كتبت “الديار” تقول: في خِضم الصراع السياسي الذي يشلّ مفاصل الدولة على كل الأصعدة، وفي ظل الانقسام الدولي حول الملف الرئاسي، تأتي حادثة إطلاق النار على السفارة الأميركية لتنذر الدخول بمرحلة جديدة من الصراع السياسي قد يكون طابعها الأساسي أمّنيا بإمتياز. فالسفارة تتمتّع بحماية أمنية كبيرة وموجودة في منّطقة أمنية توجد فيها الأجهزة الأمنية والعسكرية بكثرة، فكيف استطاع الفاعلون النجاح في اختراق هذه المنّطقة وإطلاق النار على مدخل السفارة مباشرة مع كل الإجراءات الأمنية القائمة في المنّطقة.
إطلاق النار على السفارة الأميركية
يقول مصدر سياسي مُطّلع لجريدة «الديار» ان إطلاق النار على السفارة الأميركية يشكّل رسائل في كل الاتجاهات، ليس فقط للسفارة الأميركية وسياستها في لبنان، بل أيضًا للسياسيين اللبنانيين القابعين في محميات أمنية، أن لا شيء يمنع الوصول إليهم. وبالتالي يتخوّف المصدر من أن تكون إشارة بدء الاحداث الامنية قد انطلقت منذرة بمرحلة خطرة. وإذ استبعد المصدر أن يكون هناك حرب بين فصائل لبنانية، إلا أنه يطرح احتمال مواجهات مسلّحة محدودة في الزمان والمكان إذا ما حصلت عملية اغتيال ضد شخصية سياسية أو أمنية ذات حيثية.
هذا التخوّف من عمليات أمنية وربما اغتيال ضد شخصيات (سياسية و/أو أمّنية) يواكبه تخوّف من ملف عين الحلوة الذي لم يُقفل حتى الساعة بحكم أن الصراع الفلسطيني – الفلسطيني القائم بين فتح من جهة وحماس من جهة أخرى بواسطة المجموعات المسلّحة الخاضعة لحماس أو المُتحالفة معها، أصبح له بعدٌ إقليمي يتمثّل بالصراع القائم بين بعض الدول الإقليمية التي تؤثّر في الفصائل الفلسطينية. ويُشير مصدر أمني في حديثٍ للديار أن هناك احتمالا كبيرا لتجدّد الاشتباكات في عين الحلوة مع توقّعات بتفوّق للمجموعات المتشدّدة مدعومة بنزوح لسوريين مشبوهي الانتماء، يقول المصدر ان وجهة بعضهم هي مخيّم عين الحلوة والباقي يتوزّعون في المخيمات السورية في البقاع.
وعن العلاقة بين حادثة إطلاق النار على السفارة الأميركية في عوكر والأحداث في مخيّم عين الحلوة، يقول المصدر الأمني ان عملية إطلاق النار على السفارة الأميركية أكبر من أن تنفّذها مجموعات مسلّحة تجيد قتال الشوارع. الاعتداء على السفارة يحتاج إلى عمل استخباراتي يبدأ بالرصد والمتابعة وصولًا إلى وضع خطّة وتنفيذها، وما حصل بالسفارة كان عالي الدقّة من ناحية أن منفذي عملية إطلاق النار دخلوا المنطقة الأمنية، نفّذوا خطتّهم وخرجوا منها من دون رصدهم وهو ما يعني أن هناك دقّة في التخطيط ومعرفة للأرض، مشدّدًا على أن القوى الأمنية تتابع باهتمام كبير النازحين السورين الجدد لمعرفة هدف قدومهم إلى لبنان وإذا ما كان يخفي خططا أمنية أو هو نزوح اقتصادي بحت مع تفاقم الأوضاع المعيشية في سوريا.
يُشير مصدر وزاري سابق تابع للمعارضة أن انسداد الأفق السياسية هي السبب الأول وراء تنامي الأحداث الأمنية من عوكر إلى زحلة مرورًا بطرابلس وغيرها من المناطق. ويُضيف أن ما لا قدرة للقوى السياسية على تغييره بالمفاوضات، تقوم بمحاولة تغييره على الأرض من خلال الأحداث الأمنية مع تأكيد المصدر الوزاري السابق أن لا حرب مطروحة في الأفق إذ انها ليست من مصلحة القوى السياسية بغضّ النظر عن انتمائها للمحاور. ويتخوّف المصدر من ان تزداد عمليات السطو المسلّح نتيجة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والتي قدّ تدفع الناس إلى القيام بجرائم.
الملف الرئاسي
على صعيد الملفّ الرئاسي، شكّل فشل اجتماع المجموعة الخماسية التي تُعنى بالشأن اللبناني يوم الثلاثاء المُنصرم عقبة جديدة أمام إتمام الاستحقاق الرئاسي. وإذا قالت المصادر الصحافية ان مُهمّة لو دريان لم تنته في لبنان بدليل عودته المرتقبة إلى بيروت خلال الشهر المقبل، فان التحليلات تشير إلى أن انقسام المجموعة الخماسية يحدّ من احتمالات نجاح مهُمة المبعوث الفرنسي خصوصًا أن هناك أصوات داخل المجموعة أشارت بوضوح إلى فشلّ مُهمة المبعوث الفرنسي وبالتالي لا تتأمّل الأوساط المراقبة الكثير من عودة لو دريان.
