الإثنين, نوفمبر 25
Banner

“خطة ب” لاسترداد الودائع بالعملات الأجنبية: مصرف مركزي مصغّر لإدارة كتلة الدولار المصرفي وسعر صيرفه

تعددت الاقتراحات والحلول فيما المطلوب واحد. فأزمة السيولة التي فجّرت الاقتصاد اللبناني لا تزال الشغل الشاغل وموضع متابعة دقيقة لكيفية استعادتها لإنعاش القطاع المصرفي والاقتصاد وسعر صرف الليرة، والاهم عودة “جنى العمر” الى اصحابه. يسيطر الدولار على مجمل الودائع المحجوزة داخل المصارف، من هنا يتركز البحث على كيفية استعادة هذه الكتلة الضخمة او على الاقل رفع قيمتها سريعا لتخفيف الخسائر على المودعين وتحريك النمو.

ففي غياب تطبيق أي خطة شاملة للتعافي الإقتصادي يكون من ضمنها حلٌ لمشكلة الودائع بالعملات الاجنبية، قد يكون التوقيت مناسبا لطرح مقاربة من “خارج السياق” محصورة بهذه المشكلة. وفي هذا الإطار، تبرز الخطة التي أعدها المتخصص في الاقتصاد والناشر جوزف أمين الخوري الذي يستخدم في خطته تسمية “الدولار المصرفي” لمجمل هذه الودائع، معتمدا الأرقام المتداولة، ريثما يتم التدقيق في جميع حسابات المصارف العاملة في لبنان.

صحيح أن سعر صرف الدولار المصرفي انحدر من 100% إلى 80% و50% ثم 20%، حتى أصبح حاليا نحو 10% مقابل الدولار الأميركي، لكن “هذه الظاهرة لا تقتصر على لبنان، إذ إنه فور إعلان أزمة بنك SVB الاميركي تم تداول ودائعه غير المؤمّنة بين 55% و65% من قيمتها حتى اتخذ القرار بضمانها بالكامل فاستعادت قيمتها الفعلية فورا”.

من هنا، وفي ظل غياب قرار مشابه يضمن الودائع بالدولار المصرفي، إعتمدت خطة الخوري مبدأ استعادة قيمة هذه الودائع من خلال آلية تحقق حدا أدنى مضمونا لسعر صرف الدولار المصرفي، وتتبنى إجراءات تؤدي إلى تحسّنه التدريجي.

تستند الخطة إلى إجراءين متزامنين: الاول إنشاء مصرف مركزي مصغر Baby Central Bank (BCB) لإدارة حجم كتلة الدولار المصرفي وسعر صرفه، والثاني نوعٌ من “مجلس النقد” المرتبط بالـ “BCB”، ينتج عنه سعر صرف أدنى مضمون.

ولتسهيل الحل يقترح الخوري تجزئته الى مرحلتين: الأولى تشمل المودعين والمصارف ومصرف لبنان ومدتها 5 سنوات، والثانية تشمل المودعين والدولة، ومدتها 5 سنوات ايضا. من الناحية القانونية تتحمل المصارف المسؤولية التعاقدية المباشرة، وقد تصل الى الجزائية، حيال مصير الودائع المؤتمنة عليها. أما في توزيع المسؤوليات بين المصارف ومصرف لبنان والدولة، فيرى الخوري أنه “لا يمكن تحديد مسؤولية المصارف بنسبة تقل عن 30% نظراً الى دورها في تراكم العوامل التي أدت إلى أزمة القطاع المصرفي وخسائر المودعين المتمادية”.

