الجمعة, نوفمبر 22
Banner

الضهيرة ومستوطنة الجرادي: سلخ عرب العرامشة بين لبنان وفلسطين

حسين سعد –

منذ الثلاثاء الماضي، في العاشر من تشرين الأول، صار إسم بلدة “الضهيرة” الوادعة في أقصى قضاء صور، متداولاً في وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية، بعد العملية التي نفذها مقاتلون من سرايا القدس، إنطلاقاً من أرضها، نحو مستوطنة “جرادي” شقيقة الضهيرة في النسب، وقبل ذلك في الجغرافيا.

عاشت هذه البلدة، التي يقارب عدد أبنائها، الثلاثة آلاف نسمة، ونزح أهلها جميعاً بفعل القصف المتواصل عليها، محطات عديدة، باعدت بين أهلها قسراً.

كانت المرة الأولى عند رسم فرنسا وبريطانيا لحدود منطقة الهلال الخصيب، وما يعرف باتفاقية سايكس بيكو السرية العام 1916، وما تبعها من اتفاق، أو خط بوليه – نيوكومب، الذي يعرف أيضًا باسم الاتفاقيات الحدودية البريطانية الفرنسية التي وقعت بين 1920 و1923. وبعد إحتلال فلسطين العام 1948 عاشت البلدة التجربة المرّة مجدداً.

تفرّق أبناء العشيرة الواحدة، وهي عشيرة عرب “العرامشة” التي يعود أصلها إلى العراق، والمحصور تواجدها على مستوى لبنان في هذه البلدة، المحاطة بقرى من عشيرة عرب “القليطات والخريشات”. وهذه القرى هي يارين، مروحين – أم التوت، الزلوطية، والبستان، تتبع جميعها جغرافياً وإدارياً لقضاء صور.

تقسيم البلدة و…مدافنها

في فترة الاحتلال الاسرائيلي للجنوب (1978- 2000) بقي أبناء عشيرة عرب العرامشة، في فلسطين ولبنان على تواصل دائم، يشاركون بعضهم في الأفراح والاتراح، وحتى دفن موتاهم من مستوطنة “جرداي”.

في مقبرة الضهيرة، الواقعة مباشرة عند السياج الحدودي بين لبنان وفلسطين، “الخط الأزرق”، وبعد الانسحاب عام ألفين وترسيم الخط الأزرق، غاب هذا التواصل، ولو باستراق النظر، على الرغم من أن المسافة الفاصلة بين تل جرداي ومنازل الضهيرة، لا تبعد سوى عشرات الأمتار. وقد عمدت إسرائيل إلى أبعاد ونقل عرامشة جرداي، إلى إدمت وعربين، فأطلقت على المنطقة(مزرعة العرامشة) البعيدة عن جرادي، التي أصبحت منطقة عسكرية. ولم تنفع تحركات الأهالي والتظاهر مقابل الضهيرة، في ثني الاحتلال عن هذا الاجراء. وينتمي هؤلاء الأهالي إلى عائلات، سويدان، مزعل، مغيص، خليفة وحنين، ولهذا العائلات أقارب ومصاهرة مع أهالي الضهيرة.

لم تنس لطيفة المغيص، التي تزوجت قبل أكثر من 67 عاماً من إبن عشيرتها من آل أبو ساري، أشقاءها وشقيقاتها وأولادهم وأحفادهم، المتواجدين في الداخل الفلسطيني، لكن المغيص (86 عاماً)، التي ذاقت طعم النزوح يوم الثلاثاء مجدداً من بلدتها الضهيرة، تكمل حياتها بعيداً عن باقي أفراد عائلتها، التي كانت مؤلفة من والديها و12 فرداً من بينهم تسعة شقيقات وثلاث أشقاء، متبلسمة بأبناء عشيرتها، الذين إذا إشتكى فرد منهم تداعى الآخرون، متمنية أن ترى وجوه أحبتها مجدداً قبل الرحيل عن هذه الدنيا.

زهرة خليفة (من اليمين)، التي توفيت منذ ثلاث سنوات ولطفية المغيص من جرداي،

تزوجتا من عشيرة العرامشة في الضهيرة

صلاح خليفة، (82 عاماً)، إبن جرادي، ترك هو الآخر أهله في فلسطين، أثناء النكبة في العام 1948، ولجأ مع عمه إلى الضهيرة، وتزوج فيها لاحقاً، وأنجب عشرة من الأولاد، وما يزال يحن إلى والديه اللذين توفيا بعيداً عن عينيه داخل فلسطين.

يتحدث الرئيس السابق لبلدية الضهيرة فايز الدرويش عن جذور عشيرة عرب العرامشة في البلدة. يقول لـ”المدن” إن “أصول عشيرة عرب العرامشة في بلدة الضهيرة، يعود إلى العراق، وهي واحدة من العشائر العربية البدوية الكبيرة، والمعروفة على إمتداد العراق وأيضاً في فلسطين”، مشيراً إلى أن عرامشة فلسطين ولبنان، قد جاؤوا من العراق قبل أكثر من ثلاثمئة عام.

وقال: “سابقاً كان هناك مقبرة مشتركة لأهالي الضهيرة في لبنان وجرداي في فلسطين، لكن الاحتلال الاسرائيلي قسمها إلى قسمين أواخر الخمسينيات، وبات القسم الأكبر منها الذي يضم رفات أعداد كبيرة من أهالي البلدة، في الجانب الفلسطيني المحتل”.

العمل الفدائي والانتقام

قدمت بلدة الضهيرة الشهداء، في سبيل قضية فلسطين، فانخرط الكثير من أبنائها في العمل الفدائي، وقد دفعت ولا تزال ثمن ذلك دمأ. ولا يغيب عن ذاكرة أبناء البلدة المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل في أواخر سبعينيات القرن الماضي بحق عائلة أحمد حسن أبو ساري، الذي استشهدت زوجته ذيبة فنش ووالدته وأربعة من أولاده وأحد أبناء يارين، فيما نجا أبو ساري من هذه المجزرة، والتي تمثلت بتفجير المنزل من قبل قوة كومندوس اسرائيلية انتقامًا من مقاومة أحمد أبو ساري ورفاقه للاحتلال الاسرائيلي في فلسطين.

المدن

Leave A Reply