«فلت الملق» سياسيا بين بعبدا وبيت الوسط، وانهارت الهدنة «الهشة» المكتومة بين الطرفين بعدما اتخذ تيار المستقبل قرارا بالهجوم كافضل وسيلة للدفاع ردا على ما يعتبره استراتيجية العهد والتيار الوطني الحر في فتح معركة نهاية الولاية الرئاسية مبكرا،على قاعدة «علي وعلى اعدائي»، والخلاصة ان مفاوضات تشكيل الحكومة باتت «تحت الصفر» بعد انهيار «حفلة» «التكاذب» التي استمرت لاسابيع، وباتت المعركة مفتوحة ودون «قفازات». قضائيا ازدادت الامور تعقيدا مع دخول رئيس المجلس النيابي نبيه بري على خط التحقيق في تفجير المرفأ، لوقف ما تعتبره مصادر نيابية، خطوات «ارتجالية» من قبل المحقق العدلي القاضي فادي صوان، لكن هذه الخطوة لم تمنع الاخير من تحديد مواعيد جديدة لاستجواب رئيس الحكومة المكلف حسان دياب والوزراء المدعى عليهم، يومي الخميس والجمعة، ما يشير الى ان «الكباش» القضائي -السياسي مستمر تصاعديا وسينتهي حكما بضياع «الحقيقة»!
وفيما «استعرضت» حركة امل والحزب التقدمي الاشتراكي قواهما «الطالبية» في «الشارع» امام وزارة التربية من «بوابة» الاقساط الجامعية، يسود «الوجوم» «والغضب» في السراي الحكومي من «طعنة» الرئاسة الاولى التي يحملها رئيس الحكومة المكلف حسان دياب مسؤولية «حشره» في «الزاوية» المذهبية من خلال محاولة استضعافه بقرار سياسي غير «قضائي» في ملف تفجير المرفأ.. وبينما ينهار لبنان صحيا واقتصاديا، دخلت السفيرة الاميركية دوروثي شيا مجددا على «الخط» من خلال تحذيرات نقلها زوار السفارة الاميركية عن ايام «صعبة» تنتظر الساحة اللبنانية في الفترة المتبقية من عهد الرئيس دونالد ترامب بعدما اجهضت السلطات اللبنانية جهوده في تحقيق انجاز دبلوماسي في ملف الترسيم البحري مع اسرائيل.
ترامب غاضب!
«الساعات الأكثر ظلاماً هي التي تأتي قبل انبثاق الفجر»، هذا القول الماثور رددته السفيرة الاميركية دورثي شيا امام زوار السفارة الاميركية في بيروت، قبل ساعات من تصويت المجمع الانتخابي على انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، وقبل 37 يوما على انتهاء ولاية الرئيس الاميركي دونالد ترامب البيت الابيض، هذا التعبير «الدبلوماسي» المقتضب جاء في معرض اجابتها على اسئلة الحضور حول تسليم الرئيس الاميركي الحالي بالامر الواقع وتفرغ فريق عمله لتسليم السلطة للادارة الجديدة، ما يجعل لبنان يحصل على هامش زمني معقول يمكن ان تتحرك فيه الامور على صعيد تشكيل الحكومة، او يمكن من خلال هذا التحليل تفهم الموقف اللبناني «المتعنت» في ملف ترسيم الحدود البحرية حيث بات واضحا ان من يدير التفاوض لا يرغب في منح اي «هدية» للرئيس الراحل ويرغب في مد جسور التعاون مع الادارة الجديدة عبر هذا الملف، لان لبنان لا يملك شيئا ليقايض عليه اميركا.
لكن استخدام شيا لهذا القول المأثور الواضح في سلبيته، جاء ليؤكد ان السفارة الاميركية في بيروت تملك تعليمات حاسمة بمتابعة الضغط على الجانب اللبناني في اكثر من ملف، محاصرة حزب الله من خلال محاولة فرض حكومة لا وجود له فيها من قريب اوبعيد، استمرار الضغط الاقتصادي، وعدم القبول بأي تراجع عن هذه السياسة ما لم يقدم لبنان تنازلات جدية وليست شكلية في هذين الملفين.
سوء تقدير اميركي
ووفقا لاوساط مطلعة على الموقف الاميركي لم تتوقع واشنطن ان تصل المفاوضات الى «حائط مسدود» بهذه السرعة، خصوصا ان المؤشرات الاولية اظهرت وجود تباين واضح بين حزب الله وفريق رئيس الجمهورية ميشال عون وكذلك عين التينة في مقاربة هذا الملف، لكن اتضح في نهاية المطاف، ان الخلاف كان في الشكل لكن عندما وصلت الامور الى المضمون كانت «لمسات» حزب الله واضحة من خلال الموقف المتشدد الذي طغى على عملية التفاوض بقيادة الجيش اللبناني، وهنا جاء العتب الاميركي واضحا ومباشرا في اللقاء الاخير بين الرئيس عون والموفد الاميركي جون ديروشيه الذي زار بيروت مؤخرا، والذي ردد اكثر من مرة جملة واحدة مفادها «لم يكن هذا ما اتفقنا عليه»؟
تحذيرات من «الامتار الاخيرة»؟
ووفقا لتقديرات شيا، فان وزارة الخارجية الأميركية التي رعت إطلاق المفاوضات، لن تتراجع في «الامتار» الاخيرة من عمر ولاية ترامب المصر على تحقيق انجازات خارجية، وكان آخرها اعلان تطبيع العلاقات المغربية مع اسرائيل،وفي تحذير «مبطن» للسلطات اللبنانية تحدثت الدبلوماسية الاميركية بوضوح عن وجود «استياء» كبير في واشنطن من تقصد بعض الاطراف اللبنانية بمنع ترامب من تحقيق «نصر سياسي»، وقالت ان هؤلاء يجب ان يحذروا لان «الساعات الاكثر ظلاما هي التي تاتي قبل انبثاق الفجر»، وهؤلاء لا يمكن ان يصرفوا ما يظنون انه انتصار سياسي في وجه ادارة راحلة، لكنهم يجب ان لا ينسوا ان هذه الادارة لا تزال تملك كل الصلاحيات الدستورية التي تخولها «معاقبة» من يقف في وجهها.
«تكبيل» الحريري
من جهتها تؤكد اوساط معنية بالملف «للديار»، ان كلام السفيرة الاميركية ليس مستغربا، بل ثمة وقائع على ارض الواقع تثبت ان ادارة ترامب مستمرة بالتصعيد في الملف اللبناني، وليس ادل على ذلك عودة ملف تشكيل الحكومة الى نقطة الصفر، وخروج التراشق السياسي بين بعبدا وبيت الوسط الى العلن بعدما «كبل» الرئيس المكلف بشروط اميركية تعجيزية، وتهديدات بالعقوبات، تمنعه من الاقدام على فتح نقاشات جدية مع الطرف الآخر لتشكيل الحكومة على الرغم من التسهيلات الكبيرة التي قدمها «الثنائي الشيعي»، لكن «الفيتو» الاميركي يترجمه الحريري تشددا في التفاوض مع الرئيس عون لان المواجهة على محور بعبدا تبقى اقل كلفة.
لا هدايا مجانية
ولفتت تلك المصادر الى ان ثمة سوء تقدير لدى الاميركيين في قراءة الواقع اللبناني وهم ظنوا ان الازمة الاقتصادية الخانقة ستسهل مهمتهم في تمرير الترسيم وفق المصالح الاسرائيلية، او من خلال الضغط عبر فرض العقوبات والتهديد بتوسيع مروحتها، لكن تبين بوضوح ان هذه المسالة لا تخضع للمصالح الذاتية للطبقة السياسية، بل تحتاج لتفاهمات تتجاوز حدود لبنان، ولان الاميركيين ارادوا «هدايا» مجانية لترامب ولم يرضوا ان يدفعوا شيئا في المقابل، كما حصل مع الدول المطبعة، لم ينجح التفاوض حتى الان، ولهذا يبدو منطقيا ان ينتظر المفاوض اللبناني الادارة الجديدة لابرام «صفقة» يستعيد من خلالها لبنان حقوقه دون «مبالغات» مقابل رفع الاميركيين يديهم عن «زناد» الضغوط الاقتصادية والسياسية بما يسمح للبنان بالخروج من «غرفة العناية المركزة».
ايام صعبة ؟
اما الايام الاخيرة من عمر ولاية ترامب، فلن تكون سهلة، وبراي اوساط دبلوماسية اوروبية، ويجب اتخاذ اقصى درجات «الحيطة والحذر»، لان الساحة اللبنانية تبدو «شوكة» في «خاصرة» انجازات ترامب الشرق اوسطية، والرئيس الراحل، يتعامل مع الملفات على نحو شخصي، وهو يعمم «الفوضى» قبل رحيله، ولبنان، للاسف،ارض خصبة «للفوضى».
