في حال اتّساع الحرب الإسرائيلية نحو لبنان، لن تكون المشكلة في توافر الكميات من السلع الأساسية، بل في توزيعها، فوفقاً للمعطيات، عمد في الأيام الماضية عدد من المستوردين والتجّار، إلى نقل مخزوناتهم من أماكن يعتقدون أنها أكثر خطراً، لإفراغها في مستودعات يعتقدون أنها أكثر أمناً. في المقابل، يعتقد تجار آخرون، أنه في حال اتساع الحرب نحو لبنان، ستصبح المشكلة في توزيع الكميات وبيعها بسبب مخاطر متصلة برقعة الحرب ووتيرتها. وما يثير المخاوف أيضاً أن التجّار سيبقون تجاراً وسيسعون إلى تحقيق أقصى قدر ممكن من الأرباح على ظهر الحرب.
90 مليون ليتر
هي كمية مادة البنزين المتوافرة في خزانات الشركات المستوردة بحسب أرقام مصدرها الجمارك اللبنانية، علماً أن الاستهلاك اليومي الأقصى يصل إلى 7 ملايين ليتر
حالياً، لدى لبنان مخزونات مهمّة من المواد الأساسية، باستثناء الأدوية وحليب الأطفال. يقول المدير العام للاقتصاد محمد بوحيدر، إنه بنتيجة الاجتماعات مع التجّار والمستوردين، ولا سيما أن هناك نحو 10 شركات تستحوذ على حصّة سوقية تصل إلى 70% من واردات 27 سلعة تصنّف أساسية وفقاً لبرنامج الغذاء العالمي، تبيّن أن مخزون هذه السلع يكفي لنحو سبعة أشهر، ولكن بما أن الطلب الاستهلاكي زاد في هذه المدة بنسبة 35%، فإنه يمكن عدّ أن المخزون في لبنان يكفي لما بين ثلاثة وخمسة أشهر كحدّ أقصى. ويشير بوحيدر إلى أنه التقى مستوردي المشتقات النفطية وأبلغوه بأن الكمية المتوافرة لديهم تكفي نحو 20 يوماً من بنزين ومازوت وغاز، ولكن ما يفعله بوحيدر لا يشمل حليب الأطفال والأدوية. المشكلة في هاتين السلعتين أن الشركات لم تعد تستورد كميات كبيرة كما في السابق بسبب شحّ التمويل، إذ إنها كانت تحصل على تمويل مدعوم بالعملة الأجنبية من حقوق السحب الخاصة، وهذا ما دفعها إلى تقليص وارداتها تبعاً لكمية التمويل.
أما بالنسبة إلى القمح، فإن الكميات المتوافرة لدى لبنان، وفقاً لرئيس نقابة المطاحن أحمد حطيط، تكفي نحو شهرين في إطار الاستهلاك العادي، أما في حالات الأزمات وحصول هجمات مستهلكين، فقد تتقلّص إلى نحو شهر.
إذاً، قد لا يبدو الوضع مأساوياً على هذا الصعيد، ولكن المشكلة لا تكمن في الكميات المتوافرة، بل هي ترتبط بصورة أساسية أيضاً بمسائل مثل التخزين والتوزيع والتمويل.
مخزون المواد الأساسية يكفي خمسة أشهر وكميات القمح تكفي شهرين
مسألة التمويل مهمّة في حال لم يحدث حصار يعطّل وصول بواخر الشحن والمطار والمرفأ، إذ إن لبنان يفتقد وسط الأزمة النقدية والمصرفية وجود مصارف قادرة على تأمين التمويل لفتح اعتمادات الاستيراد، وبالتالي بات على المستوردين الاعتماد على جمع النقد الكاش بالعملة الأجنبية والدفع المسبق لثمن الشحنة المستوردة. بهذا المعنى، تضعف قدرة الاستيراد وتتقلص الكميات المستوردة. على سبيل المثال، يقول رئيس تجمع مستوردي النفط مارون شماس، إن الكميات المتوافرة في خزانات الشركات من مادتي البنزين والمازوت تساوي 200 مليون دولار، بينما هناك بواخر آتية أو شحنات تُحمّل بقيمة إجمالية تبلغ 200 مليون دولار أيضاً، أي ما مجموعه 400 مليون دولار من القدرة الرأسمالية، خلافاً لما كان عليه الحال في السابق حين كانت القدرة الرأسمالية تُراوح بين 800 مليون دولار ومليار دولار.
لذا، يشير إلى أن «الإمكانات مرتبطة بالوضع الاقتصادي العام الذي نعرف جميعاً كيف هو عليه الآن».
65 مليون ليتر
هي كمية مادة المازوت المتوافرة في خزانات الشركات المستوردة بحسب أرقام مصدرها الجمارك اللبنانية، علماً أن الاستهلاك اليومي الأقصى يصل إلى 4 ملايين ليتر
كذلك يعتقد رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي، أنه يجب ألّا ننشغل كثيراً في مسألة المخزون، بل في مسائل التوريد والتوزيع. «لدينا بضائع كافية وأكثر مما تتصوّرون»، لكن حدوث الحصار سيمنع الاستيراد، وخريطة الحرب ستحدّد جغرافية التوزيع، أي إن «واقع الأرض هو ما سيحكم عملية توزيع البضائع والسلع».
حتى الآن، «لم تنقطع أي سلعة»، يقول بوحيدر، مشيراً إلى أنه يعمل منذ الإثنين الماضي على متابعة أوضاع السوق، «لكن لا يمكن منح التجّار الأمان، والتجارب السابقة معهم ليست مشجعة». ويضيف إن المشكلة التي طرأت حتى الآن تتعلق بأكلاف الشحن وبوالص التأمين على الشحنات الجديدة الواصلة، إذ إنه مع تصاعد المخاطر في منطقة الشرق الأوسط، بدأت ترتفع أكلاف بوالص التأمين على الشحنات الواردة إلى لبنان، وأن هذا الأمر «يوجب تحديد الأسعار لجهة الفصل بين الكميات المتوافرة في السوق، وبين تلك التي ستأتي لاحقاً، لذلك طلبت من المرفأ تحديد الشحنات الجديدة التي ستأتي من أجل منع التجّار من التلاعب بالأسعار وتحقيق أرباح إضافية على ظهر الأزمة».
محمد وهبة – الأخبار