهة إقرار الإجراءات وتدريب موظفي المصارف على التعامل عبرها وإعداد البيانات التي تحتاج اليها المصارف للتقدم والتسجيل عليها.

هي مرحلة جديدة وصعبة في آن، ليس لأن التعامل لن يكون على قاعدة “أهلية بمحلية” كما كانت الحال مع “صيرفة”، وانما لأن المنصة الجديدة ستكون الخطوة الأولى والاساسية لانتقال لبنان من عصر التثبيت النقدي الى التحرير الكامل لسعر الصرف، مع كل ما يمكن ان يرتبه من إيجابيات، اذا اقترن بالإصلاحات والتشريعات المطلوبة واستعادة الثقة، او سلبيات اذا جاء قرار تحرير الصرف وحيداً، وسط قرار المصرف المركزي عدم التدخل في السوق حفاظاً على ما تبقّى لديه من ملاءة نقدية بالدولار تشكل عملياً آخر الاحتياطات من أموال المودعين، فتكون البلاد امام موجة جديدة من جنون الدولار المتفلت من أي رقابة أو تدخّل!

 سابين عويس – النهار

Leave A Reply