بين تشرين الأول وتشرين الثاني حروب وأزمات مفتوحة على كل الاحتمالات، ودائماً تبقى خاصرة الساحة اللبنانية رخوة وتهتز أمام أي حدث في المنطقة، فكيف الحال حيال ما يحصل في غزة من حرب هي الأخطر والأقسى في تاريخ الصراع العربي مع إسرائيل؟
توازياً، وجرياً على عادة الأزمات والاستحقاقات والحروب، تنطلق في لبنان حسابات الربح والخسارة لدى هذا الفريق أو ذاك، ويغرق البعض في التنظير من كسب الرهان ليُبنى عليه تجاه هذا الاستحقاق السياسي والدستوري وذاك، لا سيما في ظل الانقسام العمودي بين المكونات كافة حيث ارتفع منسوبها في الآونة الأخيرة ربطاً بالاستحقاق الرئاسي بين فريقي المعارضة والممانعة، اذ كلّ يتمترس خلف مواقفه ولا يتزحزح قيد أنملة. وبالمحصلة ان حراك الموفدين الفرنسي والقطري لم يؤدِّ الى أي خرق على خط الرئاسة، ومن هنا جاءت حرب غزّة لتقصم ظهر بعير الرئاسة، وتعيد الأمور الى المربع الأول.
وعلى وقْع الحرب المشتعلة في فلسطين، سُجّلت محلياً سلسلة مواقف في صفوف قادة الممانعة تعلن الانتصار المبكر وتغمز من قناة الفريق الآخر الذي يراهن على هزيمة، وهو ما أشار اليه رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل أخيرا من بسكنتا، عندما قال إن البعض “يزعل” لانتصار المقاومة على إسرائيل، ما يعني أن هذه المواقف من “حزب الله” وحلفائه قد تُصرف في الاستحقاق الرئاسي وترفع أسهم مرشحهم رئيس “تيار المرده” النائب السابق سليمان فرنجيه، وقد بدأت التلميحات تتوالى من البعض، اذ يقول وزير سابق لـ”النهار” ينتمي الى هذا المحور أن فرنجيه وقبل حرب غزّة كان المرشح الأوحد للثنائي الشيعي ولا يزال، وفي كل اللقاءات مع الموفدين الفرنسي والقطري لم يتم التلميح لا من قريب ولا بعيد الى أن هناك تراجعا، أو أن ثمة توجهاً لسحبه، وقد أكدت الحرب التي تدور اليوم في فلسطين مدى صوابية ترشيح فرنجيه لأنه يشكل ضمانة لمحور الممانعة، وعلى الصعيد اللبناني عموما، والأيام المقبلة ستثبت ذلك لا سيما أننا نتجه الى حرب مفتوحة وكل الاحتمالات واردة على هذا الصعيد.
وعلى خط آخر، لوحظ غياب التداول في الاستحقاق الرئاسي، فلا الموفد الرئاسي الفرنسي جان – ايف لودريان حدد موعد عودته، والأمر عينه للقطري محمد ناصر الخليفي، كذلك غابت اتصالات “اللجنة الخماسية”، اذ لا صوت يعلو على حرب غزّة وما يمكن أن تخلّفه من تداعيات على المستويين العربي والدولي لا سيما لبنانياً لأكثر من خصوصية واعتبار. وفي هذا الإطار تشير مصادر سياسية متابعة لـ”النهار”، الى أن إعادة خلط الأوراق الرئاسية واردة بقوة ربطاً بالعمليات الميدانية وما يمكن أن تصل اليه، انما من المبكر التكهن بمن سترتفع حظوظه أو من سيكون الخاسر الأكبر، فيما مواقف ناشطي ومسؤولي محور الممانعة بأن انتخاب فرنجيه على خلفية الحرب الدائرة في فلسطين بات وارداً، وهذه وفق المصادر تحليلات واستنتاجات في انتظار النتائج العسكرية والسياسية، اضافة الى ما ستفضي اليه الاتصالات الديبلوماسية على أعلى المستويات، وبمعنى أوضح كل الأمور متوقعة وربما نحو الأسوأ نظراً الى حجم ما تكبدته اسرائيل من خسائر فادحة، لذا فالاستحقاق الرئاسي متروك لمعرفة ما سترسو عليه الحرب، وكيف ستكون النتيجة ، وبناء عليه فان اختيار الرئيس قد يختلف عما كانت عليه الظروف قبل انطلاق عملية “طوفان الأقصى”، اذ ما يحصل اليوم ليس كما قبلها عسكرياً وسياسياً، والأمر عينه بالنسبة الى الوضع اللبناني بكل تفاصيله السياسية والرئاسية.
واستناداً الى المعلومات المتوافرة فان لقاءات قادة محور الممانعة مفتوحة وبعيداً من الأضواء لمواكبة الحرب، ولكن ليس ثمّة قرار رسمي بصدد الاستحقاق الرئاسي للإيحاء أن مرشحهم فرنجيه و”نقطة على السطر” على خلفية هذه الحرب وضروراتها و”الضمانة لنا برئيس يحمينا”، علما انه لا يمكن لأي فريق أن يحسم خياره اذ هناك لجنة خماسية تمثل دولاً كبرى غربية وعربية، وليس باستطاعة أي فريق أن يغرد خارج السرب لجملة اعتبارات سياسية واقتصادية… فاللجنة سيبقى دورها قائماً وان خطفت الحرب وهجها، وعَود على بدء ستتوالى مواقف الناشطين في محور الممانعة اعلامياً وسياسياً، بمعنى أن فرنجيه هو رجل المرحلة ومقتضياتها تستوجب انتخابه، ولكن مجدداً من المبكر جداً حسم أي خيار، فالحرب مستمرة ولعبة الأمم تتخطى كل المواقف، ولا شك في ان ثمة متغيرات حصلت، والرئاسة سيلحقها “طرطوشة”.
وجدي العريضي – النهار