الخطة تقترح تسوية تخرق حالة الجمود الحالي، وتسمح ببدء إستعادة حقوق المودعين: يحوّل الإحتياط الإلزامي (7.5 مليارات دولار) إلى الـ “BCB” بما يفرض حسمه من التزامات مصرف لبنان تجاه المصارف والتي تُقدر بـ 85 مليار دولار، ومن التزامات المصارف تجاه المودعين والتي تُقدر بـ 90 مليار دولار بما يجعلهما على التوالي 77.5 مليار دولار و82.5 مليار دولار، على أن تسدد المصارف من أموالها وأصولها للـ “BCB” مبلغ 30 مليار دولار سيولة بأقساط شهرية متساوية (500 مليون دولار) لمدة 60 شهرا بموجب ضمانات قانونية، بحيث يتم احتساب مساهمة كل مصرف نسبة الى حصته في الودائع. مقابل هذه التسوية تُتخذ الإجراءات الآتية:

– تحويل 90 مليار دولار من حسابات المودعين في المصارف الى حسابات الـ BCB ليصبح مسؤولا عن تسديدها.

– إسقاط جميع الدعاوى ومنع تقديم أي دعوى ضد المصارف بموضوع الدولار المصرفي.

– شطب 85 مليار دولار من التزامات مصرف لبنان تجاه المصارف.

من خلال هذه التسوية، يرى الخوري أن الكلفة الصافية على المصارف في حل مشكلة ودائعها بالعملات الاجنبية تصبح 25 مليار دولار (85 مليار دولار + 30 مليار دولار- 90 مليار دولار) اي ما يعادل 30.3% من الـ .582 مليار دولار. وهذه المساهمة برأيه غير مُبالغ فيها مقارنة مع الأرباح التي حققتها المصارف وأصحابها والشركات التابعة واستثمارات هذه الأرباح على مدى الـ30 سنة الماضية. وستسمح التحويلات، أي 7.5 مليارات دولار من مصرف لبنان و30 مليار دولار من المصارف بتشكيل تغطية تعادل 37.5 مليار دولار سيولة لـ90 مليار دولار من الودائع أي نحو 41.666% من قيمتها الإسمية، بما يعني أن سعر صرف الدولار المصرفي سيكون له حد أدنى مضمون قدره: 1 دولار مصرفي = 41.666 سنتا أميركيا، على أن يرتفع سعر الصرف هذا مع مرور الوقت عبر خفض حجم كتلة الدولار المصرفي أو زيادة حجم تغطيتها من خلال: شطب الودائع غير الشرعية، وإلغاء الفوائد التي تزيد عن 8% (فائدة اليوروبوند) منذ 2015، وإلغاء الحسابات النائمة التي لم يتقدم أصحابها بطلب الصيرفة إلى “BCB”، وأموال مستردة من عمليات مكافحة الفساد ومحوّلة إلى الـBCB، ومردود الإستثمارات “الآمنة” لاحتياط الـ “BCB” بعد حسم كلفة التشغيل، اضافة الى استرداد سيولة الودائع المحوّلة إلى الخارج أو المسحوبة نقداً التي يطبّق عليها مبدأ إساءة استعمال السلطة أو إساءة استغلال معلومات داخلية وسرية (Délit d’initié) وتحويلها إلى الـBCB، واحتساب الفروقات بالنسبة الى سعر صرف الدولار المتداول في السوق على أجزاء القروض المصرفية بالعملات الأجنبية المسددة على سعر الصرف الرسمي للدولار بعد 19 تشرين الأول 2019، عند إجراء هذه العمليات، وإخضاعها للضريبة التصاعدية على الأرباح وتحويلها إلى “BCB”.

ماذا عن آلية عمل الـ”BCB”؟ يشير الخوري الى أن على المودع التقدم بطلب أوّلي لصرف 20% من مجمل ودائعه في خلال 6 أشهر بعد إبرام هذه التسوية وإطلاق الـ “BCB”، توازيا يطبق بروتوكول مسبق الإعداد من هيئة موثوق بها يتمثل فيها المودعون لتنفيذ إجراءات تحقيقٍ بودائع مقدم الطلب، تتعلق بإمكان عدم شرعية مصادرها، وإمكان إعادة احتساب الفوائد منذ عام 2015، وإمكان احتساب ضريبة الأرباح على تسديد القروض المصرفية (المبينة أعلاه)، فيما يتم شطب المبالغ التي تنطبق عليها هذه النقاط، وتاليا يتم سحبها كذلك من كتلة الدولار المصرفي بما سيرفع نسبة التغطية ويحسن سعر الصرف العام للودائع المتبقية.

