«الدولار عم ينزل ليش بعدكم عم تغَلّوا؟» جملة يكررها كثيرون عند دخولهم المحال التجارية بحثاً عن سلع غذائية بأسعار «معقولة». إذ رغم انخفاض سعر صرف الدولار وثباته، يستمر ارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل شبه يومي. فما سبب هذا الارتفاع العشوائي وما دور مصلحة حماية المستهلك في ظل هذه الأزمة؟ وهل القوانين المطبّقة اليوم كافية لضمان حق المستهلك؟ ماذا يقول رئيس مصلحة حماية المستهلك زهير برو؟
يظن البعض أن القوانين التالية: تحديد نسب الأرباح التجارية، وحماية المستهلك وآخرها قانون المنافسة الذي أُقرّ عام 2019 بهدف تعزيز حرية المنافسة ومكافحة الممارسات الاحتكارية، كفيلة لضبط الأسعار لمختلف المنتجات وحماية المستهلكين، لكن الواقع يبدو معاكساً تماماً. الأسعار في ارتفاع مستمر رغم استقرار سعر صرف الدولار في الآونة الأخيرة، وحتى مع انخفاضه. إذ يُلاحظ وفق آخر تقرير أسبوعي لسلّة الأسعار أعدّته وزارة الاقتصاد أن أسعار بعض السلع ارتفع من تاريخ 07/08/2023 إلى 14/08/2023، مثل: ارتفاع سعر ضمة النعنع 6%، وسعر كيلو الباذنجان 14%، وسعر كيلو الملفوف 31%، وسعر كيلو الموز البلدي 11%، وسعر الفروج الكامل 11%.
وتبقى الأسئلة تدور في بال المستهلكين، الذين لا تلقى أصوات استنكارهم العالية آذاناً صاغية، مع كل ما تشهده السلع من ارتفاع مستمر، «أين دور الدولة في حمايتنا؟ ولماذا لا تطبّق القوانين؟».
«ما عاد في ولا مؤسسة واقفة على إجريها» يقول رئيس جمعية حماية المستهلك، زهير برو، في حديثه لـ«القوس» عن انهيار الدولة الذي طاول جميع مؤسساتها وبات يشكّل خطراً على حقوق المستهلك، ويضيف أن لا حل في المدى القريب بهذا الشأن.
يشير برو إلى أن لبنان يُعدّ، منذ قبل الانهيار والأزمة، من أغلى دول المنطقة، وفق تصنيف الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. إضافة إلى «جشع التجار الذي لا حدود له، نحن دولة تجّار». لافتاً أن لا داعي للاستغراب، لأن الإنتاج قد تراجع في لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية «نحن اليوم نستورد فقط، وبحاجة لرؤية شاملة وسياسات اقتصادية شاملة لحلّ أي مشكلة. الحديث عن ارتفاع الأسعار هي نتيجة طبيعية في ظل سياساتنا الاقتصادية الحالية».
وفي حديث مع «القوس» حول ماهية الاقتصاد الحر ومفهومه والتدخل في تحديد السعر في ظل أنظمة الاقتصاد الحر، يقول أستاذ كلية الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت، علي عبود، إن لبنان يعدّ من دول الاقتصاد الحر، وذلك منصوص في مقدمة الدستور اللبناني، الفقرة (و): «النظام الاقتصادي حر يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة»، ويشمل الملكية الفردية وعمليات التبادل في الأسواق ما يؤدي إلى تحديد السعر. ويضيف: «يتضمّن السوق نظرياً العرض والطلب اللذين بدورهما يحددان السعر. فكلما زاد الطلب ارتفع السعر وكلما نقص الطلب انخفض السعر. لكن ما هو أهم في الاقتصاد الحر هو وجود التنافس، الذي يؤدي إلى فعالية وزيادة الإنتاج وبالتالي خفض الأسعار وخفض هوامش الأرباح».
كذلك يؤكد برو أهمية تطبيق قانون المنافسة في لبنان، إذ يمكن تأمين السلع بأقل كلفة، شرط توفر التنافسية. لأن وجود الاحتكار هو الذي يؤدي إلى التحكم بالأسعار وإلحاق الضرر بالمستهلك، «لكن حتى يومنا هذا لم تصدر المراسيم التطبيقية، والقانون وحده غير كافٍ».