وفي انتظار نضوج المعطيات الإقليمية والدولية، يستمر الخطاب العقيم بين أهل السلطة حول دعوة رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي الى الحوار لسبعة أيّام ثم الذهاب الى جلسات انتخاب مفتوحة بدورات متتالية. فرفض القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية والنوّاب التغييريين والمستقلين المشاركة في الحوار والشروط التي وضعها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل للمشاركة في الحوار تحول دون إجراء الحوار، خصوصًا بعض تصريح البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من أوستراليا والذي اعتبر الحوار «بمن حضر» تعطيلا للدور المسيحي.
منصوري وتمويل الحكومة
كل هذا في ظل تفاقم الأوضاع المالية والاقتصادية واستطرادًا الاجتماعية. وإذا كانت أجور القطاع العام لهذا الشهر (أي أيلول) تم توفيرها من قبل مصرف لبنان بالدولار الأميركي عبر شرائها من السوق، إلا أن المخاوف الجدّية هو حول الأشهر التي تلي أيلول. وبحسب مصادر مصرف لبنان، هناك انقسام في المجلس المركزي للمصرف بين من يريد أن يتوقّف المركزي عن دفع الأجور بالدولار الأميركي على أن يتمّ دفعها بالليرة اللبنانية بالإضافة إلى علاوة توازي الفارق بين سعر الصرف وسعر السوق السوداء، ومن يريد الاستمرار في دفعها بالدولار حتى نهاية العام على أن تقوم الحكومة بإيجاد حلّ في موازنة العام 2024.
إلا أن مرّجعا اقتصاديا كبيرا صرّح لجريدة «الديار» أنه في كلتا الحالتين لا وجود للأموال في خزينة الدولة اللبنانية وهو ما يعني أن حاكم المصرف المركزي بالإنابة وسيم منصوري، سيُلزم من قبل الطبقة السياسية طبع الليرة اللبنانية وتمويل الحكومة سواء مباشرة بالليرة أو عبر شراء الدولارات في السوق السوداء كما كان يفعل الحاكم السابق رياض سلامة. ويتوقّع المرجع الاقتصادي عودة ارتفاع الدولار في السوق السوداء في المرحلة المُقبلة مع بدء العمل بمنصة «بلومبرغ» بحكم الحاجة المُستمرّة من قبل الحكومة ومن قبل التجار الى الدولارات وبحكم أن حجم التداول على منصة «بلومبرغ» سيكون مُخفضًا لأن الأموال الموجودة في السوق ليست كلها نظيفة مما يعني أن المُتهرّب من دفع الضرائب (مثلًا) لن يذهب إلى منصة بلومبرغ وسيقصد السوق السوداء لإجراء عمليات التحويل. من هذا المُنطلق، يرى المرجع الاقتصادي أن منصة «بلومبرغ» لن تحلّ مشكلة تعدّد الأسعار في السوق، لا بل على العكس ستزيدها حدّة، خصوصًا أنه من دون حلّ حكومي لمشكلة النقد الموجود في السوق.
الكهرباء والاتصالات
على صعيد اقتصادي آخر، تعود مشكلتا الكهرباء والاتصالات إلى الواجهة مع فشل الإجراءات الوزارية في حلّ مشاكل هذين القطاعين. وتساءل مصدر مراقب في حديث لجريدة «الديار» عن مصير الأموال التي تجبيها وزارة الاتصالات وماذا تفعل بها، منتقدًا وزير الاتصالات الذي وعد في السابق أنه مع رفع التعرفة ستُحلّ المشاكل، إلا أن هذا الأمر لم يتحقق وهو ما دفع الحكومة إلى رفع الكلفة سبع مرّات ليُطرح السؤال عن كيفية احتساب هذه التعرفة وإذا ما كان المعنيون يُجيدون القيام بالحسابات. أما على صعيد الكهرباء، فقال المصدر ان فشل وزير الطاقة والمياه في تأمين الكهرباء نابع من التدخلات السياسية وهو ما يجعل فشل تأمين الكهرباء أمرا حتّميا. وعن تصريح وزير الطاقة في ما يخص إعادة طرح مناقصة لجلب بواخر جديدة، قال المصدر ان هذا الأمر كمن «يلحس المبرد»، فالكل يعلم أن أكثر من 47 مليار دولار أميركي هدرتها وزارة الطاقة والمياه على الفيول والبواخر من دون نتيجة ودعا الحكومة إلى رفض طرح الوزير خصوصًا أننا ننتظر وصول الفيول العراقي في الأسابيع والأشهر المقبلة.