جاءت تعيينات القيادة الجديدة للتيار الوطني الحر لتعكس حرص رئيسه النائب جبران باسيل على إحكام قبضته عليه ومنع أي صوت معارض له أو متباين معه، تمهيدا لتحويله الى “تيار باسيلي” بإمتياز مستفيدا من وجود عمه الرئيس السابق ميشال عون الذي يشكل الغطاء الحزبي والسياسي لسلوكه بشكل يجعل أرضية التيار البرتقالي “نارا تحت رماد”.
بات واضحا أن باسيل يريد كل شيء لنفسه داخل التيار وخارجه، فهو يحرص على الإتيان بقيادة لا تخالفه بأي رأي، ويسعى الى إستمرار تفاهم مار مخايل مع حزب الله من خلال الحوار معه والذي يكاد يصل الى طريق مسدود نتيجة عدم ثباته على موقف معين، كما يحرص على وجوده ضمن المعارضة من خلال إعلان إلتزامه بالتقاطع على جهاد أزعور، وكذلك على محاورة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان من دون إعطائه موقفا جديا ولو لمرة واحدة، وأيضا على تواصله مع بعض النواب المستقلين والتغييريين ومن خلال بيعهم مواقف من كيسهم.
هذا الدوران السياسي أو ربما “النفاق” كما يصفه البعض، ينعكس بشكل كبير على نواب “لبنان القوي” الذين يشتكي بعضهم من عدم قدرتهم على إتخاذ المواقف في مقابلاتهم التلفزيونية أو إعطاء تحليلات منطقية، نتيجة عدم فهم ما يريده رئيس التيار الذي يتخبط في مواقفه الى درجة التناقض الواضح وضمن الموقف الواحد.
تُرجم هذا التناقض في خطاب باسيل الأخير لمناسبة إنطلاق ولايته الرئاسية الجديدة للتيار، حيث تحدث عن الديمقراطية ضمن التيار وهدد بإخراج من يعارضه منه، وشدد على أهمية الحوار ثم عارضه بطرح الأولويات، وإنتقد فرض رئيس من قبل الغرب فيما هو يفتح خطوط طويلة مع لودريان واللجنة الخماسية، فضلا عن تحذيره من خطر النزوح السوري ومنعه في المقابل وزرائه من المشاركة في الجلسة الحكومية المخصصة للبحث في ملف النازحين.
واللافت أن باسيل بالرغم من كلامه السابق بأن “أعطونا مطالبنا من اللامركزية الموسعة الى الصندوق الإئتماني وخذوا منا التصويت لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية”، ومن ثم موقفه المتناقض مع كلامه بالاعلان عن بقائه ضمن فريق التقاطع على جهاد أزعور، فإن المواصفات التي طرحها لرئيس الجمهورية في الخطاب جاءت “حفر وتنزيل” عليه، حيث كانت تفتقر فقط الى إعلان إسمه وطرح ترشيحه، ما يؤكد أن باسيل يضمر غير ما يعلن، وأن حلم رئاسة الجمهورية ما يزال الأساس في كل حركته السياسية.
تناقض باسيل ينسحب أيضا على التعيينات التي أجراها والتي شملت ناجي الحايك (نائب الرئيس للشؤون الخارجية) والذي سبق وتنصل من مواقفه مرات عدة، لكنه أكد في خطابه أن “تفكيره وموقفه يعبران عن موقف التيار”، الأمر الذي ترك علامات إستفهام حول الرسائل التي يريد باسيل أن يوجهها والأهداف التي يرمي إليها.
تشير مصادر مقربة من التيار الى أن جوا من الغضب يسيطر على كثير من القيادات البرتقالية نتيجة العملية الانتخابية برمتها والتعيينات التي تلتها، معتبرة أن منطق “قادة المحاور” لا يمكن أن يتناسب مع تاريخ التيار ونضالاته وعبوره للطوائف، معتبرة أن ما قام به باسيل في التيار قد يضعه على طريق بداية النهاية، خصوصا أن إستقوائه بالرئيس ميشال عون يضاعف من حالة الاحتقان، لافتة الى أن عون يقفل بحضوره فوهة البركان البرتقالي الذي لم يعد يحتمل مزيدا من الضغط وقد ينفجر في أي لحظة.
غسان ريفي – سفير الشمال