مع انسداد شرايين التسويات المحلية، يستمر المخاض الإقليمي – الدولي، انما من دون أن يسفر بعد عن ولادة الرئيس المقبل.
بينما تحاول قطر أن تشكّل «قاطرة» للتسوية الرئاسية عبر تحرّك موفدها وسفيرها في لبنان، توطئة لزيارة وزير الدولة في وزارة الخارجية محمد بن عبد العزيز الخليفي قريباً، بقي المسار السعودي – الفرنسي ناشطاً، حيث التقى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في الرياض، الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، بحضور السفير وليد البخاري ومستشار الديوان الملكي المتخصّص في الشأن اللبناني نزار العلولا.
ولئن كان هذا الحراك الديبلوماسي لم يتعدّ بعد حدود الدوران في الحلقة المفرغة التي لم يتمكن احد من كسرها حتى الآن، الاّ انّه كان لافتاً انّ الدوحة لوّحت أثناء لقاءات موفدها مع بعض القيادات السياسية بـ «جزرة» المساعدات للتحفيز على إنجاز الانتخاب، فيما ألمح لودريان إلى «العصا» عبر تأكيده في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، انّ الدول الخمس التي تتابع الملف اللبناني «منزعجة للغاية، وتتساءل عن جدوى استمرار تمويل لبنان».
ولكن لا التهديد بالعصا ولا التحفيز بالجزرة تمكّنا من دفع القوى الداخلية الى التفاهم على إنجاز الاستحقاق الرئاسي، ربما في انتظار جرعة زائدة من «الترغيب» أو «الترهيب»، عندما يحسم الناخب الخارجي أمره ويتخذ القرار النهائي في التوقيت الذي يتناسب مع مصالحه، علماً انّ هناك من يعتبر انّ مجلس النواب لن ينتخب الرئيس الاّ «على الحامي»، لأنّه حينها يصبح من الأسهل تقديم التنازلات وتبريرها.
وفيما لم يتزحزح الثنائي حركة «امل» و«حزب الله» قيد أنملة عن دعم ترشيح سليمان فرنجية، بات المنحى الغالب لدى الخماسية هو الضغط نحو اعتماد الخيار الثالث خارج معادلة فرنجية – أزعور. وهنا يبرز اتجاهان في صفوف المجموعة الدولية، واحد يفضّل الخيار العسكري، اي جوزف عون او الياس البيسري، وآخر يميل اكثر نحو الخيار الاقتصادي المتمثل في نعمت افرام، مع الاشارة الى انّ هذه الاسماء وردت في اللائحة القطرية.
وخلال لقائه الثنائي الشيعي، قال له الموفد القطري ما فحواه: أنتم تتمسكون بسليمان فرنجية، والثنائي المسيحي يرفضه. بناءً عليه، وإزاء هذا الاستعصاء، هل لديكم خطة «ب»؟ فأتاه الردّ بأن «ليست لدينا اي خطة من هذا النوع والمرشح الوحيد الذي ندعمه هو فرنجية فقط».
هنا، ردّ الموفد القطري بأنه لا يمكن أن يستمر الأمر على هذا المنوال، ولا بدّ من البحث في خطوة ثانية: «فكّروا بحل آخر وانا سأعود مع الوزير الخليفي قريباً».
وعند اجتماعه مع قيادتي «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، أبلغ إليهما الزائر القطري أيضاً بأنّه لا يصح الاكتفاء برفض سليمان فرنجية او جوزف عون، وإنما يجب إبداء المرونة وطرح بديل يمكن ان يكون مقبولاً من الطرف الآخر. وتابع: «بالتأكيد، نحن لا نريد أن نفرض عليكم رئيساً رغماً عنكم، وما يهمّنا ان يتمّ انتخاب رئيس قريباً، وبعد ذلك سنكون مستعدين للمساعدة والمساهمة في النهوض الاقتصادي والمالي».
والى حين ان تتبلور حصيلة جولات الموفدين، رجّحت اوساط سياسية واسعة الاطلاع، ان تكون الأسابيع القليلة المقبلة حاسمة، فإما ان تمهّد لانتخاب الرئيس وإما ان يستمر الشغور في قصر بعبدا لفترة طويلة، ونكون أمام مرحلة تيئيس.
وتلفت تلك الاوساط، الى انّ نتيجة التنقيب عن الغاز والنفط في البلوك رقم 9 ستكون مؤثرة في تحديد وجهة الملف الرئاسي، مشيرة الى انّ هذه النتيجة ستظهر خلال شهر أو أكثر بقليل، وفي حال أتت إيجابية، كما هو مرجح، لناحية التثبت من وجود مخزون كبير، فإنّها ستعطي زخماً قوياً لمساعي الانتخاب، خصوصاً انّ فرنسا وقطر هما من المنخرطين في عملية الاستثمار الغازي والنفطي الذي يحتاج إلى بيئة سياسية آمنة ومستقرة.
ويفيد بعض المتواصلين اخيراً مع مدير شركة «توتال» التي تتولّى الحفر، انّهم تبلّغوا منه انّه متفائل، فيما تلقّى القطريون والفرنسيون أيضاً إشارات ايجابية.
يُضاف إلى ذلك، وفق الأوساط الواسعة الاطلاع، انّ السعودية تتطلّع الى تصفير المشكلات من أجل التفرّغ لمشروعها التنموي والتطويري، وهي لا بدّ من ان تتقاطع مع إيران على تسوية في لبنان، ولو انّها تأخّرت قليلاً، كونها لم تكن ضمن طليعة أولويات البلدين بعد الاتفاق الذي توصّلا اليه.
وتلفت تلك الاوساط، الى انّه ما لم يقتنص لبنان رئيساً للجمهورية في القريب، فإنّ المسألة ستغدو اكثر تعقيداً، وفترة الانتظار ستطول بكل ما تنطوي عليه من أكلاف باهظة.