كتبت صحيفة “النهار” تقول:
على وقع الانذار الإسرائيلي “المجنون” لمليون فلسطيني في غزة للانتقال الى جنوب القطاع وما اثاره من مزيد من تداعيات متفجرة عسكريا وديبلوماسيا، وفي “جمعة النفير العام ” تضامنا مع الفلسطينيين في الكثير من البلدان ومن بينها لبنان، دفعت الصحافة اللبنانية مجددا مساء امس ضريبة الدم عند خطوط المواجهة المتصاعدة تدريجا على الحدود الجنوبية، وقد اصيب الصحافيون بقصف إسرائيلي اجرامي مباشر وموصوف استهدف سيارات وتحركات طواقم الاعلام خلال تغطيتهم لمواجهات دارت في خراج علما الشعب. شهيد صحافي شاب هو المصور في وكالة رويترز عصام عبدالله سقط في القصف الإسرائيلي كما أصيب الزميلان ايلي براخيا وكارمن جوخدار من فريق محطة “الجزيرة” ، كما أصيبت الزميلة كريستينا مصطفى عاصي المراسلة لوكالة الصحافة الفرنسية إصابة بليغة في القدمين واليدين، ومراسل وكالة الصحافة الفرنسية ديلن كولينز، والمراسل العراقي لرويترز ثائر زهير كاظم ، وزميله العراقي ايضا ماهر نزيه عبد اللطيف في حصيلة دامية طاولتهم ونقلوا الى المستشفى اللبناني الإيطالي في صور. هذا التطور الخطير بدا إنذارا باستفحال الوضع الميداني جنوبا بحيث باتت الصحافة والاعلام هدفا لإسرائيل من دون تمييز فيما اشتعلت على اثر قصف علما الشعب المواجهة واعلن “#حزب الله” شن هجمات على عدد من المواقع الإسرائيلية . واثار الاستهداف الإسرائيلي للصحافيين موجة ردود نقابية وصحافية وإعلامية وسياسية غاضبة وواسعة كما استتبع هذا العدوان بتجمع للصحافيين والمراسلين والإعلاميين مساء امام المتحف الوطني . وأفادت رويترز في بيان عن الحادث “نشعر بحزن شديد لمعرفة نبأ مقتل مصور الفيديو عصام عبد الله”. وقالت “نسعى بشكل عاجل للحصول على مزيد من المعلومات، ونعمل مع السلطات في المنطقة، وندعم عائلة عصام وزملاءه”.
وعلق البيت الأبيض على الحادث فقال أن “العمل الذي يقوم به الصحافيون محفوف بالمخاطر وحادث اليوم يذكر بذلك، ونأمل أن يتماثل الصحافيون المصابون للشفاء العاجل”.
وعلق رئيس مجلس النواب #نبيه بري على الجريمة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية بحق الإعلاميين في منطقة علما الشعب وقال: “هل يحتاج المجتمع الدولي الى دليل بأن إسرائيل ومستوياتها السياسية والعسكرية يريدان ممارسة إجرامهما وعدوانيتهما من دون شهود على الحق والحقيقة؟”. واعتبر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي “إن استهداف العدو الاسرائيلي الصحافيين مباشرة في عدوانه المستمر على الاراضي اللبنانية وصمة عار جديدة تضاف الى سجله الاسود في القتل والعدوان”.كما اعتبر وزير الإعلام زياد المكاري ان “إسرائيل اضافت إلى جرائمها الكثيرة جريمة جديدة من خلال استهدافها لإعلاميين في بلدة علما الشعب، حيث دفع الإعلام مرة جديدة ثمن إجرامها المتمادي”.
عودة لودريان
ومع تصاعد المخاوف من انفجار الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية نقلت مراسلة “النهار” في باريس رنده حيدر عن مسؤول فرنسي رفيع توقعه ان يزور المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودرين لبنان في غضون اسبوعين لأن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يرى ان الازمة الحالية في المنطقة والخطر من توسيع الحرب الى لبنان هي فرصة لتوحيد موقف القيادات اللبنانية لانتخاب رئيس باسرع وقت . وأشار المسؤول الفرنسي الى ان ماكرون يرى انه من الضروري تجنيب لبنان امتداد الحرب الاسرائيلية الفلسطينية اليه. وكان خلال اتصاله برئيس الحكومة نجيب ميقاتي اكد له ضرورة تحذير “حزب الله” من الدخول في الحرب الى جانب “حماس”.
استهداف الطواقم الصحافية والإعلامية جاء وسط احتدام شهدته المنطقة الحدودية الواقعة بين بلدتي الضهيرة وعلما الشعب بعد الظهر، حيث جرى اطلاق نار متبادل بين الجيش الإسرائيلي و”حزب الله” في ظل قصف اسرائيلي عنيف للمنطقة وتحليق مكثف لطائرات “الاباتشي”. وأفادت معلومات بأن برج مراقبة لاستخبارات الجيش أُصيب، كما تم قصف محيط مراكز للجيش اللبناني ولجمعية “أخضر بلا حدود”. وأفاد بيان لاحقا لقيادة الجيش بان “العدو الإسرائيلي استهدف في خراج بلدة علما الشعب برج مراقبة غير مشغول للجيش اللبناني يستعمل بشكل ظرفي اثناء تنفيذ المهمات والتدابير الأمنية ولم يسجل وقوع إصابات في صفوف العسكريين “.
