عشرة أيام إنقضت على عملية طوفان الأقصى، والكيان الغاصب ما يزال تحت وقع الصدمة التي ألحقت به هزيمة مدوية على أيدي المقاومين الفلسطينيين، ولا يجد سوى القصف عن بعد والامعان في قتل المدنيين وتدمير المنازل على رؤوس ساكنيها، ما يؤكد أنه مأزوم ومهزوم وغير قادر على تحقيق أي إنجاز باستثناء إرتكاب المجازر وجرائم الحرب بشكل وحشي غير مسبوق.
حتى الاجتياح البري الذي هدد العدو الاسرائيلي باللجوء اليه لم ينفذه وهو قام بتأجيله بسبب الطقس بحسب ما أعلن، ما يدعو الى السخرية من الجيش الذي يعتبر نفسه “لا يقهر”، كيف ان بعض الأمطار من شأنها أن تعيق تحركاته.
لا شك في أن القدرات العسكرية العالية التي ما تزال تتمتع بها حركة المقاومة الاسلامية حماس في غزة والتي تترجمها يوميا بإطلاق صليات الصواريخ بإتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة وتحقق من خلالها إصابات مباشرة في صفوف العدو، هي التي تفرض على نتنياهو تأجيل الاجتياح البري، في ظل الخلاف القائم بين الحكومة والجيش حول هذه الخطوة والخوف من نتائجها الكارثية على الكيان، خصوصا ان من أعدّ لعملية طوفان الأقصى بهذه الحرفية وما يزال يمتلك زمام المبادرة بالرغم من كل الحصار الذي يفرضه العدو بالحديد والنار سيكون حتما مستعدا لمواجهة الاجتياح البري وإيقاع المزيد من الخسائر في صفوف الجيش الاسرائيلي.
وبالرغم من التهديدات اليومية التي يطلقها نتنياهو، إلا أنه يخشى من أي إخفاق جديد قد يتعرض له في الهجوم البري على غزة، كما حصل في عدوان ٢٠٠٦ على لبنان بما عرف حينها بمجزرة الميركافا التي نفذتها المقاومة الاسلامية، وهو يدرك اليوم ان معنويات جيشه في أسوأ أحوالها وانه قد يتعرض للانهيار أكثر فأكثر عند أي إنجاز جديد تحققه حماس في التصدي للاجتياح البري.
وفي نظرة الى الواقع الفلسطيني والاسرائيلي، يتبين أن المقاومة الفلسطينية ما تزال تمتلك الكثير من الأوراق العسكرية التي قد تفاجئ بها العدو، وانها تعيش في بيئتها وضمن حاضنة شعبية لم تبدل من قناعاتها وخياراتها المجازر الاسرائيلية والحصار المفروض بقطع الماء والكهرباء، خصوصا أن الغزاويين إعتادوا على هذا الحصار المفروض عليهم منذ ١٧ عاما.
في المقابل يضع نتنياهو أربعة أهداف لعدوانه على غزة هي: القضاء على حركة حماس، تحرير الأسرى، استعادة قوة الردع للجيش الإسرائيلي، وإستعادة ثقة المستوطنين بالمؤسستين الأمنية والعسكرية الاسرائيليتين.
وبالرغم من مرور عشرة أيام على العدوان، فإن نتنياهو لم يحقق أي من هذه الأهداف، التي تبدو بعيدة المنال في ظل لعبة عض الأصابع التي لن تكون لمصلحته، إنطلاقا من الضغوط الداخلية التي يتعرض لها، لجهة التظاهرات اليومية المطالبة بإسقاطه والتي تصفه بالفاشل، تحرك أهالي الأسرى للافراج عن أبنائهم العسكريين والمدنيين المحتجزين لدى حماس ما يسقط قانون “هانيبال” الذي لوحت الحكومة بإعتماده في الاجتياح البري، ذهاب نتنياهو الى غلاف غزة ورفض عناصر من الجيش استقباله فاستعاض عن ذلك بلقاء مع بعض المجندين، الوضع الاقتصادي الصعب داخل الكيان وتعطل كل مؤسساته سواء بعدم وجود من هو قادر على تشغيلها بدعوة الاحتياط الذي يشكل القوة العاملة أيضا، وبفعل القصف اليومي من المقاومة الفلسطينية الذي يشل الحركة وكل المرافق بما في ذلك مطار بن غوريون، إضافة الى الاستنزاف الذي تتسبب فيه المقاومة الاسلامية في لبنان نتيجة المواجهات الجارية على الحدود اللبنانية الفلسطينية والاصابات المباشرة التي يحققها المقاومون.
هذا الواقع، يدفع نتنياهو للجوء الى الدول الداعمة له لإرسال مبعوثيها الى لبنان للحؤول دون فتح جبهة الجنوب اللبناني والتحذير من عواقب ذلك، علما ان وزير خارجيته أكد ان اسرائيل لا تريد تحريك جبهة الشمال مع لبنان.
كل ذلك، يؤكد بما لا يقبل الشك أن لا خيار لدى العدو الاسرائيلي سوى الرضوخ للمفاوضات التي تعمل عليها دول المنطقة بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية التي تخشى أيضا على أسراها الأميركيين، وتسعى الى مقايضة” حماس” لإطلاقهم مقابل الممرات الآمنة وإدخال المساعدات، في حين تتمسك “حماس” بموقفها لجهة أن “لا مفاوضات إلا بعد وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات”، وبالتالي فإن الأميركي المأزوم أيضا بعدم تحقيق العدو أي إنجاز قد يضطر الى تجاوز ذلك، والذهاب نحو الحلول السلمية.
غسان ريفي – سفير الشمال