الأحد, نوفمبر 24
Banner

ما هو المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء؟ ـ الدكتور خضر ياسين

ما هو المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء؟

أعطى الدستور اللبناني للمجلس النيابي صلاحية قضائية تتمثل بتوجيه الإتهام لكل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، على أن تتم المحاكمة أمام قضاء خاص هو “المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”، إذ تنص المادة 60 من الدستور على ما يلي: “لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته إلاّ عند خرقه الدستور أو في حال الخيانة العظمى، أما التبعة فيما يختص بالجرائم العادية فهي خاضعة للقوانين العامة، ولا يمكن اتهامه بسبب هذه الجرائم أو لعلتي خرق الدستور والخيانة العظمى، إلاّ من قبل مجلس النواب بموجب قرار يصدره بغالبية ثلثي مجموع أعضائه، ويحاكم أمام المجلس الأعلى المنصوص عليه في المادة الثمانين ويعهد في وظيفة النيابة العامة لدى المجلس الأعلى إلى قاض تعينه المحكمة العليا المؤلفة من جميع غرفها”.

تفيد المادة المذكورة أعلاه أن رئيس الجمهورية يتمتع بحصانة سياسية عن مجمل التصرفات والأقوال التي تصدر عنه خلال قيامه بوظيفته إلاّ أن هذه الحصانة لا تحول دون ملاحقته جزائياً عندما يرتكب الجرائم العادية، أو الخيانة العظمى أو خرق الدستور، ففي جميع هذه الحالات يصدر الإتهام عن سلطة حصرية هي المجلس النيابي وتتم المحاكمة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

ويقصد بالجرائم العادية، الجنايات والجنح والمخالفات، وفقاً للتصنيف الوارد في قانون العقوبات اللبناني، وعندما يرتكبها رئيس الجمهورية يكون خاضعاً للقوانين العادية، فهو مواطن يخضع لقانون العقوبات لكن اتهامه يتم عن طريق المجلس النيابي ومحاكمته تجري أمام هيئة خاصة (المجلس الأعلى المحاكمة الرؤساء والوزراء).

لم يعرّف الدستور أو قانون العقوبات مفهوم جريمة الخيانة العظمى، فهي ذات طبيعة سياسية غير محددة قانوناً، ولذلك يعود لمجلس النواب الذي يتهم وللمجلس الأعلى الذي يحاكم حق التقدير المطلق في ما إذا كان الفعل الذي ارتكبه رئيس الجمهورية يشكل خيانة عظمى أم لا، أما من جهة التعريفات الفقهية، فهي إهمال شديد للإلتزامات الوظيفية وانتهاك جسيم للواجبات الملقاة على عاتق رئيس الجمهورية، أو أنها انتهاك خطير من جانب رئيس الجمهورية لإلتزاماته الدستورية، كذلك في ظل غياب تعريف محدد لجريمة خرق الدستور في أي نص دستوري أو قانوني، يعرفها الفقه الدستوري بأنها كل مخالفة للدستور أيّاً كان حجمها أو خطورتها، تشكل خرقاً للدستور، أو كل عمل يتجاوز فيه أحد أعضاء السلطة التنفيذية حدود الدستور، فما هي العقوبات التي تفرض بحق رئيس الجمهورية في حال إدانته؟

عندما يرتكب رئيس الجمهورية جريمة عادية، يُطبّق بحقه نصوص قانون العقوبات المتعلقة بالجريمة التي ارتكبها، أما عند ارتكابه خرق الدستور أو الخيانة العظمى، لم يحدد الدستور أو القانون عقوبة خاصة بكل منهما، لذلك من الممكن أن تتخذ العقوبة شكل العقوبة السياسية (إقالة رئيس الجمهورية من منصبه)، أو العقوبة الجزائية (تلك المحددة في قانون العقوبات)، أو العقوبة المدنية، أو شكلين من هذه العقوبات أو الثلاثة معاً، وهنا يطرح السؤال حول من يحل مكان رئيس الجمهورية عند إدانته؟

يجب التمييز بين الإتهام والإدانة، فعندما يتهم رئيس الجمهورية من قبل المجلس النيابي بغالبية 2/3 من مجموع أعضائه، يكف رئيس الجمهورية عن العمل وتبقى سدة الرئاسة خالية إلى أن يصدر المجلس الأعلى قراره في القضية (المادة61 من الدستور)، وفي هذه الحالة نكون أمام شغور في مركز الرئاسة، لذلك نصت المادة 62 على أنه في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء، أما عند إدانة رئيس الجمهورية من قبل المجلس الأعلى بغالبية 2/3 من مجموع أعضائه، يُعفى الرئيس من منصبه كي يصار إلى انتخاب رئيس جديد بدلاً منه لولاية جديدة. من جهة ثانية وردت مسؤولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء في المادة 70 من الدستور التي نصت على ما يلي: ” لمجلس النواب أن يتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم، ولا يجوز أن يصدر قرار الإتهام إلاّ بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس”، وتتم المحاكمة أمام المجلس الأعلى (المادة 71).

خلال معالجة مسؤولية رئيس الجمهورية، ذكرنا أنه لا يوجد تعريف لجريمتي خرق الدستور والخيانة العظمى في أي نص دستوري أو قانوني، كذلك فإنه لا يوجد تعريف لمفهوم “الإخلال بالواجبات المترتبة على رئيس مجلس الوزراء والوزراء”، وما هي الجرائم التي تدخل ضمن هذا المفهوم، لكن من المتفق عليه أنها تشير إلى ما يمكن أن يرتكبوه من جنايات أو جنح أثناء أو بمناسبة قيامهم بأعمال وظيفتهم الوزارية، لذلك في ظل غياب مفهوم قانوني يحدد ما هي الأفعال الجرمية التي تندرج ضمن إطار “الإخلال بالواجبات الوظيفية”، فإنه يعود لكل من المجلس النيابي والمجلس الأعلى تحديد ما إذا كانت الأفعال المنسوبة إلى أحدهم تشكل إخلالاً بالواجبات الوظيفية، خاصة وأن المادة 42 من القانون رقم (13/90) المتعلق بأصول المحاكمات أمام المجلس الأعلى تنص على أنه “باستثناء الخيانة العظمى والإخلال بالواجبات المترتبة على رئيس مجلس الوزراء والوزراء يكون المجلس الأعلى مقيّداً بالقانون في وصف الجنايات والجنح وفي العقوبات الممكن فرضها”، ومن الأمثلة على الجرائم التي قد ترتكب أثناء أو بمناسبة القيام بالمهام الوزارية، وتشكل إخلالاً بالواجبات الوظيفية نذكر الرشوة، إختلاس الأموال العمومية، التزوير، استثمار الوظيفة، صرف النفوذ، إساءة استعمال السلطة، عدم السهر على إدارة مصالح الوزارة، إرتكاب خطأ ألحق ضرراً بمصلحة الدولة…

إذًا فيما يخص رئيس مجلس الوزراء والوزراء فإن الصلاحية المعطاة للمجلس النيابي بتوجيه الإتهام إليهم، ومن ثم محاكمتهم أمام المجلس الأعلى، مرتبطة فقط في حالة الخيانة العظمى، وفي الجرائم والجنح التي يرتكبونها أثناء أو بمناسبة قيامهم بمهامهم الوزارية، أما فيما يتعلق بالجرائم العادية المرتكبة من قبلهم بصفتهم الشخصية، التي ليس لها علاقة بالصفة الوزارية أو باستغلال هذه الصفة، فالصلاحية في ملاحقتهم ومحاكمتهم تعود للقضاء العادي، حيث يحاكمون كأي مواطن عادي وفقاً لقانون العقوبات.