ووفق معلومات فان ما حدث في بلدة علما الشعب كان محاولة تسلل لمجموعات فلسطينية غير أنها لم تنجح، حيث فجّرت عبوّة بالجدار إلا ان الإسرائيليين كشفوها، ما أدى إلى تبادل لاطلاق النار، ليقوم بعدها المسلحون بالانسحاب، وتبع ذلك قصف اسرائيلي على برج مراقبة للجيش وعلى المنطقة. ثم أصدر “حزب الله” بيانا أعلن فيه انه “ردّا على الاعتداءات الاسرائيلية على محيط عدد من البلدات اللبنانية الجنوبية قام مجاهدو المقاومة الإسلامية بمهاجمة المواقع الإسرائيلية التالية: موقع العباد، موقع مسكفعام، موقع راميا، موقع جل العلام، بالأسلحة المباشرة والمناسبة وحققوا فيها إصابات دقيقة”.
وتوازيا، أطلقت قوات اليونيفيل في الناقورة صفارات الإنذار في مواقعها، وطلبت من وحداتها النزول الى الملاجئ كما طلبت أخذ الحيطة والحذر وكامل الاجراءات في المنطقة .
البلوك الجاف
هذا المناخ القاتم الذي ارخى ظلاله على البلاد زادته تفاقما التأكيدات بان شركة “توتال” أبلغت وزارة الطاقة وهيئة إدارة قطاع البترول إنتهاء الحفر في البئر في البلوك رقم 9 بعدما وصلت إلى عمق 3900 متر تحت قعر البحر ولم تجد سوى الماء. وفي إنتظار تقارير “توتال” الرسمية، يبدو أن الحسم بعدم وجود غاز في البئر الذي تم الحفر فيه قد وقع، وتاليا فإن الإجتهادات عن دور ما وتأثير سلبي لحرب غزة، في إستمرار الحفر وإستكشاف مستقبل النفط والغاز، بدت جميعها كلاما في السياسة، وإستخداما غير مجد لملفٍ قد تتغير المعطيات فيه، بين ليلة وضحاها.
اذ ان نتائج المسح الأولي حددت المكامن المفترض الحفر فيها، وهو ما يعطي فرصة لـ”توتال” بالإنتقال الى الحفر في مكمن آخر بالرغم من معضلة الخسارة الكبيرة للوقت، حيث لا يمكن وفق جدول الاتفاق مع توتال العودة لإستئناف الحفر في بئر جديدة قبل سنة 2025 .
جمعة النفير.. واللهيان
وفي غضون ذلك شهدت مناطق لبنانية عدة اعتصامات ومسيرات كثيفة تلبية للدعوات الى “جمعة النفير العام” تضامنا مع الفلسطينيين في غزة . وفي اعتصام حاشد لـ”حزب الله” في الضاحية الجنوبية أكد نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم “جهوزية حزبه متى يحين وقت أي عمل” للتحرك ضد إسرائيل دعمًا للفلسطينيين في قطاع غزة. وقال قاسم “حزب الله يعرف واجباته تمامًا ونحن حاضرون وجاهزون بجهوزية كاملة ونتابع لحظة بلحظة”، مضيفًا: “نحن كحزب الله نساهم في المواجهة وسنواجه فيها ضمن رؤيتنا وخطتنا، نتابع خطوات العدو ولدينا جهوزية كاملة، ومتى يحين وقت أي عمل سنقوم به”.
وبالتزامن مع ذلك جال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير #عبد اللهيان على المسؤولين اللبنانيين والتقى رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في السرايا الذي اكد “ضرورة بذل كل المساعي الديبلوماسية من قبل جميع الاطراف لوقف ما يجري من أحداث في غزة وحماية لبنان”. بدوره حذر الوزير الايراني “من امتداد الاحداث الجارية في غزة الى مناطق أخرى في المنطقة، اذا لم يوقف نتنياهو حربه المدمّرة ضد القطاع، وأن إن ما قامت به حركة حماس كان ردا على سياسة نتنياهو وجرائم اسرائيل”. أضاف: “المهم بالنسبة الينا هو أمن لبنان والحفاظ على الهدوء فيه، وهذا هو هدف زيارتي، واقترح عقد اجتماع لقادة المنطقة للبحث في الاوضاع”. بعدها انتقل الى وزارة الخارجية حيث التقى وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بوحبيب واكد في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره اللبناني “ان ما نشهده اليوم في غزة هو جرائم حرب يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الأطفال والنساء الفلسطينيين”. واشار الى “اتفاق بين لبنان وإيران لضرورة الوقف العاجل لجرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني الأعزل”.وأعلن ان “إيران دعت وأبدت استعدادها لاجتماع استثنائي لمنظمة التعاون الإسلامي في طهران”. وقال: “اذا لم تتوقف وبشكل عاجل هذه الجرائم ، جرائم الحرب المنظمة التي يرتكبها الكيان الصهيوني المزيف من الممكن بعد ذلك تصور اي احتمالية”. ثم انتقل عبداللهيان الى عين التينة للقاء رئيس المجلس النيابي نبيه بري، قبل ان يتوجه الى دمشق للقاء نظيره السوري علي المقداد على ان يعود اليوم الى بيروت لعقد مؤتمر صحافي في السفارة الإيرانية تقرر تأجيله الى اليوم . وكان التقى الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله .