لم يُصدّق الإعلام اللبناني بعد أن الحركة العربية والدولية الساعية الى ملء الشغور الرئاسي في لبنان قد وصلت الى طريق مسدود. ويعود عدم تصديقه الى أمرين: الأول رهان كلّ من أطرافه المتناقضين على جهات عربية ودولية متعاونة في إطار “اللجنة الخماسية”، ولكن غير متفقة على مقاربة واحدة لضخّ الحياة في شرايين دولة لبنان بكل مؤسساتها باستثناء الجيش والمؤسسات الأمنية رغم أن المثل الشعبي الرائج “لا تهزّو واقف عَ شوار” ينطبق على الجميع. الثاني هو تحوّل هذا الإعلام جزءاً أساسياً من حركة كلٍّ من دول اللجنة المذكورة مهمته الترويج لتحركها ونجاحها سواء لارتباطٍ مصلحي أو لمعرفة أن الفشل سيجعل استعادة لبنان الوطن والدولة والعيش المشترك صعبة جداً. وهذا مرفوض لأن لبنان هو الوطن النهائي للجميع حتى الآن على الأقل.
ما الجديد في تحرّك “الخماسية” لإنقاذ لبنان من شغورٍ رئاسي وآثاره القاتلة؟ الجديد هو إخفاق الموفد الرئاسي الفرنسي جان – إيف لودريان في جمع “الاخوة الأعداء” اللبنانيين على طاولة حوار سواء في قصر الصنوبر مقر إقامة سفير “الأمّ الحنون” للبنان فرنسا، علماً أن “حنيّتها” صارت شاملة جميع شعوبه بعدما كانت شرفاً لواحدٍ منها، وعلماً أيضا أن لودريان شعر بالإرتياح لدعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى حوار لمدة سبعة أيام تعقبه دعوة منه للمجلس الى عقد جلسة لانتخاب رئيس للبلاد بنصاب دستوري هو ثلثا أعضائه تليها جلسات أخرى بنصاب الثلث زائد واحد للإنتهاء من همّ الشغور الرئاسي الذي كربج البلاد لا بل كرسحها. وحصلت مشاورات بين الإثنين قبل وصول الموفد الفرنسي الى بيروت ظنّا أن من شأن ذلك فتح طريق النجاح. لكن مع الأسف لم يحصل نجاح. فالأطراف المسيحيون رفضوا مبادرة بري لعدم تأكدهم من أنها ستفتح باب انعقاد الجلسات المتتالية. ورفضوا أيضاً مبادرة لودريان بعدما فشلت مبادرة من سبقه من مسؤولين فرنسيين لإنهاء الشغور في قصر الرئاسة في بعبدا. وهذا أمرٌ أشعر لودريان بالقلق إذ للمرة الأولى إنتهج سياسة “لكلّ مقامٍ مقال”. المقصود بذلك أنه وأمام كل فريق زاره ركّز على الموقف الفعلي لبلاده، لكنه لم يشرح أحياناً الإقتراح الذي يحمله بل حاول الدوران حول المرفوض والمقبول ليس من بلاده بل من الاخوة – الأعداء في لبنان. طبعاً فتح إخفاق لودريان الباب أمام قطر الراغبة بقوة في الدخول على خط العمل مع اللبنانيين لإنهاء الشغور الرئاسي في بلادهم، علماً أنها كانت بدأت تحرّكها في “عزّ دِين” التحرّك الفرنسي لتحقيق الهدف نفسه. لكنها كانت تنتظر فشله لبدء العمل رسمياً وقد فعلت ذلك أخيراً بإرسال “أبو فهد” آل ثاني وهو مسؤول أمني في بلاده وأحد أفراد العائلة الحاكمة. ما ميّز هذا التحرّك إبتعاده المباشر عن الإعلام وسريّته وإنْ غير كاملة. نبع ذلك من حرص على النجاح كما على إعداد “المسرح السياسي” اللبناني لما يحمله من اقتراحات، الأمر الذي قد يسهّل توصّله مع الجميع الى اتفاق على صيغة جلسة نيابية تنتخب رئيساً للبنان من بين متنافسيْن أو أكثر، أو الى اتفاق على إسم مرشح واحد يُنتخب في جلسة واحدة، أي كما انتُخب الرئيس ميشال سليمان. وكانت الدوحة عرّابته الرسمية، لكن اللبنانيين يعرفون عرّابه أو عرّابته الأولى والأخيرة.
ولا داعي لذكرها لأن الهدف ليس إزعاج رئيس حاول جهده لكن النجاح لم يحالفه لأن من يأتي الى قصر بعبدا بتوافق جهات متناقضة سيجد نفسه عاجزاً عن التوفيق بينها وتالياً عن الحكم.
هل أفق النجاح مفتوح أمام “أبو فهد” ودولته قطر في لبنان؟ لا يمكن الجواب بـ”لا” قطعية. فستارة المسرح الرئاسي لم تُقفل بعد بنجاح تام أو بفشل نهائي. وهو لا يزال يسعى وبعيداً من الأضواء لكن إرجاء وزير خارجية بلاده القدوم الى لبنان كما رُوِّج الى وقتٍ آخر أوحى بأن المبادرة الرئاسية لبلاده لم تنضج بعد. في أيّ حال لا بد في هذا المجال من شرح ما فعلت وتفعل وستفعل قطر على الأرجح في ما يتعلّق برئاسة لبنان، وذلك بالإستناد الى متابعين من قرب حركة موفدها السابقة والحالية وربما المستقبلية مع الأطراف اللبنانيين وهم قريبون منهم كلهم. ماذا يقول هؤلاء؟ أولاً يستذكرون مؤتمر الدوحة عام 2008 الذي ملأ شغوراً رئاسياً وهذا عظيم، لكنه طعن “اتفاق الطائف” بأكثر من اقتراح وإضافة فأدماه وأفقده الوعي وربما أدخله في موتٍ سريري، ثم يقولون إن “أمّ الصبي” فيه، أي في المؤتمر، كان الرئيس نبيه بري. وقد برهن ذلك يوم لاحظ قبل 24 ساعة من انتهاء مؤتمر الدوحة أن الأمين العام لجامعة الدول العربية المرافق للإجتماعات غادر الدوحة الى المنامة. ولما سمع من المسؤولين القطريين دعوةً الى انهاء اجتماعات “المؤتمر” بسبب الإخفاق في التوصل الى أي نتيجة أحسّ، أي بري، بالمهانة وقال لمن يلزم: “لم ينتهِ المؤتمر بعد. لا يزال لدينا 24 ساعة وأنا بل نحن نقرّر إذا انتهى أم لا”. فتراجع المسؤول القطري الكبير وعاد الأمين العام للجامعة العربية الى الدوحة وتم الإتفاق. يعكس ذلك إصرار بري ودوره المهم ويعكس عجز الدوحة عن الدخول في صلب الخلافات والمحادثات وعن رغبتها في إظهار نجاحها. أما عن “مؤتمر الدوحة” الذي تسعى قطر الى تكراره وفي الدوحة أيضاً، فإن المتابعين أنفسهم يقولون “إن الموفد القطري أبو فهد لم يحمل شيئاً جديداً، وأن الموفد الفرنسي لا جديد عنده وعنه، وأن لا جديد أيضاً عند سائر أعضاء اللجنة الخماسية”، ومواقف ممثل قطر فيها لا تحظى بموافقة سائر أعضائها. لكن يبدو أن قطر “زعلانة شوي” من رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل صديقها وحليفها. لماذا وماذا حمل الموفد القطري الى بيروت؟
سركيس نعوم – النهار