انطلقت خلال الساعات الماضية في المحافل الاعلامية والسياسية، موجة متجددة من الكلام والتحليل فحواها ان “الثنائي الشيعي” قد بدأ رحلة التمهيد للخروج من التزاماته المعروفة في الموضوع الرئاسي، وانه شرع يبعث برسائل واشارات في غير اتجاه داخلي وخارجي تشفّ عن انفتاحه على ورشة نقاش في خيارات وعروض مختلفة. وبلغت ثقة مطلقي هذا الكلام باستنتاجهم هذا حدّ الكشف عن لائحة اسماء بديلة يمكن هذا “الثنائي” ان يفاوض الآخرين حولها.
ولم يفت هؤلاء الذهاب في كلامهم الى حد القول بان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد اعطى الضوء الاخضر لبدء مهمة اقناع مرشح “الثنائي” الحصري زعيم “تيار المرده” سليمان فرنجيه بإعلان انسحابه من السباق الى قصر بعبدا، خصوصا انه (بري) كان السبّاق بتسميته مرشحاً لهذا المنصب.
واللافت ان اصحاب هذه الرؤية يقدمون براهينهم على صحتها، ومن ابرزها:
– اللقاء الذي جمع اخيرا قائد الجيش العماد جوزف عون مع رئيس كتلة نواب “حزب الله” (الوفاء للمقاومة) محمد رعد.
– الحديث عن لقاءات عدة بعيدة عن الاضواء جرت بين موفد أمني قطري (أبو فهد) مع الرئيس بري ومع معنيين من الحزب.
ووفق ما هو معلوم سابقا فان مرشح الدوحة المعلن للرئاسة الاولى هو قائد الجيش. ولكن عنصر المفاجأة لمتابعي الامر ان الموفد القطري سأل الذين التقاهم اخيرا عن رأيهم بقيادي أمني لبناني.
– ثمة اعلاميون ظهروا في الآونة الاخيرة ليتحدثوا عن علمهم بان الرئيس بري يبدي أمام صفوة زواره وأمناء سره اعجابا بالسفير السابق العميد جورج خوري، وهو نفسه الذي كان مديرا للمخابرات في الجيش قبل ان يحال على التقاعد، وقد طُرح اسمه اكثر من مرة في عِداد المؤهلين لمنصب الرئاسة الاولى كونه على علاقة دافئة مع ألوان من الطيف السياسي.
ليست المرة الاولى التي يروّج فيها مثل هذا الكلام ويتم تقديمه على انه من الاستنتاجات التي لا يرقى اليها الشك، يقول مصدر نيابي في “الثنائي” لـ “النهار”.
ويضيف ان ثمة من “تخصص” منذ الاشهر الاولى للشغور الرئاسي في تنفيذ مهمة واحدة هي الترويج لنظرية مفادها ان العائق الاساس وربما الأوحد أمام طيّ صفحة الشغور وانتخاب ساكن جديد لقصر بعبدا هو عند “الثنائي الشيعي” حصراً كونه طرح باكراً اسم مرشح واحد وتمسك به رافضا النقاش او التحاور في اي خيارات او عروض اخرى. ولكي يستكمل هؤلاء مبنى نظريتهم يزعمون ان الفريق الآخر قبالة “الثنائي” ابدى مرونة اكبر تفصح عن رغبته في مرشح تسوية، وذروة ذلك تجلت عندما بادر الى سحب اسم مرشحه الاول النائب ميشال معوض من التداول بعدما انوجد من يقدم اسم الوزير السابق جهاد ازعور مرشحا آخر وحشد له ائتلافا سياسيا لا يستهان به. واكثر من ذلك، عرض الفريق عينه لاحقا استعدادا ضمنيا للذهاب الى البحث في خيار ثالث هو قائد الجيش كونه يلقى رضا وتأييداً من عواصم عربية وغير عربية.
وبناء على هذه المعادلة، صرف اصحاب هذه الرؤية جهدا استثنائيا لبلوغ هدف اساسي هو دفع “الثنائي الشيعي” ومَن والاه سياسياً قسراً أو طوعاً نحو اعلان تخليه عن التزامه السابق المعلن مقدمةً لفتح الابواب أمام خيار آخر توافقي.
واللافت وفق المصدر إياه ان بعض هذا الفريق تفرّد بلعبة “الاستثمار والبناء” على افتراض ان الدروب سُدت امام مرشح “الثنائي” وانه بات في وارد التحلل منه، عندما صوّر أن اداءه وفعله المعاند والمناهض هو ما أجبر “الثنائي” على اصدار مؤشرات توحي بأنه بات قاب قوسين أو ادنى من التخلي عن التزامه البكر، وسارع هذا الفريق الى التشديد على انه حقق صدقية شعاره الدائم وفحواه “حرمان مرشح الممانعة من ولوج عتبة قصر بعبدا”.
ويردّ المصدر النيابي في “الثنائي”: “نحن لم نطرح اطلاقا مسألة التخلي عن مرشحنا على بساط البحث في دوائرنا الضيقة لا من قريب ولا من بعيد”. ويستطرد: “نقول انه لم يستجد اي معطى يدفعنا الى ان نشرع بالتفكير في الخيار البديل، بل بالعكس سمعنا اخيرا كما الجميع كلاما للنائب في تكتل لبنان القوي آلان عون يتحدث فيه عن ان حظوظ فرنجيه بالرئاسة اصبحت أعلى من ذي قبل. فضلاً عن ذلك فان ثمة نوابا من خارج تحالفنا السياسي المعروف بعثوا الينا برسائل يعربون فيها عن استعدادهم للتصويت لمرشحنا عند الحاجة واللزوم، واعتبرونا احتياطكم” .
ويضيف: “رغم كل ذلك ليس ثمة ما يدفعنا الى البحث عن مرشح آخر، اذ ان خياراتنا لم تبلغ الجدار المسدود وفق ما يحاول هؤلاء التصوير والايحاء”.
أما عن اللقاء الذي جمع النائب رعد بقائد الجيش فهو “لقاء عابر حصل مصادفة اذ لم تكن هناك دعوة من العماد عون ولا طلب من النائب رعد لعقد هذا اللقاء، علما انه لو كان اللقاء حصل وفق ترتيبات سابقة لكان عند الحزب من الجرأة ما يكفي للكشف عنه كما عند قائد الجيش، اذ لا قطيعة بين الحزب والمؤسسة العسكرية بل هناك تنسيق دائم”.
ويخلص المصدر الى القول: “ربما نجد يوما ما مصلحة في ان نبدل خياراتنا وقناعاتنا السياسية في شأن وطني عام على هذا المستوى من الاهمية والحساسية، ولكن لحدّ الآن ليس ما يجبرنا ويغرينا للتبديل والتغيير، خصوصا ان لا عرض جديا عند احد. ولو افترضنا ان التطورات تجبرنا على التبديل فلسنا من النوع الذي يتعاطى بخفة مع التحالفات والتفاهمات التي ننسجها”.
ابراهيم بيرم – النهار