ليس للمحارب الحق المطلق في استعمال وسائل القتال، وإنما قيّد القانون الدولي ذلك في منعه من استعمال بعض الأسلحة خلال العمليات العسكرية، وعند وجود قاعدة قانونية تحظّر استعمال نوع معيّن من الأسلحة يجب أن تكون هذه القاعدة واجبة التطبيق.
يعود مبدأ حظر استخدام الأسلحة التي تؤدي إلى التسبب بأضرار مادية أو آلام جسدية كبيرة إلى بعض العهود القديمة، ولا يعتبر حديث النشأة والظهور، فقد راعى اليونانيون والرومان القدماء حظر استخدام السم والأسلحة السامة، كما حظّر قانون “مانو” للحرب في الهند استخدام مثل هذه الأسلحة، وفي العصر الاسلامي بحث العديد من الفقهاء أنواعاً حديثة من الأسلحة لم تكن معروفة من قبل كالسهام المسمومة والمنجنيق، وحظَّروا استخدامها استناداً إلى التعاليم الاسلامية التي تمنع الاسراف في القتل، إلى أن تم تقنين هذا الحظر في اتفاقية لاهاي للعام 1907، التي ورد في المادة (22) منها “أن حق المتحاربين في اختيار وسائل إلحاق الضرر بالعدو ليس بالحق المطلق”. وجاء في المادة (23) المبدأ الذي يحظر استخدام أسلحة أو قذائف أو مواد يتوقع أن تسبب معاناة لا موجب لها”.
وتعود نشأة قاعدة المعاناة التي لا موجب لها إلى إعلان سان بطرسبورغ لعام 1868 المنعقد بناء على دعوة الحكومة الروسية، الذي حظَّر استخدام قذائف متفجرة أو حارقة تزن أربعمائة غرام أو أقل، نتيجة لما تحدثه من إصابات بالغة الخطورة في الضحايا، وقد اقتصر الحظر على استخدام هذه القذائف في البر والبحر ولم يشمل السلاح الجوي الذي لم يكن شائع الاستعمال وقت إقرار هذا التصريح، وقد تأيّد هذا التحريم في اتفاقيات لاهاي سنة 1899 و 1907.
وواصل مؤتمر لاهاي الأول للسلام 1899 العمل الذي بدأه إعلان سان بطرسبورغ، واعتمد إعلاناً يحظر استخدام نوع آخر حديث النشأة من الأعيرة النارية يسمّى برصاص “دمدم” الذي كان يتمدد أو يتفلطح بسهولة في جسم الانسان وقادر على إحداث إصابات تماثل في خطورتها تلك التي تحدثها المقذوفات الخفيفة المحظورة عام 1868.
كما حرَّم إعلان لاهاي لسنة 1899 الأسلحة الكيماوية، التي هي عبارة عن الأسلحة التي يتم تصنيعها من مواد كيماوية وتكون لها خاصية التسميم والقتل مثل الغازات الخانقة وغاز الأعصاب الذي يؤدي إلى شلل الأعصاب، وفي ذات السياق انعقد في جنيف عام 1925 مؤتمراً تم بموجبه اعتماد بروتوكول خاص بحظر الغازات الخانقة والسامة وغيرها من الغازات والوسائل الجرثومية، ويقصد بالسلاح الجرثومي ذلك السلاح الذي يلجأ فيه المقاتلون إلى استخدام قذائف تحتوي على جرثومات أو ميكروبات تحمل أمراضاً خطيرة تقذف على الهدف المراد إصابته.
وشهدت الفترة اللاحقة لاعتماد بروتوكولي 1977 تطورات بخصوص بعض المستجدات في مجال الأسلحة التقليدية، فتم عقد اتفاقية الأمم المتحدة بشأن حظر أو تقييد استخدام أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر وذلك في العام 1980 وأرفق بها ثلاثة بروتوكولات البروتوكول الأول بشأن “الشظايا التي لا يمكن الكشف عنها”، والبروتوكول الثاني بشأن “حظر أو تقييد استخدام الألغام والشراك ونبائط أخرى” والبروتوكول الثالث بشأن “حظر أو تقييد الأسلحة الحارقة”.
وإذا ما نظرنا الى مسألة استخدام الأسلحة سنلاحظ ان القانون الدولي حرّم أسلحة محددة وقيّد استعمال أسلحة أخرى، وبالتالي لا بد من التمييز بين نوعين من الأسلحة: الأسلحة المقيّدة والأسلحة المحظورة.
