أدركت الكتل النيابية والنواب المستقلون بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم انهم عاجزون عن انتخاب رئيس للجمهورية جراء خلافاتهم وانقساماتهم الحادة. ولو اتفق زعماء الاحزاب الكبرى على اسم لأنجزوا المهمة في أيام وتوجهوا الى جلسة انتخاب لإتمام هذه العملية الدستورية التي لن تعترض عليها الدول المواكبة لهذا الاستحقاق، من المجموعة “الخماسية” الى ايران، ولو ان كلاً منها تفضل مرشحاً على آخر ربطاً بمصالحها في لبنان. وتبدو قطر اكثر الدول حماسة في متابعة انتخابات لبنان ولو كانت باريس لم تنقطع عن متابعة مبادرتها منذ اليوم الاول لدخول البلاد في الشغور الرئاسي.
وينتظر اللبنانيون اليوم ما سيحمله الموفد الفرنسي جان – إيف لودريان في محطته الثالثة بعدما استمع الى آخر المعطيات من الجانب السعودي بعد لقاءاته الاخيرة مع المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا والسفير وليد البخاري. ويأتي حضور لودريان بعد انفراط عقد التئام طاولة الحوار التي عمل الرئيس نبيه بري على جمعها إلا انه اصطدم بسلسلة من العراقيل من جهة كتل “القوات اللبنانية” والكتائب و”تجدد”، الى مروحة من النواب “التغييريين” والمستقلين رغم إعلان مجموعات نيابية لا بأس بها من الجهات الاخرى ترحيبها بدعوة بري. وأدى عدم وضوح موقف “التيار الوطني الحر” الى تطيير هذا المسعى او بالاحرى تأجيله رغم قول النائب جبران باسيل إنه لا يعارض طرح الحوار وفق تثبيت جملة من المواصفات والبرنامج حيال المرشح المناسب قبل الدخول في الاسماء. ويحضر هنا عامل اللاثقة المزمن بين العونيين وحركة “أمل” وعدم جمع طاولة الحوار التي كانت محل درس ومتابعة دقيقين من طرف “حزب الله” الى ان جاء الاعتراض من “التيار” ودخوله في ردود مع كتلة بري التي تقول ان باسيل قال شيئاً في البداية ثم انقلب على كلامه، وانه يريد تثبيت جملة من الامور والشروط قبل الانتخابات لا مكان لها على طاولة الحوار، وان المكان الطبيعي لطرحها والبت بها هو في مجلس الوزراء ثم البرلمان. ومع ذلك لم “يستسلم” رئيس المجلس حيث لا يزال يتشبث بضرورة سلوك الحوار بين الافرقاء. وهذا ما سيشدد عليه للمرة المئة امام لودريان. ويعتقد ان خطوته الحوارية تتلاقى مع المساعي التي يبذلها الموفد الفرنسي “وانهما يكملان بعضهما البعض”، وان لا مفر في النهاية من تعبيد الطريق امام الحوار، “ومن يرفضه لا يريد رئيساً للجمهورية”، وان البديل من الحوار هو الاستمرار في هذا الصراع غير المجدي، وان الدستور والقوانين هي في خدمة الانسان وليس العكس، وانه في ظل كل هذه الاخطار المطلوب من الجميع التلاقي والجلوس الى طاولة حوار شرط توافر إرادات وطنية حقيقية، وان التئام 12 جلسة انتخابية لم يؤد الى المطلوب ولو تم الاستمرار على جلسات مشابهة فلن تنتج رئيساً، وان التفاوض والحوار بين الكتل لا ينتقص من ماهية الدستور. مع التذكير بان بري لن يضع “فيتو” على اي من الاسماء المطروحة.
ومن هنا لن تكون محطة لودريان اليوم على غرار سابقتيها إذ سيحمل هذه المرة بحسب مصادر متابعة رسالة بالمباشر في موقف يعكس موقف “الخماسية” وسيقوم بمروحة من اللقاءات والزيارات، وعلى جدول اعماله ايضاً قائد الجيش العماد جوزف عون. ولن ينفع لودريان هذه المرة تكرار ما قدمه في الزيارتين الاخيرتين، ولا سيما بعد وضوح آراء مختلف الكتل وتوجهاتها الرئاسية. ولم تعد سياسة المراوحة تنفع ايا من الافرقاء في الداخل والخارج وتحديداً من جهة الفرنسيين، ولن تكون جهود” الخماسية” بعيدة عما يدور من اتصالات غير مباشرة بين طهران وواشنطن عن طريق الدوحة ومسقط حيث تنشط دوائر في العاصمتين الاخيرتين في تقريب المسافات بين اميركا وايران، مع الاشارة الى انه قبل الحديث عن اسم الرئيس المقبل الذي سيحل في قصر بعبدا يُطرح السؤال: مَن يملك القرار السياسي في البلد؟ لأن الموضوع الرئاسي عند “حزب الله” الذي يشكل رأس الحربة في الاستحقاق الانتخابي لا ينظر اليه على اساس موقع الشيعة في النظام ومشاركتهم في الحكومة وإدارات الدولة. ويقول لسان حال قيادته ان قواعدهم بعدما قدمت كل هذه التضحيات لن تقبل برئيس اذا لم تكن مطمئنة له على أكثر من مستوى، واذا لم يأتوا بمرشح من قماشة الرئيس السابق ميشال عون فان الحزب لا يقبل بانتخاب مرشح آخر. واذا كان بري والحزب يتمسكان الى الآن بمرشحهما الوزير السابق سليمان فرنجيه، فمن غير المنطق وحسابات “الف باء” السياسة ألا يفكرا باسم ثان على عكس ما يرددانه. ولا يعني هذا الكلام انهما على عتبة القول انهما يعتذران عن عدم متابعة خوض معركة الرجل، ولا سيما ان التوازنات النيابية في البرلمان فرضت نفسها على خريطة توزع الاصوات وتأمين نصاب الـ 86 نائباً. ولا تغيب معادلة هذه الحسابات عن رؤية لودريان حيث من المتوقع ان يخرج في لقاءاته مع النواب عن اطار العموميات في توقيت صعب لا يمكن تخطيه في ظل كل هذه الموجات من الانتكاسات في الاقليم وخصوصا في سوريا مع اشتداد الحصارعلى مناطق عدة في ربوعها وانعكاس هذا الامر على لبنان جراء ارتفاع تدفق افواج النازحين السوريين، فضلاً عن الاخطار الآتية من بوابة الجنوب هذه المرة ومن مخيم عين الحلوة المفتوحة مربعاته على أكثر من قناة في الخارج كفيلة بتفجيره قبل أسابيع من استكشاف شركة “توتال” كميات النفط والغاز في البلوك 9 في بحر الجنوب.
كل هذه التعقيدات في لبنان والمنطقة لن تساعد لودريان ولن تؤدي الى خروق في الرئاسة اللبنانية اذا استمر افرقاء الداخل على عنادهم هذا.