ما يزال العدو الاسرائيلي يلملم ذيول الفشل العسكري الكبير الذي تعرّض له بفعل “طوفان الأقصى” ويحاول تغطيته بإعتماد سياسة الأرض المحروقة والأبنية المدمرة في قطاع غزة الذي يواجه أعنف هجوم بالطائرات الحربية التي تضرب كل ما ترصده من دون أية مراعاة لحقوق المدنيين ومن دون توجيه أية إنذارات قبل قصف المناطق المأهولة، في ظل صمت مطبق جزء منه دولي متآمر وآخر عربي متواطئ، ما دفع كتائب القسام الى التهديد العلني بأن “كل عملية قصف تطال المدنيين في غزة من دون إنذار مسبق سيضطرها الى قتل أحد الرهائن المدنيين الاسرائيليين بالصوت والصورة”.
لا شك في أن “طوفان الأقصى” أظهر هشاشة المنظومة الصهيونية عسكريا وأمنيا وإستخباراتيا وإستطلاعيا، في مقابل حرفية فلسطينية في التخطيط والتحضير والتنفيذ، خصوصا أن حماس أعدت أكثر من ألف مقاتل لتنفيذ العملية وإستمرت أشهرا عدة في التخطيط والتحضير لها من دون أن يتسرب أية معلومة عنها ومن دون أن يتمكن الموساد الاسرائيلي من رصد أية مؤشرات لها، فجاءت مفاجأة الفجر مدوية وصادمة حيث إنتصرت كتيبة الدراجات النارية على كتيبة المدرعات.
لا توجد معركة في غزة التي تتعرض لعدوان همجي ودموي وتدميري، بل المعركة الحقيقية ولأول مرة في المستوطنات الاسرائيلية التي دخلها المقاومون من جهات ثلاث وبعمق يتراوح بين 30 الى 40 كيلومترا وتمركزوا في بيوت ومؤسسات ومراكز عسكرية إسرائيلية، ما يضاعف من حالة الارباك لدى العدو الذي ما يزال عاجزا عن إستردادها أو فك الحصار عنها أو تأمين مستلزمات أهلها من ماء وكهرباء وإتصالات وغذاء، وهو يدفع يوميا ثمنا باهظا من القتلى والجرحى والأسرى.
وما يضاعف من حالة الارباك لدى الاسرائيليين، أن المقاومة الاسلامية تؤمن خطوط الإمداد الى داخل هذه المستوطنات، وتبدل كتائب المقاومين، وتقود الأسرى منها الى قطاع غزة في ظل عجز كامل لجيش العدو الذي لم يتوان عن قتل مجموعة من الأسرى الاسرائيليين خلال إقتيادها الى غزة.
هذا الواقع، يجعل التهديد الاسرائيلي باللجوء الى إجتياح بري لقطاع غزة، غير قابل للترجمة الميدانية، خصوصا أن جيش العدو عليه أن يسترد مستوطنات إسرائيلية على مسافة 40 كيلومترا وأن يقوم بإجلاء أهلها، وبالتالي فإن أي تفكير بالهجوم البري من قبل قيادة الاحتلال هو قفزة في الهواء ومن شأنه أن يكلفه الآلاف من القتلى وأن يتطلب المزيد من الوقت وأن يضاعف من الانهيار المالي في الكيان مع تراجع سعر الشيكل مقابل الدولار، خصوصا في ظل الجهوزية التامة للمقاومة لمواجهة أي سيناريو قد يطرح.
تشير المعطيات الى عدة سيناريوهات أبرزها:
أولا: رضوخ إسرائيل للوساطات الدولية والاقليمية بوقف العدوان وإجراء عملية تبادل أسرى مع المقاومة الفلسطينية التي تطلق معادلة تبييض السجون الاسرائيلية مقابل الافراج عن الأسرى لديها.
ثانيا: لجوء جيش العدو الى الاجتياح البري لقطاع غزة رغم صعوبة وخطورة الأمر معتمدا على الدعم الأميركي الذي تمثل بالجسر الجوي وبإرسال حاملة الطائرات جيرالد فورد الى البحر الأبيض المتوسط، ومن المرجح أن يؤدي هذا الخيار الى معركة إقليمية كبرى مع تدخل حركات المقاومة من الدول المجاورة دعما لـ”حماس” بما يترجم شعار وحدة الساحات.
ثالثا: تشديد الحصار على قطاع غزة وهو أمر ليس جديدا وقد إعتاد الأهالي عليه.
يمكن القول أن العدو الاسرائيلي ومع دخول طوفان الأقصى يومه الرابع لم يتمكن من تحقيق أي إنجاز عسكري يذكر، سوى ترجمة فشله بمزيد من الاجرام والغطرسة، حتى أن الغارات الجوية تستهدف المدنيين ولم تتمكن من إغتيال أي مسؤول من حركة حماس كما فعلت مع حركة الجهاد الاسلامي، ما يؤكد أن المقاومة الاسلامية قد أعدت لهذه المعركة بشكل جيد وعملت على تأمين قياداتها، ما يرفع من الحالة المعنوية لدى المقاومين، ويحبط عزيمة الاسرائيليين الذي تجاوز عدد قتلاهم الألف قتيل والعدد مرجح للارتفاع مع العثور على مزيد من الجثث، وقتل المزيد من الجنود الصهاينة في المواجهات، فضلا عن إرتفاع عدد الأسرى الاسرائيليين لدى حماس والذي سيشكلون عامل ضغط في أي سيناريو أراد العدو اللجوء إليه.
غسان ريفي – سفير الشمال