الجمعة, نوفمبر 22
Banner

قراءة للأستاذة شاهيناز قهوجي في رواية د.محمد طرزي مكرفون كاتم للصوت

في رواية قد تُعتمد في مجال دراسات السلوك الجماعي والتأثير النفسي للجماهير على الأفراد لم ينتصر فيها سوى الحقيقة و الصورة المأساوية للواقع في المدينة لم ينتصر الحب لسلطان و وداد و لم تنتصر محاولات سلطان من ان يكون نسخة مختلفة عن والده ، و لم ينتصر الثوار . فحتى هذه اللحظة المنتصر الثاني هو المكريفون الذي كتم صوت الناس و يا ليت صوته كان واضحًا لنفهم الكلمات بل ان التشويش غلب على كلماته لان مشغلي هذه الاجهزه لا يملكون الخبرة في تشغليها حتى بات مجرد كاتم للصوت فلا محتوى و لا كلمات .

تأخدني رواية المكرفون الى كتاب “سيكولوجية الجماهير” للمؤلف الفرنسي غوستاف لوبون،

كما تمثل الصراع القوي الذي يحدث في هذا الوقت بين قوى عظمى، ليؤثر على اتباعهم الصغار في المحاور . كما تأخذك الى “صخرة طانيوس ” للكاتب اللبناني أمين معلوف ، التي تتمثل في الإمبراطورية العثمانية ومصر وإنجلترا في منتصف القرن التاسع عشر، بهدف السيطرة على جبل طانيوس اللبناني . فلو اختلفت الاسماء و التواريخ فالاستراتيجية نفسها .

تدور الرواية حول عقلية اهل المدينة و متلازمة ستوكهولم , والتي ما زالت تمثل حجر الزاوية لفهم ما يحدث معنا حتى اليوم.

يقدم محمد طرزي صورة المدينة الحالية و صورة للقوى المترابطة التي اعتمدت على الجماهير و العقيدة وتؤثر في السلوك الإنساني، ويقدم فهمًا للقوة الكامنة في السلوك الجماعي عندما تؤججه نار التعصب وأثره في التاريخ والثقافة البشرية.

قراءتي للرواية مختلفة عن قراءة الاحبة و اصدقاء الدكتور طرزي ، لاني عشت في أحياءها فأنا ابنة هذه المدينة و تلك المياه حتى ان ذكرياتي جعلت من هذه الرواية فيلمًا مصوراً فكنت في كل صفحة ارى الشارع و البحر و الخان و الحارة حتى أن الاسلوب السردي و اللغة العامية التي استخدمها و الكلمات و التوصيف و الالقاب جعلها اقرب الى الواقع و القلب.

الأفراد عندما يتجمعون في جماهير يصبحون مختلفين تماماً في سلوكهم عما يكونون عليه كأفراد. في الجماهير، يندمج الأفراد في هوية جماعية فالكاتب هو ابن مدينة صور الذي عاصر تحول هذا الجيل و انتقال الاصدقاء من مفهوم العيش المشترك الى معترك جديد للشمولية و مفهوم “من ليس معنا فهو عدونا” و يستحق الاختفاء . حيث ان الاشخاص الذين لم يدخلوا دين الله الجديد سيلفظهم النظام القائم .

فأنت بدخولك الدين الجديد ستدخل كل شيء:

الوظائف ، الوجاهات، المناسبات ، الحلقات الثقافية ، الحياة الاجتماعية الممغنطة، و السياسية المشفرة .

لوركا أصبح ساجد هذه هي الحقيقة فنحن لم نغير الطوائف ابدا ما زلنا في سجلات القيد على نفس الطائفة و لكن الطوائف هي التي تغيرت .

كلما علت صرخة الناس سيعلو صوت المكرفون لطمسها حتى ولو كان الصوت غير واضح و اللكنة غير عربية و حتى كلماتها غير واضحة المهم أن يبقى المكرفون ويثير الزعر بمناسبة او بدونها . مكرفون كاتم للصوت !

فأي صوت بشري سيتغلب على مكرفون يبث اناشيد حماسية لجيل فاقد لشغف التفكير مستسلم لكلمات الاناشيد غير آبه بأمثال سلطان و وداد و لا بالهجرة غير الشرعية و لا حتى بالهجرة الشرعية و انفجار بيروت و شهداء بيروت ؟

مادام الدولار يتدفق من الاغتراب فالبلد “ماشي” .

بين العامية و نقد الوضع التي وصلت اليه المدينة تغير لونها الارجواني الى السواد . تمتد الرواية لتعالج مسألة توارث المناصب التي اصبحت مترسخة في المدينة فالطبيب ابنه سيصبح طبيبا و الزعيم ابنه زعيما و حفار القبور سيصبح ابنه حفارا للقبور .

هل هذا قدر سلطان؟ أن يرث عرش والده الذي لطالما فرَّ منه و حاول ان يكون نسخة مثقفة و متعلمة و قارئة ، سلطان الذي كانت تُلوث اذنه أخطاء مذياع والده اللغوية و لكنه حاول ان لا تتكرر هذه الاخطاء و ان لا يعيد التاريخ نفسه مجددًا . سلطان هو الشباب في المدينة الذي يحاول ان يخرج من عبائة التقاليد و الموروثات الموبوءة ليصبح سلطانًا .

علَّ وداد تعود في رواية جديدة لينتصر الحب مرة.

Leave A Reply