الاندفاعة الرئاسية القطرية فرملتها الزواريب الداخلية اللبنانية، فلا قاسم مشترك بين “الثنائي المسيحي” ولا تراجع لدى “الثنائي الشيعي”.
لم يستطع الموفد القطري جاسم آل ثاني (أبو فهد) تحضير أرضية مشتركة بين الأحزاب المؤثرة على الاستحقاق الرئاسي اللبناني حتى اللحظة، فبقي المشهد مبعثراً انطلاقاً من عدم التوافق المسيحي على تصور حل وانعدام الثقة بينهما، وصولاً الى عدم استعداد الثنائي الشيعي للتخلي عن دعم مرشحه رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، استباقاً لنضوج التسوية.
وعليه، فإن القطري التقط أنفاسه وخفّت حماسته وتريّث في استكمال حراكه السياسي الذي يُفترض أن يشمل أيضاً فرنجية، ورئيس الحزب “الاشتراكي” السابق وليد جنبلاط، وذلك بعد أن التقى المعاون السياسي للسيد حسن نصر الله الحاج حسين الخليل، ورئيس مجلس النواب نبيه بري بحضور معاونه السياسي النائب علي حسن خليل، كما التقى في اليوم التالي رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، فرئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع.
مصادر قيادية قالت لموقع “لبنان الكبير”: “إن القطري حريص على ألا يلقى مسعاه مصير المبادرة الفرنسية، فخصص زياراته وحصرها بالأحزاب الأساسية المؤثرة، في محاولة منه لتقريب المسافات بينها والانطلاق معها بتسوية أو تقاطع ما أو فكرة مشتركة، الا أنه لم ينجح حتى اللحظة في إحداث أي خرق إيجابي”. وعليه، فإن المراوحة الرئاسية لا تزال مستمرة، على الرغم من دخول العنصر القطري الجديد على الملف الرئاسي.
أما رفض الفرنسي إعلان موت مبادرته، وإصرار المبعوث الرئاسي الخاص جان ايف لودريان على عودته الى بيروت في زيارة رسمية أخيرة يُتوقع أن تكون في منتصف تشرين الأول المقبل، فسيؤخران المباشرة في أي مبادرة أخرى من أي طرف دولي، بمن فيهم القطري على الرغم من استفادته من الوقت الضائع في استمزاج آراء الفرقاء الأساسيين وتكوين أرضية مشتركة لانطلاق المبادرة منها.
غير أن طرح المرشح الثالث المدعوم دولياً لم ينضج داخلياً بعد، فلا الثنائي المسيحي (“التيار الوطني الحر” و”القوات”) في وارد التقاطع “الجدي” على إسم من الأسماء الثلاثة التي طرحها القطري (الياس البيسري، جوزيف عون ونعمت افرام)، ولا الثنائي الشيعي سيتخلى عن فرنجية لصالح أي مرشح الا اذا كان موثوقاً ولا يطعن بالمقاومة.
أما التسوية فلا تزال بعيدة عن قصر بعبدا، وكل الكلام عن انتخاب الرئيس في تشرين يبقى كلاماً “ما عليه جمرك” ومستبعد، لا بل مستحيل.
لم يأتِ القطري بأي طرح حواري في الدوحة على غرار حوار الدوحة عام ٢٠٠٨، والثنائية المسيحية أجهضت مبادرة الرئيس بري الحوارية، على الرغم من دعواته المتكررة وحث الأطراف جميعاً على المشاركة وتحديد الحوار على اسم الرئيس وطمأنة الأطراف الى أن أحداً لا يريد فرض رئيس ولا يسعى الى تغيير الطائف، من ثم وضح مفهوم الجلسات المتتالية وحسمها بدورات مفتوحة، الا أن كل محاولاته بمد اليد قوبلت بالسلبية وعدم التجاوب مسيحياً وبالنوايا المبيتة لتمديد الشغور الرئاسي. لذلك، لم يعد الرئيس بري معنياً بالحوار ولا متحمساً للدعوة اليه وطُويت الصفحة بالنسبة اليه.
في الأثناء، بات “حزب الله” متأكداً أن باسيل يماطل ولن يسير في فرنجية رئيساً، وهو يعلم أيضاً أن مشاركة باسيل في اليوم الوطني السعودي يراد منها التزام سعودي بعدم دعم قائد الجيش رئاسياً، ولكنه في نهاية المطاف سيجد نفسه أمام خيارين: فرنجية أو عون.
وتقول مصادر قيادية لموقع “لبنان الكبير”: “إن باسيل يتوهم بأن فيتو الثنائي الشيعي على عون بحجم الفيتو الذي يضعه هو عليه، ولكنه مخطئ وسيخسر في رهانه نهاية المطاف”. أما تسويق مسؤوليه أنه بصدد حوار مع المملكة العربية السعودية وأن صفحة العلاقة القديمة معها قد طُويت، فتؤكد هذه المصادر أنها ليست بهذه السهولة لأن الثقة معدومة بميشال عون وجبران باسيل، والجميع “بمن فيهم المملكة” يعلم أن باسيل يبيع ويشتري، لذلك لن يصل الى مصالحه الرئاسية وخصوصاً أن المملكة غير منغمسة في الملف اللبناني الى حد نسج اتفاقات مع باسيل.
رواند بو ضرغم – لبنان الكبير