الجمعة, نوفمبر 22
Banner

لم نصل إلى القعر بعد… والأزمة خلقت وتخلق تشوهات هائلة

جوني منيّريشهد لبنان منذ العام 2019 إنهياراً إقتصادياً صنّفه البنك الدولي بين الأسوأ في العالم، ويعتبر الأول من نوعه في تاريخ لبنان. اندلعت الشرارة الأولى في تشرين الأول من ذلك العام بعد أن ظهرت بقوة مؤشرات الركود والشحّ في السيولة، وهي التي كانت بوادرها بدأت في الأسواق منذ العام 2017. الى ان وصلت لحظة إقفال المصارف في تشرين الأول 2019 لفترة ثلاثة أسابيع، وتفاقم تحويل أصحاب المصارف والسياسيين والنافذين في المنظومة أموالهم الى الخارج، فأنتج ذلك شحّاً اضافياً بالدولار في البلاد تبعه توقّف المصارف عن تسديد الودائع لا بالقطارة وبمبالغ زهيدة جداً جداً، وضياع حقوق معظم المودعين.

إستنزاف الإحتياطي

بدأت الحكومات التي توالت بعد رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، والتي ترأسها حسّان دياب وتلاه نجيب ميقاتي على استنزاف إحتياطي مصرف لبنان الذي كان بلغ نحو 30 مليار دولار في خريف 2019، لا سيما على دعم سلع استفاد منها التجار والمهربون والمخزنون. واستمر استنزاف الإحتياطي الى ان وصلت الموجودات الخارجية الصافية لمصرف لبنان الى نحو 7.3 مليارات دولار فقط، مقابل خسائر قدرت بأكثر من 72 مليار دولار هي في الحقيقة من حقوق المودعين.

هبوط الليرة

أما مشوار الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي فسجّل أرقام تقهقر تاريخية، إذ تجاوز الدولار أمام الليرة عتبة الـ 140 ألف ليرة ثم عاد المستوى الى نحو 90 ألفاً، وتبلغ حالياً خسائر العملة الوطنية نحو 98% قياساً بما كان عليه سعر الصرف قبل الازمة. علماً ان سعر الصرف الثابت بين 1997 و2019 هو أحد أهم وأخطر اسباب الازمة.

تفاقم الفقر متعدّد الأبعاد

أما الفقر فاستعرّ في البلاد، واضمحلت الطبقة المتوسطة وفرزت الأزمة طبقتين إجتماعيتين بارزتين. الأولى فقيرة تتقاضى بالليرة اللبنانية واللولار، والثانية «غنية» بالدولار. ورغم عدم وجود أرقام حديثة عن نسبة الفقر في لبنان حالياً، إلا أنه بحسب تقديرات المحللين والمنظمات الدولية يعيش نحو 80% من اللبنانيين بمستويات فقر متعدد الابعاد (من الفقر المدقع الى الفقر المقبول نسبياً). وكانت اعدت إدارة الإحصاء المركزي بدعم فني من البنك الدولي وتمويل مشترك من وزارة الخارجية الهولندية مؤشر الفقر متعدد الأبعاد في لبنان للعام 2019، باستخدام مسح القوى العاملة والأحوال المعيشية للأسر على المستوى الوطني للفترة 2018-2019. وكشف المؤشر لعام 2019 أن 53.1% من جميع السكان كانوا يعانون الفقر متعدد الأبعاد. وهذا المؤشر مشتقّ من 19 مؤشراً على مستوى خمسة أبعاد هي: التعليم، الصحة، الأمن المالي، البنية التحتية الأساسية ومستويات المعيشة. وبلغت نسبة من يعيشون في فقر مدقع، حيث يكون السكان محرومين في أكثر من 50% من المؤشرات، 16.2% من عدد السكان. ويُعدّ الحرمان من التأمين الصحي (24.8%) أكثر المؤشرات مساهمةً في الفقر متعدد الأبعاد على الصعيد الوطني، يليه مستوى التحصيل الدراسي (18.3%) ثم العمل الذي تنخفض فيه معايير الأمان (9.7%). عند تجميع هذه العوامل حسب الأبعاد، فإن البعد الصحي (30.2%) أكثر العوامل التي تسهم في الحرمان، يليه التوظيف (25.8%) والتعليم (25.3%). أما البُعد المتعلق بمستويات المعيشة فيسهم بنسبة 13%، في حين يسهم بُعد البنية التحتية الأساسية بنسبة 6%.