دياب «غاضب» من عون؟
في هذا الوقت، وكما كان متوقعا، لم يمثل رئيس الحكومة المكلف حسان دياب لطلب المحقق العدلي القاضي فادي صوان، ولم يستقبله بالامس، ولن يمثل امامه، وفي هذا الاطار جرى اتصال بين الامين العام لمجلس الوزراء محمود مكية والقاضي صوان، وقد ابلغه بالمخالفات الدستورية التي ارتكبها من خلال استدعائه رئيس حكومة تصريف الاعمال، لكن المحقق العدلي جدد تاكيده انه لجا الى الاجتهاد بعدما رفض المجلس النيابي التجاوب معه عندما راسله مؤخرا، فاضطر الى اتخاذ الاجراءات المتناسبة مع تقدم التحقيقات..
لكن الجديد ما نقله زواره دياب عن وجود «استياء» كبير في «تلة الخياط»، «وغيظ مكتوم» اتجاه الرئاسة الاولى حيث يسود الاعتقاد الجازم ان قرار المحقق العدلي سياسي تقف وراءه بعبدا بعدما ظنت انه بالامكان استفراد دياب باعتباره الحلقة الاضعف «سنيا» وتحقيق انجاز قبل زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، لكن ما حصل كان كارثيا، حيث انقسمت البلاد طائفيا، و«لوث» رئيس حكومة تصريف الاعمال «مذهبيا»، وتعطلت حكومة تصريف الاعمال، والنتيجة انهيار يضاف الى الانهيارات المتلاحقة في البلاد.
وقد اكد المكتب الاعلامي لرئاسة الحكومة الالتزام بالبيان الذي صدر عن دياب الأسبوع المنصرم الذي أكد فيه أنه رجل مؤسسات ويحترم الدستور الذي خرقه صوان وأنه قال ما عنده في هذا الملف ونقطة عالسطر. ولفت المكتب، بحسب المصادر إن «صوان اتصل بمكتب دياب الأسبوع الماضي ليطلب موعدا معه امس الاثنين لكن تم إبلاغه برفض دياب الخضوع للاستجواب».
«المجلس» على «الخط» مجددا
في هذا الوقت، لم يحل دخول رئيس المجلس نبيه بري على الخط من خلال طلب الامانة العامة لمجلس النواب من المحقق العدلي عبر مدعي عام التمييز، المستندات للسير بالملف من خلال المجلس، بوقف اجراءاته، وفيما لم تتبلغ الامانة العامة للمجلس النيابي اي طلب رسمي لاستدعاء النواب، لم يتراجع المحقق العدلي وحدد يوم الجمعة موعدا جديدا لاستجواب رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب، والوزيرين علي حسن خليل وغازي زعيتر، ويوم الخميس لاستجواب الوزير فنيانوس، اذا لم يحضر اليوم، مع العلم ان كل المعلومات تشير الى انه سيحضر الى مكتب صوان في الموعد المحدد، ما يشير الى ان «الكباش» مستمر قضائيا وسياسيا.. وفي هذا الإطار قال النائب غازي زعيتر انا ملتزم بالمادتين 40 و70 من الدستور وحتى الساعة لم نتبلغ سبب استدعائنا». وكان النائب علي حسن خليل اعلن ايضا انه لن يحضر لانه لم يتبلّغ باستدعائه سوى من الاعلام. في هذا الوقت، سيعمد قاضي التحقيق الى عقد جلسة مواجهة خلال الساعات المقبلة بين مدير عام امن الدولة اللواء طوني صليبا والرائد الموقوف جوزف النداف.
