الجمعة, نوفمبر 22
Banner

ذكرى مولد رسول البشرية .. مجرد إحياء أم خارطة حياة

كتبت د. ليلى شمس الدين

باحثة في الانثروبولوجيا والإعلام وأستاذة الجامعية

منذ سنوات خلت يحتفل المسلمون حول العالم كل عام بأسبوع الوحدة الإسلامية بمناسبة ذكرى ولادة الرسول الأكرم عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلوات، فهل حققنا بالفعل على مدار الأيام، وفي مطلق الأفعال ما ترمي إليه هذه المناسبة؟

في هذا الزمن الرديء، تبرز الضرورة للغوص في مضامين وفحوى وأبعاد مسيرة حياة سيّد البشرية ليُبنى ربما عند البعض على الشيء مقتضاه.

ليست أولى الخطوات مع الآية الكريمة “وما ارسلناك الا رحمة للعالمين”، أو “وانّك لعلى خلق عظيم” وليس آخرها بالتأكيد انما بعتث لأتمم مكارم الأخلاق التي هي اساس كل تعامل.

لقد ارسى الرسول الأكرم في حياته قواعد أساسية تحوي مثلث التربية المتمثّل بالقدوة والقول المقرون بالعمل، إن فيما خص التأكيد على حسن الظن، أو فيما يتعلّق بمواجهة الظلم لتحقيق الإنصاف وبلوغ العدالة الإنسانية.

فهو الصادق الأمين الذي عزّز في صدقه الروابط المؤسّسة للثقة، التي رسمت مسار التعاملات الممهورة بالرحمة، والرأفة، والاحترام، والتواضع، والود، فكانت بوصلة علاقتنا مع جميع الكائنات الحيّة دون استثناء. مع البيئة والحيوانات كما مع الأطفال والنساء وجميع الناس على اختلاف أعراقهم وانتماءاتهم ومذاهبهم وادوارهم ومكانتهم والقائمة تطول.

وأعتقد أنّ ما يستحق الوقوف عنده والاقتداء به يتمثّل أيضًا في فصول مدرسته التي أرست قواعد الانفتاح والتسامح والعفو عن الأذية، وتمثّلت عندما قدّم النماذج في إقامة تحالفات ومعاهدات مع جهات وأشخاص من مختلف الأديان والخلفيات على الرغم إتاحة الفرص للقطيعة أو للقصاص.

فروع من أصول كثيرة تضمّنتها هذه التعاليم التي أكّدت على ضرورة وإستمرارية التعلّم لاكتساب المعارف والخبرات، تعاليم لم تغفل أمرًا إلاّ وعملت به وأقرّته لنسير على هديها. إن في الحريّة المعقلنة أو في الصدقة والبذل وعمل الخير، أو في ترشيد الإنفاق والاستهلاك في غير موقع لنُحصّن بحسن الإدارة والتدبير.

مسارات متعدّدة أكّدت على أهمية السعي إلى تغذية الروح والنفس كما الفكر والأحاسيس، فمن يجب أن يقود أفعالنا وقراراتنا هو هذا الارتباط الروحي بالله سبحانه وتعالى لنبلغ الإخلاص في التعاملات كما في العبادات كي نسمو إلى مصاف النقاء والشفافية، وها هنا يكمن مربط الفرس.

هي إذًا سلسلة متّصلة من تربية النفس وتهذيبها، بوصلتها الصبر والمثابرة والثبات في مواجهة العديد من التحدّيات والمصاعب، لبلوغ الأهداف الرامية إلى بناء المجتمعات القوية والمتماسكة، الذي يجب أن تتجاوز كل الانقسامات بتعقّل وحكمة ووعي وبصيرة.

فهل غدت ذكرى مولد رسول البشرية مجرد إحياء أم خارطة حياة نقتدي بتفاصيلها في كل المواقع والاتجاهات. هي بالتأكيد عناوين برسم كلنا.

وكل عام وأنتم بألف خير، متباركين بولادة رسول البشرية.

Leave A Reply