ضمن سلسلة إصداراتها للموسم الثاني لسنة 2023 أصدرت دار الأمير في بيروت ترجمة جديدة لكتاب “نحن وإقبال” للمفكر علي شريعتي بترجمة عبد الكريم جرادات و مازن النعيمي.
يقع الكتاب في 320 صفحة من القطع الكبير، وتمتاز هذه الطبعة بتحقيق كامل وفهارس شاملة للأعلام والمصطلحات والفرق والأماكن والمؤسسات.
ويعتبر كتاب “نحن وإقبال” من أشهر وأهم أعمال علي شريعتي وقد ترجم إلى معظم لغات العالم. وتتميز هذه الترجمة العربية الصادرة حديثاً عن دار الأمير بمقدمة فكرية رصينة كتبها منيب إقبال حفيد العلّامة محمد إقبال اللاهوري ونائب رئيس أكاديمية إقبال في باكستان، وممّا جاء فيها: “كان شريعتي من أخلص الناس لإقبال، وخير من كتبوا ودافعوا عن فكره وفلسفته ودعوته في إحياء الدين وتوحيد الأمة الإسلامية، لاسيّما وأنّ شريعتي يعد علمًا بارزاً في هذا المضمار، فهو بحق قد أجهد المفكرين من بعده في الكتابة عن إقبال وفكره؛ فشريعتي لم يكن مفكراً عادياً تناول إقبال تناول كاتب لمفكر، بل تناوله عالماً يتحدث عن عالم؛ وهذا ما جعله يبدي، في كتابه هذا، شغف وعشق ومزيداً من التأثر والتبني لأفكار إقبال وما جاء هذا إلّا بعد تمحيص علمي دقيق ونظر فكري عميق. نعم إقبال ابن هذه الأسرة، وتربية هذه المدرسة، فهو الفيلسوف والسياسي والمجاهد والباحث والعارف والعالِم في الإسلام والشاعر وصاحب الثقافتين الغربيّة والشرقيّة، وهو من الوجوه التي تُضاهي هنري برغسون بعيون الفلاسفة الأوروبيّين، لكنّ الفلسفة لم تفصله مطلقاً عن عذابات الناس ومصير أُمته الجائعة الأسيرة. لقد انطلق من عزلة التأمّلات الفلسفيّة العميقة وزوايا البحث الفكري والعلمي والنظري الآمنة الباذخة ليتصدّر مجاهدي الحريّة في محاربة الاستعمار البريطاني، إنّ تبحرّه في التاريخ الإسلامي وعلومه لم يجعله غريباً عن عالَم اليوم وعن ثقافته وحضارته وعلومه، ولم يبقَ رَهن القوالب القديمة والقرون الغابرة، ووقف بشكل مباشر وعميق على الحضارة والعلوم والأفكار الحديثة، ممّا أهّله لأنْ يصبح رجل هذا القرن. لم تبعده الدراسة والبحث والتحقيق في أوروبا وثقافتها وروحها عن ذاته وعن تاريخه وثقافته ودينه، أيْ الإسلام، ولم يتحوّل إلى عالِم أوروبيّ خالص ليرجع إلى الشرق ويعيش بمعزل عن شعبه وعن حياتهم وآلامهم وطبائعهم وخُلقهم، ويتفاخر بهذه الترّهات والانحرافات، ويجلب لشعبه الهدايا التي حمّله إيّاها الغرب ليكون دلّالاً وسمساراً لهم في استعمار بلاده. لم يحرمه جفاف الفلسفة العقلي من جمال الشِعر ولطافته، وفي المقابل، لم تخلُ رقّة شِعره من عمق الأفكار الفلسفيّة. لم يجرّه إيمانه الديني إلى التعصّب، ولم تلغِ رؤيته الكونيّة المنفتحة الإيمانَ من قلبه، ولم تحصره السياسة في الحياة النمطيّة، ولم يحجب معراجه، في سماء العرفان والروحانيّات، نظره عن الحقائق العنيفة والمصير القاسي لمجتمعه والواقع السياسي، فهو كان يفكر كالعالِم برغسون، ويعشق كمولانا، وينشد الشعر لإيمانه كالشاعر ناصر خسرو، ويحارب الاستعمار كالسيّد جمال الدين لتحرير الشعوب الإسلاميّة، ويعمل كطاغور لإنقاذ الحضارة من آفة حسابات العقل وكارثة الانتهازيّة، وكان يرجو ككارل في بثّ الروح والعشق في الحياة الجافّة للإنسان المعاصر، وكان هدفه كمارتن لوثر وكالفن “تجديد الفكر الديني” في دينه، وإحداث “صحوة إسلاميّة” في عصره. كان إقبال رجل دين ودنيا، إيمان وعلم، عقل وإحساس، وفلسفة وأدب، عرفان وسياسة، ورجل الله والناس، وعبادة وجهاد، وعقيدة وثقافة، رجل الأمس واليوم، متعبّد ناسك في الليل وأسد في النهار، لقد كان نموذجًا نقيًّا للإنسان المسلم، ومن الواضح أنّ التعرّف على إقبال أمر ضروري وحيوي لكلّ متنوّر حائر متنصل من ثقافتنا، ولعامة شعبنا المخدَّر، ولعلمائنا المحدِّثين والسلف. فليس غريبًا على الذين يعتاشون على جهل الناس ويخشون النور، ويحرسون ليل المجتمعات الإسلاميّة وسباتها وغفلتها، ويعملون على إبقاء العوام (كالأنعام)، من أن يخشون هذه الشخصيّة، ويستشعروا الخطر من تعرّف المسلمين على ملامح وصفات شخصيّة مسلمة مثل إقبال!”.
ويلي كتاب “نحن وإقبال” كتاب “مع أعزائنا المخاطبين” (وصايا ورسائل شريعتي الخاصة) ترجمة ياسر الفقيه و دعاء إبراهيم وهو الجزء الـ 34 من سلسلة الآثار الكاملة للمفكر علي شريعتي التي تنشرها دار الأمير تباعاً منذ العام 1992.