كتبت عزة الحاج حسن – المدن : لطالما كانت المصارف الإسلامية بطيئة النمو في لبنان، لأسباب وظروف ترتبط بنقص التشريعات، وبالنظام المصرفي اللبناني، الذي لم يتح لها التقدّم والتوسع على غرار المصارف التجارية. فالمصارف الإسلامية المتواجدة في لبنان، وهي خمسة مصارف، من المفترض أنها لا تتعامل بأدوات مالية سوى تلك التي تتلاءم والشريعة الإسلامية، الأمر الذي جنّبها العديد من الأزمات في وقت سابق. ولكن تفجر الأزمة المالية والنقدية في لبنان، وتداعي القطاع المصرفي، أصاب المصارف الإسلامية ووضعها أمام تحدي الاستمرار أو الانسحاب من السوق اللبنانية.. فما الذي أغرقها؟ وما هي طبيعة علاقتها مع المصارف التجارية؟
من المستغرب أن ينسحب تعثّر المصارف التجارية على المصارف الإسلامية، وهي التي تدخل الشريعة الإسلامية في صلب تعاملاتها. فلا تتعامل بالفوائد ولا بتوظيفات مالية ولا شراء سندات خزينة.. إلا أن انسحاب التعثر على الصيرفة الإسلامية كشف توظيفاتها بمبالغ طائلة لدى المصارف التجارية، خصوصاً في السنوات الأخيرة، بعد توقفها عن إقراض الزبائن من أفراد وشركات، بسبب تزايد حالات التعثر وتوجهها إلى توظيف أموالها لدى مصرف لبنان والمصارف التجارية وبفوائد عالية. فابتدعت الحيل الدينية لتلتف على الشريعة، طمعاً بتحقيق أرباح من فوائد الهندسات المالية وصلت إلى 13 في المئة.
وبعد التداول مؤخراً بخبر اتخاذ بنك الاعتماد اللبناني قراراً بحل وتصفية البنك اللبناني الإسلامي التابع له، علمت “المدن” أن مصرفَين إسلاميين يتّجهان حالياً إلى الخروج كلياً من لبنان. وقد أبلغا مصرف لبنان بذلك، ليخطو خطاهما لاحقاً المصرفان المتبقيان، وتنتهي بذلك تجربة الصيرفة الإسلامية في لبنان.
لا مراعاة للشريعة الإسلامية
وبعيداً عن الحديث عما واجهته الصيرفة الإسلامية منذ نشأتها في لبنان من عوائق كثيرة، وقفت حائلاً أمام تطورها، أبرزها عوائق تشريعية تتعلّق بالنظام الضريبي، وغياب الأدوات المالية الملائمة للشريعة الإسلامية، كشف مصدر رفيع في أحد المصارف الإسلامية في حديث إلى “المدن”، “أن خروج مصرفين إسلاميين حالياً من لبنان، سيستتبعه تصفية المصارف المتبقية وحلّها. فكافة المصارف الإسلامية العاملة في لبنان متورطة مع المصارف التجارية ومصرف لبنان بعمليات توظيف وشراء منتجات عالية المخاطر، ولا تراعي فيها جميعها الشريعة الإسلامية”.
سببان يقفان وراء ترنّح المصارف الإسلامية في لبنان، حسب المصدر. السبب الأول، هو أن عمل وتوظيفات المصارف الإسلامية لم يكن يتوافق مع الشريعة الإسلامية تماماً، خصوصاً في السنوات الأخيرة. ولم تراع تلك المصارف المعايير الشرعية بشكل كامل. فقد اعتمدت آلية التوظيف لفائض موجوداتها لدى المصارف التجارية، طمعاً بالفوائد المرتفعة. ما يعني أن أموال المصارف الإسلامية محتجزة اليوم في المصارف التجارية.
والسبب الآخر لتهاوي المصارف الإسلامية في لبنان يرتبط بشرائها أدوات مالية من مصرف لبنان، على غرار سندات الخزينة التي لا توظف بها عادة، لعدم مواءمتها للشريعة الإسلامية. لكن الأدوات المالية الأخرى التي تتعامل بها حقّقت لها أيضاً الفوائد الضخمة على مدى سنوات طويلة. وتلك الأموال أيضاً عالقة اليوم في مصرف لبنان، على الرغم من أن المخاطر المحدقة بها أقل من تلك الموظّفة لدى المصارف التجارية.
أضف إلى أن المصارف الإسلامية استفادت من الفوائد المرتفعة في الهندسات المالية التي ابتدعها مصرف لبنان، وشملتها هي الأخرى. فالفوائد المرتفعة أغرتها، يقول المصدر، فغطّتها بمخارج شرعية. وهذا الأمر ينطبق على كافة المصارف الإسلامية في لبنان، وليس على مصرف دون الآخر.
الصيرفة الإسلامية كأنها لم تكن
لا يتجاوز حجم الصيرفة الإسلامية في لبنان نسبة 1 في المئة من مجمل حجم القطاع المصرفي. لكنها، ورغم ذلك، تستحوذ على جزء من السوق اللبنانية، على موجودات واستثمارات وعشرات الفروع ومئات العاملين. وتقتصر الصيرفة الإسلامية على 5 مصارف منها ذات مساهمات عربية وأخرى لبنانية. وهي بنك البركة لبنان، والبنك الإسلامي اللبناني، وبيت التمويل العربي، وبنك بلوم للتنمية، وشركة مصرف البلاد الإسلامي للإستثمار والتمويل.
ووفق مصدر مصرفي رقابي فإن لا أهمية لخروج المصارف الإسلامية من السوق اللبنانية “فهي منذ نشأتها في لبنان وقبل الأزمة بكثير لم يُكتب لها الحياة. وحجمها لا يتجاوز واحد في المئة من حجم القطاع المصرفي”، فلا المصارف الإسلامية عرفت كيف تعمل وتنمو، ولا التشريع سهّل لها العمل، ولا المصرف المركزي أيضاً، على الرغم من تعامله بسلاسة مع تلك المصارف وإيجاده لها آلية تعامل تتناسب ووضعها. لكن رغم ذلك، لم يشعر السوق بوجود المصارف الإسلامية. وقد لا يشعر بخروجها”.