هل تدخّل الدولة يعرقل الاقتصاد الحر؟ يجيب عبود: «إذا ذهبنا إلى الولايات المتحدة الأميركية أو إلى أوروبا، أي إلى الدول التي تقدّم نفسها على أنها دول رأسمالية ذات اقتصاد حر، نرى أن هناك تدخلات عديدة للدولة في الأسواق وحتى بتحديد المعايير. وكذلك في لبنان أو في أي دولة تعدّ نفسها رأسمالية ذات اقتصاد حر».
وبالنسبة لمرسوم تحديد هامش الأرباح يقول برو إن القانون «تفنيصة»، وإنه «اختراع لبناني لنقول إنو الدولة عم تِدَّخل». فالمطلوب سياسات وقوانين جادّة وفعّالة لتحسين الاقتصاد في البلاد، وأن تضع وزارة الاقتصاد رؤية اقتصادية شاملة وألّا تكتفي بمراقبة الأسعار وملاحقة المخالفين.
مراقبة الأسعار لا تُجدي نفعاً
أما بالنسبة لدور جمعية حماية المستهلك يقول برو إن هناك إصراراً اليوم في الجمعية، في كل نقاشاتها، بأن مراقبة الأسعار «والركض وراها» لا يُجدي نفعاً. ويدعو الجميع للنظر إلى الأسباب التي أوصلتنا إلى هذه الحال وليس إلى النتيجة. كما تدعو الجمعية الوسائل الإعلامية إلى عدم الالتفاف والتركيز فقط على ارتفاع الأسعار الناتجة عن سياسات اقتصادية مدمّرة وجشع التجار، فالتركيز فقط على الأسعار لا يقدّم حلاً بل يساعد في المشاركة بطمس مسائلة المسؤولين الحقيقيين. ويضيف: «من يضع الأسعار اليوم؟ تُحدّد الأسعار بعناصر معيّنة أوّلها وجود منافسة، ثم وجود قطاعات إنتاجية، وأخيراً استقرار الدولة وقطاعاتها. ومع غياب كل تلك العناصر كيف يمكن ضبط الأسعار؟ إنه أمر في غاية الصعوبة».
يلفت برو إلى أن الأسعار مرتبطة بالقطاع الإنتاجي الذي يساهم هو الأخير في تخفيضها «إن ارتفاع الأسعار، في دولة مثل لبنان لا تنتج بل تستورد، أمر طبيعي. فالتاجر الذي يستورد هو الذي يتحكم بالسوق وبالأسعار مع غياب قطاع إنتاجي ينافسه». إضافة إلى غياب ملاحقة المخالفين قانونياً، لأن القضاء معطل.
ويشير برو إلى توقّف الجمعية عن نشر أسعار السلع، إذ إن آخر تقرير أسبوعي نشر بتاريخ 14/08/2023، لماذا؟ «ليس فقط لأننا مَلَّيْنَا، بل أيضاً بسبب الإعلام الذي يسارع لنشر الأرقام والتركيز عليها فقط». مضيفاً: «وقّفنا هيدا الموضوع قصداً. لأنه بالنسبة إلنا المطلوب من الجميع النظر بمشكلات البلد الحقيقية والبحث عن حلول». بدأت الجمعية بأهداف محددة وفق برو فـ«مراقبة الأسعار ليست ضمن أدوارنا، بل يكمن دورنا في إحداث وعي اقتصادي اجتماعي ودفع الدولة لإقامة واجباتها عبر تشريع القوانين وتحسين الخدمات الأساسية وتقديم اقتراحات لتحسين الاقتصاد».
مخالفات عديدة
يستذكر برو قرار «دولرة» الأسعار المخالف للمادة 5 من قانون حماية المستهلك ويقول إنه «قرار سياسي خطير ومن المفترض إقامة نقاش واسع يضم مختلف الجهات المعنية. لكن قرار الوزير اتّخذ بحجة تحسين أوضاع المستهلك. نحن حذّرنا من هذا الموضوع ولمّحنا إلى بعض النقاط الرئيسية للنتائج السلبية له، كارتفاع الأسعار من مواد وخدمات وصعوبة ضبط الأسعار ومراقبتها. ففي الجولة الأخيرة التي قمنا بها لاحظنا ارتفاعاً في سعر الخضروات والفواكه بنسبة 120% وارتفاع سعر الأجبان والألبان بنسبة تُقارب الـ100%».