على صعيد محافظات لبنان الثماني، تُعد عكار والبقاع الأشد فقراً، في حين تتركز في بيروت أكبر كثافة للفقر بين الأشخاص الذين شملهم مؤشر الفقر متعدد الأبعاد. بعبارة أخرى، بينما يقل احتمال أن يُعد شخص ما في بيروت فقيراً حسب هذا المؤشر، يزيد احتمال تعرض الفقراء في بيروت للمعاناة من حرمان أشد مقارنةً مع سكان المحافظات الأخرى. ويعيش حوالى ثلث الفقراء الذين شملهم المؤشر في جبل لبنان، حيث يقيم نحو 41% من السكان. ويتشابه تكوين الفقر متعدد الأبعاد إلى حد ما على مستوى المحافظات. وتسهم النسبة الأكبر- المقابلة للافتقار إلى التأمين الصحي- بما يتراوح بين 23 إلى 27.4% في معدلات الفقر العام.

حالياً ينقسم الفقر الى جزءين: هناك الفقر العادي، أي أن المواطن لا يستطيع إشباع حاجاته الغذائية الأساسية، وتبلغ نسبته في لبنان نحو 55 في المئة. وهناك مفهوم الفقر المتعدّد الأبعاد، الذي تعتمده الإسكوا والبنك الدولي، حيث تصل نسبة الفقر من خلال هذا المفهوم في لبنان الى 80 – 85%، فكل مواطن لا مدّخرات لديه يعتبر فقيراً بحسب الفقر المتعدّد الأبعاد، بينما نحن في لبنان نعتمد الفقر بمفهومه التقليدي، الذي يبلغ فقط 55%، حيث لا يكفي دخل هؤلاء المواطنين لتوفير الغذاء الكافي والصحي والسليم، وهذا يشمل 1.1 مليون نسمة يشكلون نحو 275 ألف أسرة.

أسعار المواد الغذائية

أدى الانخفاض السريع في قيمة العملة، فضلاً عن «الاختناقات» في سلسلة التوريد، إلى زيادة أسعار المواد الغذائية بشكل هائل بنسبة 483% في كانون الثاني 2022 مقارنة بالعام 2020، وظلت مرتفعة عند 332% حتى حزيران 2022. مع نفاد احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية ورفع الدعم عن استيراد معظم السلع الحيوية، ارتفعت أسعار الكهرباء، والمياه، والغاز بنسبة 595% بين حزيران 2021 وحزيران 2022. وحوَّلت زيادات الأسعار المرافق الأساسية للأعمال والصحة والغذاء إلى رفاهية لا يستطيع الكثير تحمل كلفتها إلا بكميات محدودة، إن استطاعوا تحملها.

وساهم تسارع انهيار العملة الوطنية أمام الدولار وارتفاع أسعار السلع الإستهلاكية الى تفاقم معدّلات التضخم الى نسب كبيرة جعلت من لبنان يتقدّم على دول اخرى في نسبة الإرتفاعات المسجّلة. واستناداً الى إدارة الإحصاء المركزي في لبنان فإن نسب التضخّم قفزت من 2,9% في العام 2019 الى 84,9% في 2020 فنسبة 154,8% في 2021 ثم الى 171,2% في 2022. أما للعام 2023، فإن التضخم قد يتقلص اذا استمر سعر صرف الدولار على ثباته ولم يتورّط لبنان أكثر في الحرب الدائرة في المنطقة حالياً، بسبب استقرار سعر صرف الدولار عند 89 ألف ليرة منذ آذار ولغاية اليوم. وسجّل التضخم في آب أقلّ نسبة ارتفاع وهي 0.9% على صعيد شهري مقارنة مع تموز، وعلى صعيد سنوي سجل 229%. كل تلك المؤشرات المذكورة آنفاً جرفت معها نظام الدفع الذي كان معتمداً سابقاً وهو الـcashless، فحلّ محلّه الإقتصاد النقدي الذي فاقم عمليات تبييض الأموال والتهرب الضريبي والتهريب، عدا عن دولرة الإقتصاد شيئاً فشيئاً لدرجة أن الدولة اللبنانية بدأت تزيد تحصيل ايراداتها بالعملة الصعبة.

تهاوي الناتج المحلي الإجمالي

وكان من نتائج الأزمة الإقتصادية ايضاً، تراجع قيمة إجمالي الناتج المحلي في لبنان من نحو 52 مليار دولار في العام 2019 الى 33,38 مليار دولار في 2021 و 21.8 مليار دولار في 2022 مسجّلاً انكماشاً بنسبة 58.1% وهو أشدّ انكماش يعانيه اي اقتصاد في العالم منذ عشرات السنين. ومن المتوقّع بحسب تقديرات البنك الدولي في أيار الماضي أن يسجّل الناتج المحلّي في لبنان، لعام 2023 نحو 18 مليار دولار اي بتراجع بنسبة 65% عن العام 2019. علماً أن البنك الدولي يتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي في لبنان بنسبة 2.5% في العام 2023، إذا تحسّنت الظروف الاقتصادية والسياسية في البلاد، وتم تطبيق إصلاحات ضرورية لمعالجة الأزمة المالية والاجتماعية. ومع ذلك، فإن هذا التوقع يحمل درجة عالية من الغموض والمخاطر، نظراً للتحديات الهائلة التي تواجه لبنان.

أسعار المحروقات

سجّلت أسعار المحروقات منذ العام 2019 الى اليوم إرتفاعات قياسية وغير مسبوقة (بالليرة) بلغت 66.32 مرة اذ كان سعر صفيحة البنزين 25100 ليرة لبنانية واصبحت اليوم بقيمة 1,658 مليون ليرة وذلك تأثراً بانهيار سعر صرف الليرة. أما المازوت بدوره فسجّل ارتفاعات تاريخية اذ زاد سعر الصفيحة من 17900 ليرة الى 1,719 مليون ليرة أي بارتفاع 100 مرة.

 

أسعار الخبز

وفيما كان سعر ربطة الخبز بقيمة 1500 ليرة في العام 2019، بدأ سعرها يرتفع تدريجياً مع رفع الدعم عن المواد الأولية وفي موازاة تدهور سعر صرف الليرة ووصل سعرها حالياً الى 47 ألف ليرة نتيجة ارتفاع سعر طن الطحين، علماً أن الطحين لا يزال مدعوماً بقرض من البنك الدولي. وبذلك يكون سعر ربطة الخبز العربي ارتفعت 31 مرةّ.

الحدّ الأدنى للأجور

الحدّ الأدنى للأجور تآكل بدوره، كان 675 ألف ليرة أي ما يعادل 450 دولاراً في العام 2019 الى 9 ملايين ليرة في 2023 أي ما يعادل 100 دولار بانخفاض بقيمة 350 دولاراً وما نسبته 77 في المئة.

نسبة البطالة نحو الإرتفاع

أدت الأزمة المالية والإقتصادية الى لجوء أرباب العمل والمصارف الى الإستغناء عن الموظفين العاملين لديهم لتخفيف الأكلاف التشغيلية خصوصاً وأن عدداً كبيراً عمد الى إغلاق مؤسسته. وكذلك الأمر بالنسبة الى المصارف التي قامت بإقفال فروع لها وصرف آلاف الموظفين. هذا الواقع زاد من نسبة البطالة التي كانت تشكّل في فترة 2018- 2019 نسبة 11.4% وارتفعت إلى 29.6% في كانون الثاني 2022، مما يشير إلى أن ما يقارب ثلث القوى العاملة الناشطة كانت عاطلة عن العمل في كانون الثاني2022 إستناداً الى مسح أجرته إدارة الإحصاء المركزي في لبنان ومنظمة العمل الدولية للقوى العاملة في لبنان وأعلنت عنه في أيار 2022. وقد كانت نسبة النساء العاطلات عن العمل أكثر من الرجال، حيث بلغ معدل بطالة النساء 32.7% مقارنة بمعدل الرجال 28.4%، في حين بلغ معدل الشباب 47.8% ضعف معدل البالغين 25.6%.

في المقابل تضاءلت نسبة التوظيف من عدد السكان 43,3% في العام 2019 الى 30,6% في العام 2022 إستناداً الى التقرير نفسه.

إعتبر الخبير الإقتصادي أحمد جابر خلال حديثه الى «نداء الوطن» أنه من الواضح من مجريات الأمور وغياب المعالجات الحقيقية ووضع إدارة للأزمة من خلال تخطيط لمواجهتها طوال فترة الأربع سنوات، انه ليس هناك من قعر. فكل المؤشرات السلبية تدلّ على أننا ننخفض لكننا لم نتمكّن من فرملة الإنهيار الذي لا حدود له، ووضع إشارة stop لاستعادة عافيتنا مجدّداً.