أما في ما يتعلق بآلية التسديد، فتشير الخطة الى استرداد المودع ضمن مهلة 12 شهرا من تاريخ الطلب الأولي، 20% من قيمة ودائعه المستوفية الشروط، وفقا لسعر صرف الدولار المصرفي في حينه. يقبض المودع نقدا أو سيولة 50% منها، أما الـ50% المتبقية فتجمد باسمه بالدولار الأميركي لمدة 3 سنوات مع الفائدة في مصرف من اختياره في لبنان بغية ضمان إعادة ضخها في القطاع المصرفي للمساهمة في تمويل الإقتصاد. ولكن هذا الإجراء لا يطبق على أول مئة ألف دولار يسحبها المودع الذي يحق له إختياريا أن يطلب ضمن مهلة تحدد سنوياً من الـ”BCB”، صرف 20% فقط من ودائعه المستوفية الشروط وفقا لسعر الصرف بتاريخ الطلب، وأن يقبض هذه المبالغ فورا ضمن الإجراءات المتبعة.

الخطة تشير كذلك الى أنه بعد 5 سنوات من إطلاق الـ “BCB” يتم الإطفاء الإلزامي لكتلة الدولار المصرفي المتبقية على سعر صرفه النهائي في تاريخه، وتستمر مهمته (“BCB”) لخمس سنوات أخرى من أجل إدارة مساهمة الدولة في المرحلة الثانية، خصوصا أنها، اي الدولة، لن تساهم في الوقت الحاضر في تغطية الـ”BCB” بسبب تدني مواردها ولتفادي إجراءات قانونية من حمَلة اليوروبوندز.

المرحلة الثانية من الخطة تشمل الدولة والمودعين، إذ يتم خلالها تحديد مساهمة الدولة المالية بعد الإطفاء الكامل لكتلة الدولار المصرفي واحتساب متوسط سعر الصرف العام المحقق من المودعين على مدى السنوات الخمس لتحسينه مع الاخذ في الإعتبار أيضا تعويض تدني القدرة الشرائية مع مرور الوقت. كمرحلة أولى توزع المساهمة المالية للدولة بهدف تحسين معدلات نسب استرداد المودعين لأموالهم التي لم تصل إلى المتوسط العام، ليصار في ما بعد إلى تحسين المعدل العام المستجد لجميع المودعين، إذا اقتضى الامر.

وفيما تلحظ الخطة إقرار مجلس النواب في مهلة محددة بعد إنتهاء المرحلة الأولى وتوافر بياناتها النهائية مبدأ مساهمة الدولة المالية وحجمها وكيفية توزيعها، تمنح الدولة عمليا “فترة سماح” مدتها خمس سنوات تمكنها من الإستثمار في إعادة تأهيل البنى التحتية والقطاع العام والإتفاق مع حمَلة اليوروبوندز… وإيجاد مصادر مساهمتها المالية.

إذا كانت الودائع غير الشرعية مقدرة بمليارات الدولارات، فربما من خلال هذه الخطة سيتمكن المودعون من استرداد ودائعهم الشرعية والمستوفية الشروط بنسبة قد تصل إلى 100% من قيمتها الإسمية وربما تجاوزها… طبعا توازيا مع إقرار القوانين المتصلة.

في جميع الأحوال، الخيارات والقرارات الصعبة ستفرض نفسها على الجميع، عاجلا أم آجلا.

سلوى بعلبكي – النهار

Leave A Reply