كما صرّح برو أن رغم نص الفقرة (ج) من المادة 128 لقانون حماية المستهلك على توزيع الغرامات وثمن البضاعة المحكوم بها بنسبة 10% لجمعيات المستهلك العاملة في لبنان، لم تحصل الجمعية على أيّ مبلغ حتى اليوم «ما شفنا منهم شي، من الـ2005، السنة يلي طلع فيها القانون لليوم ما دفعوا ولا قرش». كما لم تصدر المراسيم التطبيقية والتنظيمية لقانون حماية المستهلك والأمور «متروكة لمزاجية الوزارة».
يدلي برو أن هناك اجتماعات في اللجنة النيابية الخاصة لتعديل قانون حماية المستهلك «لقد تقدّمنا بورقة للجنة النيابية بعد أن قرأنا المسودة التي وصلت إلينا، التي تتضمّن إعطاء صلاحيات إضافية لوزير الاقتصاد. فالمستهلك اليوم غير محمي. نحن الجهة المعنية في هذا الموضوع ونحن من نمثل قانوناً المستهلك وليس الوزير أو أي جهة أخرى. ومن المفترض أن نقوم نحن بالترافع أمام المحاكم باسم المستهلك». ويضيف: «تقدّمنا باقتراح منذ 2008 ندعو فيه ألا تكون مرجعية حماية المستهلكين لنفس جهة مرجعية التجار». فكيف يمكن حماية المستهلك وحماية المسؤول بإلحاق الضرر بالمستهلكين في آن واحد؟ «طلبنا أن تخرج المصلحة من وزارة الاقتصاد. وقدّمنا مشروع قانون للجنة النيابية فكان الرد سلبياً». ويشير برو إلى أن مسألة حماية المستهلك تعود للدولة وللوزارات المعنية وليس للجمعية، فالأخيرة هي للدفاع عن المستهلك، أمّا القانون فلحمايته.
يقترح عبود إنشاء «مصلحة لحماية المستهلك تكون تابعة لوزارة العدل لا وزارة الاقتصاد. كمصلحة الـAntitrust authorities في الولايات المتحدة الأميركية التابعة لوزارة العدل. إذ يكمن دورها كجهة ادّعاء، أي مدّع عام للشؤون التنافسية لملاحقة السياسات الاحتكارية».
قسم مكافحة الاحتكار، هو قسم يتبع لوزارة العدل الأميركية منوط بإنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار والعمل كمدافع عن المنافسة، وتعزيز المنافسة في قطاعات الاقتصاد التي تخضع أو قد تخضع للتنظيم الحكومي وتشمل هذه القطاعات:
• الصناعات الخاضعة للتنظيم الفيدرالي، مثل الاتصالات والخدمات المصرفية والزراعة والأوراق المالية والنقل والطاقة والتجارة الدولية.
• الصناعات الخاضعة للتنظيم الحكومي أو المحلي، مثل التأمين والإسكان والرعاية الصحية والمرافق العامة والتراخيص المهنية والمهنية وجوانب معيّنة من الخدمات المصرفية والعقارات.
كما يشارك القسم في صنع السياسات التابعة للسلطة التنفيذية، وإعداد الشهادات حول المبادرات التشريعية، ونشر تقارير عن أداء الصناعة المنظمة، والتدخل في إجراءات الوكالة التنظيمية.
ويقاضي القسم انتهاكات قوانين مكافحة الاحتكار من خلال رفع دعاوى جنائية وتتراوح العقوبة بين غرامات والسجن. كما يمكن للقسم رفع دعوى مدنية لاستحصال أمر من المحكمة يمنع الانتهاكات المستقبلية ويتطلب اتخاذ خطوات لمعالجة الآثار الضارة بالمنافسة الناجمة عن الانتهاكات السابقة.
أحمد مدلج – الأخبار