فمحرّكات بعض القطاعات تعمل في لبنان، لأن الأزمات تولد معها بعض الفرص. قطاعات استفادت من الأزمة منها القطاعات الغذائية، والسياحية. فالأخيرة حقّقت ايرادات بقيمة تتراوح بين 6 و7 مليارات دولار هذه السنة، كما أن تحويلات المغتربين بلغت 6.5 مليارات دولار في 2022، ولا تزال تحافظ على قيمتها في العام الجاري، فشكّلت كل تلك الإيجابيات مصدر قوة للإقتصاد.

إلى ذلك أوضح جابر أن «حجم الدين الذي كان يعادل 100 مليار دولار (عندما كان سعر الصرف الرسمي إزاء الدولار 1500 ليرة لبنانية)، تدحرج بعد الأزمة فانخفضت قيمته اليوم الى نحو 4 مليارات دولار وفق سعر صرف الدولار الحالي. دفترياً تراجعت قيمة الدين الداخلي الى مليار دولار، أما الـ40 ملياراً المتبقية، ومعظمها من سندات اليوروبوندز، فباتت تعادل الـ3 مليارات دولار بحسب قيمتها السوقية».

وعرّج جابر على الوضع الإقتصادي عموماً، وقال: «لم نستطع لا خلال تواجد حكومات ورئيس جمهورية في السابق ولا خلال الوقت الراهن في ظل غياب سدّة الرئاسة ووجود حكومة تصريف أعمال، من إعادة هيكلة المصارف او إعداد خطة لاستعادة المودعين اموالهم أو تحسين المالية العامة. حتى الموازنة العامة لم نستطع إعدادها بطريقة شفافة وواضحة تحاكي المرحلة الراهنة التي يمرّ بها لبنان.

بدوره رأى الخبير المالي والإقتصادي نيكولا شيخاني أننا «لم نصل الى القعر، بسبب وجود إحتياطي في مصرف لبنان (ويبلغ 8,4 مليارات دولار) ووجود إحتياطي من الذهب ( 286 مليون طن). لكن طالما ليس لدينا قطاع مصرفي والبلد مدولر بنسبة عالية جداً فاننا نواجه مشكلة كبيرة، ولا بد اليوم من التفكير بخطة نقدية جديدة وخطة تعافٍ جديدة وإعادة هيكلة القطاع المصرفي». لافتاً الى أنه «حان الوقت لأن تقوم الدولة بالإصلاحات اللازمة المطلوبة من صندوق النقد الدولي لتستطيع تغيير المسار واستعادة العجلة الإقتصادية دورتها، خصوصاً مع قرع طبول الحرب».

فالإقتصاد اللبناني برأي شيخاني لا يتحمل حروباً، واذا قاربنا الوضع اليوم مع الحرب الإسرائيلية على لبنان التي حصلت في العام 2006 حين تمّ تدمير البنية التحتية، كان وقتها الإقتصاد اللبناني مزدهراً فاستطعنا تجاوز تلك المرحلة. أما اليوم فيختلف الوضع، فليس لدينا اقتصاد ولا تجارة ولا كهرباء ولا مياه، ونتائج الحرب ستكون خطيرة جداً على الساحة الداخلية.

تُنهي الأزمة اللبنانيَّة عامها الرابع على وقع غياب الحلول في الداخل والتوترات الدَمَويَّة المتنقلة على مساحة الوطن العربي مروراً بجائحة كورونا بتداعياتها المستمرة. تنوَّعَت الأزمات وتراكمت وألقت بثقلها على لبنان الغارق في أزمته السياسيَّة وفي تداعياتها الاقتصاديَّة والماليَّة والنقديَّة. في الظاهر قد تبدو الحرب اللبنانية قد انتهت؛ إلا أن ما وصل إليه لبنان يثبت أن منفذيها وازلامهم انتقلوا من ساحات القتال إلى المؤسسات ليُدخِلوا لبنان في آتون حرب سياسية لَم ولَن تنتهي إلا برحيلهم وهذا يَبدو مستحيلاً.

