كتبت صحيفة “الأخبار” تقول:
بعد وزير الخارجية الايراني، نظيرته الفرنسية في بيروت الاثنين، ومن بعدها نظيره التركي. الزائران الجديدان سيحملان معهما السؤال نفسه الذي يتنقل به بخشية وقلق السفراء الغربيون بين المسؤولين اللبنانيين: ماذا سيفعل حزب الله؟ وما يجب ان لا يفعله.
سرّ وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبداللهيان حمله معه في ليلة وصوله الى بيروت الى الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. ليس بين المسؤولين اللبنانيين مَن يتوهّم ان الرجل يأتمنهم سرّه. المعتاد عند عبداللهيان، كما من قبله اسلافه وغالبيتهم يحطّون في بيروت ليلاً، ان تكون المقابلة الاولى مع نصرالله بعد هبوطهم او الاخيرة قبيل مغادرتهم. سرّ كل زيارة لهم فيه هو. اما المقابلات الرسمية وما يوصف بمحادثات رسمية فليس سوى الفرع من الاصل.
مع ذلك سمع المسؤولون اللبنانيون عبداللهيان يدلي بكمٍّ من المعطيات استنتجوا منها:
1 – محاولته ملء الفراغ الناجم عن تعذّر وجود موقف عربي جامع من احداث غزة يقف الى جانب حماس في حربها مع اسرائيل. اقترح عقد اجتماع لوزراء منظمة التعاون الاسلامي. ادرج جولته في نطاق التشاور مع قادة المنطقة حيال المرحلة المقبلة وخياراتها، والاصرار خصوصاً على التوصل الى وقف للنار، معوّلاً على أهمية الاتصال الهاتفي الذي اجراه ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان بالرئيس الايراني ابراهيم رئيسي، وهو الاول في تواصلهما الشخصي رغم ما دار اخيراً من اجتماعات بين مسؤولي البلدين.
2 – بحسب قوله «لم تُخرِج حماس سوى جزء مما تملكه في ترسانتها المسلحة ويكاد يكون يسيراً مما لديها، وما ستظهره سيفاجىء الجميع»، جازماً بأن في وسعها المضي في المواجهة مع اسرائيل «شهوراً اخرى». لمّح بذلك الى اسلحة متطورة لدى حماس لم تستخدمها بعد تباغت العالم بها «غير معلوم وجودها لديها».
3 – اذا تجاوزت اسرائيل الخطوط الحمر فإن المنطقة «مفتوحة على احتمالات لا حدّ لها». ما بدا قاطعاً لديه ان القرار الاسرائيلي بدعم اميركي بهجوم بري على غزة «لا تراجع عنه». الا ان فيه الخطر الحقيقي على المنطقة برمتها.
4 – جولته على المنطقة ترمي الى التأكيد لحماس وغزة كما للخارج انهما ليستا متروكتين. وهي الرسالة نفسها الى حلفاء حماس.
5 – رامَ توقيت الزيارة الى الموازاة بينها وتلك التي يقوم بها نظيره الاميركي انتوني بليكن، كلٌ على بلدان محوره، للتأكيد ان الجمهورية الاسلامية حاضرة بدورها في المنطقة وفي ما يجري في اسرائيل وغزة ومعنية بهما.
6 – خلافاً لما شاع وتردد اكثر من مرة اخيراً كما في اليوم الاول لانفجار الحرب، اكد عبداللهيان ان حكومته لم تكن على علم بتوقيت بدء حماس حملتها العسكرية في اسرائيل. اكد «التنسيق المسبق معها» ومعرفة طهران، اضف دورها في دعم حماس والاتصالات المستمرة معها. ما قاله ايضاً ان التواصل بقيادة حماس في القطاع متواصل وسمع منها اكثر من تأكيد ان مقاتليها «قادرون على المضي في المواجهة». المهم في ما ذكره عبداللهيان ان ما حدث «كان يجب ان يحدث بعد معاناة الفلسطينيين جميعهم من اسرائيل». الا انه سارع الى انتقاد رد الفعل الغربي المعادي بحسب رأيه لحماس وتأييده الاعمى اسرائيل، قبل ان يخلص الى ان عملية طوفان الاقصى «غيّرت كثيراً في معادلة المنطقة».
7 – لم يستبعد توسّع نطاق الحرب الدائرة في غزة في حال اصرت اسرائيل على الاستمرار فيها وارتكاب المجازر.
8 – ما استخلصه المسؤولون اللبنانيون ان القياس الفعلي لاستقرار جنوب لبنان هو ما ستؤول اليه العمليات العسكرية في غزة بالذات، المقتصرة في الوقت الحاضر على تدمير القطاع من الجو توطئة لهجوم بري واسع النطاق. في اليومين الاخيرين، الخميس والجمعة، هدأ الجنوب الى حد دونما ان يكون مؤشراً دائماً الى ثبات الاستقرار. وهو الموقف غير الرسمي وغير المعلن الذي حصلت عليه السلطات الرسمية من حزب الله في طريقة مقاربته ما يجري وراء الحدود اللبنانية: يتعامل حزب الله مع ما يدور في اسرائيل بالقطعة، بالاستناد الى الفعل ورد الفعل لتأكيد استعداده وتأهبه في اي لحظة للمواجهة الشاملة اذا حان أوانها. وهو مغزى الاحداث المتنقلة بين القطاعات الثلاثة جنوباً: الغربي والاوسط والشرقي. كل حادث يصير الى تقدير رد الفعل عليه تبعاً لوقوعه ولحظته.
لم يتوقع المسؤولون اللبنانيون مبادرة عبداللهيان الى الكشف عن موقف حزب الله في المرحلة المقبلة حيال تطور الحرب في غزة، رغم يقينه ان حكومته وحلفاءها في المنطقة لن يسمحوا بتجاوز الخطوط الحمر. لم يتخطَّ تكرار ما اكده مرتين، في السرايا اولاً ثم في وزارة الخارجية، ان الاستقرار والامن سيسودان جنوب لبنان ما لم يحدث ما ليس في الحسبان، دونما اقتران الموقف هذا بأن ضمان او تطمين جدي. الموقف نفسه يسمعه المسؤولون في السرايا وفي وزارة الخارجية من السفراء الغربيين الذين يزوروهما وهم يطرحون السؤال بتهيّب، كل بطريقته وبصيغه لكنهم يتقاطعون من حوله: «ماذا يعتزم ان يفعل حزب الله او سيفعل؟»، و«حاولوا معه ان لا يتدخل؟».
بعض السفراء الغربيين لم يتردد في القول: «دعوا اسرائيل وحماس يصفيّان حساباتهما من دون ان يتدخل حزب الله بينهما». لم يُرِد اي من السفراء هؤلاء ايلاء اي اهمية للدولة اللبنانية والسلطات حيال الموقف المطلوب منها، ما خلا الاستعانة بها لايصال رسائل حكوماتهم الى حزب الله بتجنب الانخراط في المواجهة.