النوع الأول: الأسلحة المقيّدة
عندما نتحدث عن أسلحة مقيّدة اثناء الحرب يعني ذلك أن استخدام السلاح مباح في الأصل وانما يرد شروط خاصة باستخدامه يجب التقيّد بها، أو أنه يجوز استخدامه في العمليات العسكرية ضد الأهداف العسكرية فقط دون الأهداف المدنية أو المدنيين، ومن الأمثلة على ذلك البروتوكول الثاني الملحق باتفاقيات جنيف 1980 المتعلق بحظر او تقييد استخدام الألغام والأشراك والنبائط الأخرى، بحيث يقيّد استخدام الألغام البرية او الأشراك الخداعية في المدن والقرى التي لا يجوز فيها القتال او يتوقع حدوثه، بينما نجد انه اباح استخدامها ضد الأهداف العسكرية، وفي هذا السياق يعتبر الدكتور أمين حطيط بأنه” يتغير توصيف السلاح بتغير وجهة استعماله فقد يكون مسموحاً في وجهة ثم يصبح محرماً في وجهة أخرى”، ويعطي مثالاً على ذلك الفوسفور الذي يكون استعماله مباحاً بقصد انتاج ستار دخاني يحجب الحركة ويستعمل وسيلة وقاية من مراقبة العدو، غير أنه يصبح محرماً اذا استخدم من أجل التسميم والحريق والإختناق، خاصة في حال استخدامه ضد المدنيين أو ضد اهداف عسكرية قريبة من المناطق المأهولة بالمدنيين.
– النوع الثاني: الأسلحة المحظورة
هي عبارة عن الأسلحة المحظورة بشكل تام بقوة النص القانوني، ويحظّر استعمالها بشكل مطلق وفي كل الأحوال، وورد حظر بعض انواع الأسلحة في العديد من الإتفاقيات التي أشرنا اليها في الفقرة الأولى عند الحديث عن استعمال الأسلحة المحرّمة دولياً وفقاً للاتفاقيات الدولية.
والسلاح المحظور استعماله بموجب الإتفاقيات الدولية هو” كل ذخيرة أو سلاح يقذف ذخيرة يؤدي استعمالها الى القتل العشوائي دون تمييز بين مدني وعسكري أو الى إحداث مفاعيل متراخية في الزمن، أي يستمر مفعولها مؤثراً على البشر والطبيعة بعد توقف الحرب، لأن الهدف الرئيسي من الحرب الإنتصار على العدو من خلال اضعاف قدراته العسكرية وكسر ارادته القتالية، وعند تحقق هذا الأمر يكون من الواجب وقف استعمال السلاح، دون استمرارية مفاعيل استعماله، كما حدث عند استخدام قوات الإحتلال الأميركي في العراق لبعض الأسلحة كالقنابل العنقودية واسلحة اليورانيوم المنضب والأسلحة الخارقة للمخابئ والألغام والذخائر التي استمرت مخاطرها على الصحة لزمن طويل بعد انتهاء الحرب.
ومن الأمثلة على الأسلحة المحظورة-المحرّمة دولياً:الأسلحة الجرثومية- الأسلحة الكيماوية- الأسلحة التي تحدث حروقاً أو ندوباً يصعب شفاؤها-الأسلحة التي تحدث آلاماً مفرطة للمقاتلين_ الأسلحة العشوائية التي لا تميز بين المدنيين والعسكريين- قذيفة دايم-الأسلحة السامة- رصاص دمدم- الأسلحة القابلة للإنفجار في جسم الإنسان- أسلحة الليزر التي تسبب العمى وغيرها.
لذلك سبق للعدو الإسرائيلي أن استخدم في عدوان تموز عام 2006، وفي عملياته العسكرية الحالية ضد المناطق والقرى في جنوب لبنان،الفوسفور الأبيض وهو سلاح يحترق ويحدث دخاناً كثيفاً ومسموح استخدامه لحجب رؤية جنود العدو، أما في حال استخدم ضد المدنيين فإنه يحدث حروقاً ويؤدي الى الإختناق والتسمم، وفي هذه الحالة يصبح سلاحاً حارقاً محرّماً، ذلك أن السلاح الحارق عندما ينفجر تتطاير أجزاء منه تلتصق بجسم الإنسان وتسبب له حروقاً عميقة ذات آلام مبرحة تؤدي الى تشويه العضو المصاب أو بتره. نذكر في هذا السياق أن احد ضباط العدو اعترف باستخدام هذا السلاح خلال عدوان تموز 2006، كما وثّق تقرير وضعه ضباط في اليونيفل استخدام الفوسفور الأبيض في بلدة مروحين بتاريخ 16/7/2006، كما تم استخدامه في عيتا الشعب ومارون الراس بتاريخ 25/7/2006.