قَوَّض السياسيون مؤسسات الدولة وأضعفوها لتكريس الزبائنية السياسية، سيطروا على القطاع المصرفي وورطوا مصرف لبنان في تمويل الفساد الذي يؤمن استمرار حكمهم. أشعلوا الغرائز الطائفية، قتلوا حِسَّ المُواطنة فتحول لبنان إلى محرقة للودائع إلى أن انكسرت الحلقة مع اندلاع الثورة وتوقّف التدفقات. حينما انكشفت لعبة السياسة وتظهَّرَت مَعَالمها، إتَّخذ الانهيار عناوين كثيرة أخفت أسبابه وجعلت من نتائجه مادةً للتداول والتناحر والعلاج. إنهار القطاع المصرفي وفقد الدولار من الأسواق تزامناً مع استشراس المضاربة على سوق القطع وغياب الدولة عن الحدود وفي الداخل. تخلَّف لبنان عن سداد ديونه السيادية وبات «متعثراً» دون أن يفاوض الدائنين. بدَّدَ مصرف لبنان احتياطاته من العملة الصعبة على الدعم وتمويل الفساد والفاسدين. تراجعت المؤشرات الاقتصادية كنتيجة لفشل السياسة في إدارة الماضي وفي رسم معالم المستقبل. غرق لبنان في «الركود التضخمي» وهي حالةٌ من الركود والتضخم المتزامن زادت من حِدَّتِها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي والغياب الكلي للرقابة والمحاسبة.

تكريس الإقتصاد النقدي

ساهَمَ انسداد الأفق السياسي وعدم الجدية في التفاوض مع صندوق النقد واستمرار عدم ضبط الحدود في تكريس الاقتصاد النقدي الذي يمنع تتبع حركة الأموال والكشف عن مصدرها. بالإضافة إلى مساوئه الكبيرة على مستوى سمعة لبنان وتصنيفه، يمنع الاقتصاد النقدي وعدم مرور العمليات عبر المصارف أي تحديث دقيق للمؤشرات الاقتصادية كما يُبقي ميزان المدفوعات وبالتالي الموازنة والسياسة الماليَّة خارج الخدمة. قد تكون بعض القطاعات قد سجَّلَت تحسُّناً ظرفياً أو مستداماً إلا أن العلم يستند إلى بيانات البلدان لاحتساب النمو وليس إلى ما يتسنى له جمعه من الدويلات والمزارع في كل بلد. لا يمكن اعتماد الأرقام المتداولة على أنها تعكس حقيقة واقع الاقتصاد. انطلاقاً من توصيفنا وتحليلنا لأسباب الأزمة، تحَسُّن المؤشرات الاقتصادية رهنٌ بإنجاز حلّ سياسي يُعيد لبنان دولة تَضُمُّ جميع ابنائها خلف راية القانون والعدالة والشرعية الواحدة. عندها فقط يمكن الكلام عن خطة اقتصادية وإعادة هيكلة للمصارف وسياسة مالية للدولة.

تحسّن المؤشرات يتطلب حلّاً سياسيّاً

تَحَسُّن المؤشرات الإقتصادية لَن يكون نتيجةً انطلاق عَجَلَة القطاعات الإنتاجية، بل نتيجة حلّ سياسي يؤمن استعادة الثقة بلبنان الدولة والمؤسسات والعدالة وينتج عنه استعادة الثقة بالقطاع المصرفي مما يعيد لبنان الى الخريطة الاستثماريَّة. لَم يَصِل لبنان إلى القعر بعد، فالقعر مرادف لتبدد الهوية والاسم والعلم. طريق الحلّ لا يزال سالكاً وإن أصبح أكثر وعورة مع مرور الوقت. لبنان بحاجة لانعطافة سياسية تأخذه نحو سطح الأرض. فيوم تنبأ أحدهم بجهنم كنا هناك بالفعل إلا أنه هو «لم يكن يعلم». الكلام اليوم ليس في الاقتصاد بل في السياسة وهي الخصم والحَكَم. إن لم تأت السياسة بحلّ فلن يكون هناك حلّ. علاج النتائج لن يَعدو كونه من قَبيل المُسَكّنات.

البداية لا بُدَّ أن تكون بملء الفراغ بنساء ورجال دولة في إطارعقد وطني يجمع اللبنانيين، كل اللبنانيين حول الدولة وإلا ستشبه المئوية الثانية سابقتها!

باتريسيا جلاد – نداء الوطن

Leave A Reply