إن المجلس النيابي يتمتع “بصلاحية حصرية” في توجيه الإتهام إلى رئيس مجلس الوزراء والوزراء فيما يتعلق بالخيانة العظمى والجرائم والجنح المرتكبة من قبلهم أثناء أو بمناسبة قيامهم بوظائفهم مستغلين الصفة الوزارية، ويتطلب صدور قرار الإتهام غالبية 2/3 من مجموع أعضائه.

من جهة ثانية، فإن عبارة “لمجلس النواب أن يتهم” تدل على أن المجلس يتمتع بصلاحية استنسابية في توجيه الإتهام أو عدمه، وهو يمارسها في ضوء تقديره لأعمال الوزير والظروف المحيطة بها، ولا تدل على أنه إذا امتنع المجلس عن توجيه الإتهام إلى رئيس الوزراء والوزراء عند ارتكابهم الخيانة العظمى أو الجرائم المرتكبة أثناء الوظيفة الوزارية، يستطيع عندها القضاء العادي ممارسة هذه الصلاحية بتوجيه الإتهام، فالقضاء العادي ليس مختصاً بملاحقتهم في هذه الأنواع من الجرائم بل يختص فقط في الجرائم العادية التي يرتكبونها بصفتهم الشخصية، هنا يطرح التساؤل التالي هل يمكن ملاحقة الوزير بعد ترك منصبه الوزاري؟

وفقاً للمادة 72 من الدستور، يكف رئيس مجلس الوزراء أو الوزير عن العمل فور صدور قرار الإتهام بحقه عن المجلس النيابي بغالبية 2/3 من مجموع أعضائه، وإذا استقال لا تكون الإستقالة مانعاً لعدم إقامة الدعوى عليه أو لوقف المعاملات القضائية بحقه، فيبقى المجلس النيابي صاحب الصلاحية بتوجيه الإتهام إلى أحدهم بعد ترك المنصب الوزاري لأن اتهامه مرتبط بأعمال ارتكبت أثناء ممارسته المهام الوزارية.

تنص المادة 80 من الدستور على أنه “يتألف المجلس الأعلى، ومهمته محاكمة الرؤساء والوزراء، من سبعة نواب وثمانية قضاة من أعلى القضاة رتبة حسب درجات التسلسل القضائي أو باعتبار الأقدمية إذا تساوت درجاتهم ويجتمعون تحت رئاسة أرفع هؤلاء القضاة رتبة، وتصدر قرارات التجريم من المجلس الأعلى بغالبية عشرة أصوات، وتحدد أصول المحاكمات لديه بموجب قانون خاص”، وعملاً بأحكم المادة 80 من الدستور، صدر القانون رقم 13/90 تاريخ 18/8/1990 المتعلق بأصول المحاكمات أمام المجلس الأعلى، ونص في المادة الأولى منه على أن يتألف المجلس من: 7 نواب ينتخبهم المجلس النيابي في بدء كل ولاية وفي أول جلسة يعقدها كأعضاء أصيلين، وينتخب 3 نواب آخرين إحتياطيين، وذلك لمدة ولاية مجلس النواب.

يتم انتخاب هؤلاء النواب بالإقتراع السري وبالغالبية المطلقة من مجموع أعضاء المجلس النيابي في الدورة الأولى، وبالغالبية النسبية في الدورات التي تلي، وعند تساوي الأصوات يعد الأكبر سناً منتخباً، ومن 8 قضاة من أعلى القضاة اللبنانيين رتبة حسب درجات التسلسل القضائي، ومن 3 قضاة احتياطيين، وهؤلاء القضاءة تسميهم محكمة التمييز بجميع غرفها، ويجب أن يكونوا من بين القضاء العدليين.

