أطلق رئيس مجلس النواب اللبناني الأستاذ نبيه بري في مهرجان ذكرى تغييب الإمام السيد موسى الصدر في 31/8/2023 دعوته الكتل النيابية إلى الحوار لمدة سبعة أيام تليها جلسات مفتوحة متتالية لانتخاب رئيس الجمهورية وهو ما حرك المياه الراكدة في ملف انتخاب الرئيس، وتراوحت المواقف بين مؤيد ومرحب بالحوار وبين رافض له، وموقف رمادي على ضفاف الدعوة بانتظار تبلور الأمور.
وبرز الرفض بين القوى المسيحية وتحديدا حزبي الكتائب والقوات اللبنانية، فالقوات التي تحاول أن تتزعم المعارضة وتفاوض باسمها تمهيدا لترشيح رئيسها سمير جعجع الى رئاسة لجمهورية لا يناسبها الحوار لأنها ستكون طرفا الى جانب أطراف خاصة بعد فشلها بجمع المعارضة تحت لواءها، وبالتالي لا يمكن لها أن تفرض قراراتها ولا تستطيع ان تفاوض من منطلق القوة وطبعا لا يمكن تسويق رئيسها رئيساً للجمهورية، لذلك ترفض الحوار سواء أتى من الرئيس نبيه بري أو من الموفد الفرنسي لودريان، لابل أكثر من ذلك تصل بها الأمور الى حد مهاجمة غبطة البطريرك الراعي لقبوله بالحوار.
أما حزب الكتائب فحساباته تختلف عن حساب القوات، فالنائب سامي الجميل يعيش عقدة الذوبان في القوات خاصة بعد ضياع جمهوره بين القوات والتيار الوطني سواء في المتن معقل آل الجميل أو في بكفيا وغيرها من المناطق التي كانت تاريخيا قلاعاً للكتائب، وما المهرجان الأخير في البترون والحضور الهزيل بالرغم من استقدام حصور من خارج المنطقة الا خير دليل على تراجع هذا الدور، وبالتالي يحاول رفع الصوت ليقول انه ما زال موجوداً.
ويختلف موقف رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عن الحزبين، فالوزير باسيل الذي يخوض نقاشاً مع حزب الله، ويحاول أن يبتز الحزب ومقايضته بالتصويت للوزير سليمان مقابل اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة وغيرها، و لن يذهب للحوار قبل إقرار الاتفاق ــ الصفقة، لأن الحوار في حال حصل ونجح لا يعود من ضرورة للقاء بين الحزب والتيار، ويخرج الوزير باسيل من ” المولد بلا حمص”.
وظهر موقف متقدم لغبطة البطريرك الراعي بقبوله دعوة الحوار وهو أمر كانت ترفضه بكركي سابقاً، ويبدو أن غبطة البطريرك يملك معلومات خطيرة عن تطور الأمور الى ما تحمد عقباه، واستمرار الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية، وتداعي المراكز التي يتولاها موارنة، فبعد الشغور في حاكمية مصرف لبنان يقترب الشغور من قيادة الجيش، بالإضافة الى مراكز أخرى قد لا تكون بأهمية المراكز السابقة، لكنها تنعكس سلبا على موقع الطائفة.
أما بالنسبة للتغييرين فقد تفرقوا أيادي سبأ، ومع تمايز النائب الياس جرادة عن زملاءه والقبول بالحوار، يعيش باقي النواب التغييرين حالة من الضياع خاصة مع عدم القدرة على الاتفاق على موقف واحد، وبانتظار كلمة السر من سفارة ما او سفارات.
على المقلب الآخر يتميز الحزب التقدمي الاشتراكي عن قوى المعارضة بقبول الحوار ليس لأن مطلقه هو الرئيس نبيه بري الذي تجمعه علاقة وثيقة بالوزير جنبلاط فحسب بل لأن الوزير جنبلاط الأقدر على قراءة التحولات في المنطقة، يترافق ذلك مع قلق وخوف على طائفة الموحدين الدروز التي ستتكبد تداعيات أي خلل أمني، وهي كانت وما زالت شأنها شأن باقي الطوائف تعاني من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.
أما النواب السنة فتختلف مواقفهم من كتلة الى أخرى، ويبرز موقف للنائب البعريني وتكتل الاعتدال الوطني بقبول الحوار، وأهمية هذا الموقف ينبع أن هذا التكتل محسوب على الرئيس سعد الحريري، كما أن موقف النائب كرامي وتكتل الوفاق الوطني محسوم بقبول الحوار، ويبقى بعض النواب المتناثرين الذي لم يحسموا موقفهم، والرفض المطلق من قبل بعض النواب نتيجة حسابات طائفية ضيقة.
بين قبول الحوار ورفضه تنفجر الأزمات في لبنان، فمع اجتياح النازحين السوريين للبنان بالآلاف دون القدرة على ضبط الحدود، وانفجار المعارك في مخيم عين الحلوة، وازدياد حالات القتل والسلب، بالإضافة إلى أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، يبقى الحوار مدخلا لتخفيف الاحتقان، والوسيلة الوحيدة لتقريب وجهات النظر، هذا إذا صدقت النوايا، ولا اظنها ستصدق.
حمى الله لبنان.
أخبار عاجلة