الحشد المذهبي مستمر
في هذا الوقت اكمل رؤوساء الحكومة السابقين عقد التمترس المذهبي وعقد الرؤوساء نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وسعد الحريري وتمام سلام اجتماعا اكدوا خلاله التذكير بمكانتهم كرؤساء حكومة سابقين منذ الساعات الاولى لهذه الكارثة بتحقيق محايد تتولاه لجنة تحقيق دولية نتيجة تخوفنا من وضع القضاء اللبناني تحت ضغوط التمييع والتسييس والتطييف والابتزاز الداخلي، واكدوا إن التحقيقات القضائية وخاصة في مثل هذه القضايا الخطيرة، لا ينبغي لها أن تكون عرضة للتجاذبات الشعبوية والسياسية حتى لا تخرق سريتها وتنتهك حرمته، ولفت المجتمعون الى ان رئيس مجلس الوزراء والوزير المتهم يحاكمون امام المجلس الاعلى أما إذا أراد قاضي التحقيق أن يعتبر ذلك جرما عاديا، وهذا غير صحيح، فإنه ايضا ينطبق على فخامة الرئيس بسبب تماثل الفعلين بالإحجام عن درء الخطر قبل وقوعه. وبالتالي فإن من واجب قاضي التحقيق أيضا أن يلفت مجلس النواب إلى الاخلال الذي حدث من رئيس الجمهورية، وهو ما يعني وجوب التقيد بما هو وارد في المادة 60 من الدستور، اذ أن هذا الإخلال يتماثل تماما مع ما هو منسوب لرئيس الحكومة وللوزراء.
لماذا امتنع عون؟
وفي هذا السياق، تساءلت اوساط رؤوساء الحكومة السابقين عن الأسباب التي كانت وراء امتناع الرئيس عون بعد أن تلقى مراسلة من مدير أمن الدولة اللواء طوني صليبا بوجود هذه المواد في المرفأ، عن طرحها في اجتماعات مجلس الدفاع الأعلى التي تُعقد برئاسته مع أن وجودها يهدد أمن لبنان وسلامة اللبنانيين.
اشتعال «الجبهات»
في هذا الوقت وبعد ساعات على تشبيه وزير خارجية فر نسا جان ايف لودريان الوضع اللبناني بغرق سفينة «التايتانيك» انهارت الهدنة «الهشة» بين بعبدا وبيت الوسط وخرج الخلاف العميق الى العلن وترجم عبر «تراشق» في البيانات اصاب عملية تشكيل الحكومة «بمقتل»..
فقد رد المكتب الاعلامي للرئيس سعد الحريري على الرسالة المفتوحة لمستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي، والذي اتهم فيها الرئيس المكلف، بالتعطيل اوضح الرئيس المكلّف انه يريد حكومة اختصاصيين غير حزبيين لوقف الانهيار الذي يعيشه البلد واعادة اعمار ما دمّره انفجار المرفأ، اما فخامة الرئيس فيطالب بحكومة تتمثل فيها الاحزاب السياسية كافة، سواء التي سمّت الرئيس المكلف او تلك التي اعترضت على تسميته، الأمر الذي سيؤدي حتماً الى الامساك بمفاصل القرار فيها وتكرار تجارب حكومات عدة تحكمت فيها عوامل المحاصصة والتجاذب السياسي. واشار المكتب الاعلامي للرئيس الحريري الى «ان كل ذلك ينتظر توقيع فخامة رئيس الجمهورية على مراسيم تشكيل الحكومة ووضع المصالح الحزبية التي تضغط عليه جانبا، واهمها المطالبة بثلث معطّل لفريق حزبي واحد وهو ما لن يحصل ابدا تحت اي ذريعة او مسمّى»..
الحريري «مأزوم»؟
في المقابل لم يتاخر رد بعبدا، واوضح مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية ان ما ورد في بيان الحريري مجرد مغالطات، واشارت الى ان اعتراض الرئيس عون قام على طريقة توزيع الحقائب على الطوائف ولم يجر البحث في الأسماء المقترحة. واضاف «الصيغة الأخيرة التي طرحها الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة تختلف عن الصيغ التي سبق ان تشاور في شانها مع الرئيس عون». وتابع «الرئيس عون اعترض على تفرد الرئيس الحريري بتسمية الوزراء وخصوصاً المسيحيين من دون الاتفاق مع رئيس الجمهورية، والرئيس عون لم يطرح يوماً أسماء حزبيين مرشحين للتوزير ولم يسلّم الرئيس المكلف لائحة أسماء». ولفت الى ان الرئيس عون طرح التشاور مع رؤساء الكتل النيابية وكان همه الوصول الى حكومة قادرة على مواجهة الظروف بعيداً عن العناد وتحريف الحقائق. وقد لفتت مصادر بعبدا الى ان ما حصل بالامس ليس الا تعبير واضح عن «الازمة» التي يمر بها الحريري العالق بين «سندان» الوعود الداخلية «ومطرقة» الضغوط الخارجية عليه، وهو يستمر بالمراوغة في اطار اصطفافات سياسية واضحة لاضعاف العهد.