وأشارت المادة 3 من القانون 13/90 على أن يجتمع المجلس برئاسة أرفع القضاة رتبة، وفي حال غيابه يحل محله القاضي الذي يليه رتبة حسب درجات التسلسل القضائي، كذلك يشغل وظيفة النائب العام لدى المجلس قاض تعينه محكمة التمييز، وهذا ما يعزز الطابع القضائي لهذا المجلس.

وتفرض المادة 4 من القانون 13/90 على أعضاء المجلس (الأصيلين والإحتياطيين) أن يقسموا أمام المجلس النيابي في جلسة علنية اليمين الآتية: “أقسم بالله العظيم، على أن أقوم بوظيفتي في المجلس الأعلى بكل إخلاص وأمانة وأن أصون سر المذاكرة وألتزم في كل أعمالي الصدق والشرف”.

وفقًا للمادة 19 من القانون 13/90 يقدم طلب الإتهام إلى المجلس النيابي بموجب عريضة يوقع عليها 1/5 أعضاء المجلس النيابي على الأقل، ويتضمن الطلب:

1- إسم الشخص/الأشخاص المطلوب اتهامهم.

2- الجرم المنسوب إليهم.

3- الوقائع والأدلة والقرائن المؤيدة.

يبلغ رئيس المجلس الطلب إلى جميع النواب، والشخص/الأشخاص المطلوب اتهامهم من أجل الإجابة عليه خطيًا وتكليف محام للدفاع في القضية.

بعد مرور 10 أيام على التبليغ، يعقد المجلس النيابي جلسة يستمع فيها إلى مرافعتي الإدعاء والدفاع، ثم يقرر بالأكثرية المطلقة من عدد أعضائه، إما إحالة المتهم إلى لجنة نيابية خاصة تسمى “لجنة التحقيق” قبل التصويت على طلب الإتهام، أو رد طلب الإتهام.

تتألف هذه اللجنة من رئيس وعضوين أصيلين، و3 أعضاء احتياطيين، ينتخبهم المجلس بالإقتراع السري، وبالغالبية المطلقة من عدد أعضائه وقرارات اللجنة لا تقبل أي طريق من طرق المراجعة.

بعد انتهاء اللجنة من تحقيقاتها، تجتمع في جلسة سرية، وتضع تقريراً في القضية يتضمن:

1- إسم / أسماء المطلوب اتهامهم.

2- الصلة / الجرم المنسوب إليهم.

3- تقدير ما إذا كانت الأفعال ثابتة الثبوت الكافي.

4- إعطاء هذه الأفعال وصفها القانوني وتعيين النصوص التي تنطبق عليها.

تحيل اللجنة تقريرها المذكور إلى المجلس النيابي الذي يجتمع في جلسة خاصة خلال 10 أيام من تاريخ إيداع التقرير لدى المجلس، ثم يصوّت المجلس على الإتهام بغالبية 2/3 مجموع أعضائه.

بعد صدور قرار الإتهام يحيل رئيس المجلس هذا القرار مع ملف التحقيق إلى المجلس الأعلى.

-فور إحالة القضية إلى المجلس الأعلى، يباشر المجلس في المحاكمة وعليه أن يبت بها خلال مدة شهر من تاريخ تبلغه الإحالة، تكون قابلة للتجديد مرة واحدة.

-لا تكون الجلسة قانونية إلاّ بحضور أعضاء المجلس الخمسة عشر، وإذا تغيّب عضو أصيل، يكلف المجلس أحد الأعضاء الإحتياطيين.

-تكون جلسات المجلس علنية إلاّ إذا قرر إبقاءها سرية، ولا يمكن تجريم المتهم إلاّ بغالبية 10 أصوات، والمتهم يبقى طليقاً حتى صدور القرار النهائي.

-عندما يقرر المجلس تجريم أحد الأشخاص، عليه أن يصدر فوراً قراراً بإقالته من منصبه، ولا تقبل قرارات المجلس الإستئناف ولا التمييز، ولكنها تقبل إعادة المحاكمة.

Leave A Reply