لم تحظَ عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الثالثة بالإهتمام اللبناني اللازم، لأن ثمة أحداثاً وتطورات بالغة الخطورة، تثير موجات من القلق لدى اللبنانيين، بعدما زهقوا من مناورات الإنتخابات الرئاسية، وأيقنوا أن محاولات الوسيط الفرنسي لن تُفلح في فتح أبواب قصر بعبدا.
النيران المشتعلة في مخيم عين الحلوة منذ الأسبوع الماضي، بدأت تُلهب قلوب اللبنانيين خوفاً من إستمرار الإشتباكات الضارية من حي إلى آخر في المخيم، مما يؤدي إلى تهجير سكان أكبر مخيم للفلسطينيين، إلى مناطق صيدا والجوار، فضلاً عن ترصُّد إحتمالات توسع رقعة القتال خارج المخيم، حيث بدأت القذائف ورصاص القنص تصل إلى الأحياء الصيداوية، وتهدد باقفال الشريان الأساسي إلى منطقة الجنوب.
الإجتماعات المتوالية بين مسؤولي الفصائل المتقاتلة والوسطاء، بمن فيهم ممثلو الأجهزة الأمنية اللبنانية، تُعيد إلى الذاكرة مشاهد إجتماعات لجان التنسيق اللبنانية ــ الفلسطينية إبان الحرب السوداء، والتي كانت الإشتباكات تحتدم بعد كل إتفاق مزعوم يتم التوصل إليه لوقف النار.
ويبدو أن التاريخ يُعيد نفسه، بشكل أكثر دراماتيكية، حيث المقاتلون لا يُقيم وزناً لآلاف العائلات المقيمة في المخيم، وتعاني من الفقر والفاقة، ولا تملك القدرة على الإنتقال إلى السكن في أماكن آمنة، ولا حتى إمكانية تصليح الأضرار التي تصيب منازلهم ومحلاتهم وأماكن عملهم. لقد تحوّل سكان المخيم إلى «حطب حريق» في معارك تضر بقضيتهم، بل تقضي على البقية الباقية من قدسية النضال الفلسطيني، وتُكفّر الفلسطينيين بقياداتهم وتنظيماتهم، التي تجرُّ عليهم الويلات، في مسلسل صراع لا ينتهي على الزعامات الشخصية والمصالح الأنانية.
وجاءت جحافل النزوح السوري المتزايدة، لتثير الكثير من التساؤلات حول الأسباب الحقيقة لهذه الظاهرة المريبة، والتي تشكل خطراً وجودياً على لبنان، كما قال قائد الجيش العماد جوزاف عون في إجتماع السراي الأخير، والذي بقي في إطار التنظير والتمنيات، ودون حسم الأمور بإتخاذ قرارات حازمة للحد من مخاطر النزوح المشبوه، وعدم التجرؤ على تحميل منظمات الأمم المتحدة، والدول الأوروبية، مسؤولية هذا التمادي في إنتهاك سيادة البلد، وتعريض أمنه الإجتماعي والوطني للخطر الداهم.
ورغم كل هذه الأخطار، مازال أهل السياسة غارقين في خلافاتهم الرئاسية، على طريقة الملائكة ذكوراً أم أناثاً عير آبهين بما آلت إليه مآسي هذا الشعب المنكوب.
صلاح سلام – اللواء