تشهد الأسواق اللبنانية إقبالاً ملحوظاً على تخزين المواد الغذائية الأساسية، حيث يتخوف المواطنون من توسع رقعة المواجهات على الحدود الجنوبية والانزلاق نحو الأسوأ، لتشمل مناطق جديدة في بيروت والبقاع وجبل لبنان، أو حتى خشية من وقوع حصار طويل الأمد، مستحضرين تجربة قطاع غزة.
ما يجري حاضراً ليس بالجديد على اللبناني، فقد بات سلوكاً روتينياً، سبق أن لجأ إليه في محاولة منه للحد من وطأة الأزمات المتكررة، مسترجعاً محطات من ذاكرة الحرب الأهلية التي كانت شديدة الوطأة عليه وعلى عائلته.
في داخل أحد متاجر السوبرماركت، تنتقل السيدة هناء من واجهة إلى أخرى لشراء مجموعة من السلع الضرورية لتعزيز صمود الأسرة، وتشير إلى أن تركيزها ينصب على الحبوب لأنها لا تفسد سريعاً، والحليب بوصفه حاجة لكل أفراد العائلة، “في ظل الأزمات لا بد للعائلة أن تحتاط، وتؤمن الحد الأدنى للحاجات لمدة لا تقل عن فترة شهر”.
أما شادي الشاب الثلاثيني، فيقدم نموذجاً آخر، فهو منحدر من إحدى المناطق الجردية في شمال لبنان، ويخطط في حال نشوب أي نزاع مسلح للعودة إلى الجبل، فهو يعتقد أن “المناطق الجبلية ستكون آمنة، كما يمكن أن يحصل على الغذاء بسهولة أكبر”. ويقول شادي “العائلة معتادة على إعداد المؤن الشتوية، حيث تحضر والدتي كميات من المكدوس والكشك كافية لإطعام العائلة لمدة تزيد على أربعة أشهر”. من هنا، انصب اهتمامه على أمور أخرى ضرورية من وجهة نظره، فقد اشترى 30 علبة من التنباك. في المقابل، يحاول البعض أن يحظى بفرصة للدفء، فيضع تخزين الحطب والمازوت في رأس قائمة الأولويات، وكذلك ملء جرة غاز منزلي إضافية من أجل تجنب انقطاعه.
من جهته، أكد وزير الاقتصاد أمين سلام خلال مؤتمر صحافي “انتشار سلوك التخزين في مناطق بيروت وجبل لبنان”، مؤكداً أن “لدى لبنان مخزوناً من المواد الغذائية، يكفي لمدة شهرين على أقل تقدير في حال لم نقع في التخزين المفرط”.
الدواء ومنع الاحتكار
الدواء لا يقل أهمية عن الغذاء، وتجربة عامي 2021-2022 حاضرة في أذهان اللبنانيين عندما عاشوا تجربة شديدة الصعوبة، في مواجهة انقطاع الدواء من الصيدليات. اليوم، ينقسم اللبنانيون بين شريحتين، الأولى تحاول شراء بعض الأدوية الضرورية، التي يحتمل أن تحتاجها العائلة بصورة متكررة، على غرار بعض الأدوية المسكنة وتلك التي تقي الرشح ونزلات البرد ومراهم الحروق، وفي الكفة الثانية، هناك المصابون بالأمراض المزمنة والمستعصية. وتكشف إحدى السيدات أنها “حصلت على جرعتين من دوائها المزمن وذلك بصورة وقائية خشية انقطاعه”. ويؤكد عديد من الصيادلة أن “هذا الأمر شائع، ولكنه ازداد أخيراً، حين يطالب بعض المرضى بتأمين قائمة أدويتهم لشهر إضافي، وهذا أمر مشروع في الظروف الراهنة”.
من جهتها نبهت نقابة الصيادلة من خطورة التخزين، وطالبت الصيادلة بترشيد صرف الدواء، ويوضح النقيب جو سلوم عبر “اندبندنت عربية” الأسباب الدافعة لهذا الموقف التحذيري ذات الطابع الاستباقي، إذ “يعيش لبنان في خضم أزمة، وهناك طلب متزايد على الدواء، ولكن لا يمكننا أن ننسى تجربة 2021-2022 التي ما زالت ماثلة أمامنا، وكيفية التعاطي مع الأدوية التي تدعمها الدولة”. ويذكر سلوم “شهدنا تخزيناً للأدوية على مستوى المريض والصيدلاني وشبكات التهريب، وصولاً إلى تلفها بعد نهاية صلاحيتها، وهو أمر أدى إلى حرمان مستحقيها منها”. ناهيك عن “تسلل النافذين وشبكات التهريب إلى السوق من أجل شرائها وتجميعها، تمهيداً لتهريبها إلى الخارج” حسب سلوم.
يلفت جو سلوم إلى خطوة تحريك التفتيش الصيدلي من أجل ترشيد صرف الدواء، وتأمين وصوله إلى أكبر قدر من المرضى، ولأطول فترة ممكنة، ويعقب سلوم على نظام التتبع الإلكتروني للأدوية السرطانية المزمنة وتلك المدعومة، الذي أطلقته وزارة الصحة منذ نحو عام، إذ يشير إلى أن “صعوبة في تطبيق النظام لأن إمكانات الصيدليات محدودة، ولا تتوافر أنظمة رقمية وبرمجة أو إنترنت لدى كثير منها، من هنا التعويل على عمل التفتيش والضمير المهني للصيدلي”.
يتطرق النقيب سلوم إلى معاناة الصيادلة مع شركات الأدوية في مجالات التوريد والتسليم والمرتجعات، فيما يبقى السؤال عن فاعلية التفتيش الصيدلي والعقوبات الممكن إنزالها بالمخالفين والفاعلين في السوق السوداء، ويقول سلوم “صلاحيات النقابة محدودة بالمنتسبين الصيادلة، وليست لها سلطة على المستودعات أو المهربين، لذلك لجأت إلى طلب المساندة من النيابة العامة المالية، وجهاز أمن الدولة من أجل كبح المخالفات والحفاظ على حق المواطن في الدواء”، معبراً عن أسفه لأن “كثيراً من مرضى السرطان لا يحصلون على الدواء الخاص بهم، أو أنهم يجدونه بصورة متقطعة، الأمر الذي ينعكس سلباً على صحتهم وعلاجهم”.
المحروقات وزيادة الكلفة
كما شهد لبنان زيادة في الطلب على المحروقات والغاز، في وقت الذي تزداد محاولات الطمأنة إلى انتظام عمليات التوريد، والتخفيف من احتمالات غيابه عن الأسواق. ويعزو فادي أبو شقرا ممثل موزعي المحروقات في لبنان زيادة الطلب إلى سببين، فمن جهة “يشهد لبنان في مثل هذه الفترة من العام زيادة في الطلب على المحروقات وتحديداً المازوت للتدفئة”، ولكن في المقابل “لا يمكن التقليل من تأثير المخاوف الأمنية في اللبناني، وهذا من الأمور الخارجة عن إرادة الوزارة والموزعين والشركات على رغم الاحتياطات المتخذة”. ويطالب عبر “اندبندنت عربية” بـ “ضرورة عدم إثارة الذعر بين اللبنانيين”، لأن عمليات الاستيراد منتظمة، ولم تتأثر لغاية الآن بالتوترات الحالية في المنطقة، إضافة إلى وجود بواخر آتية نحو لبنان، محملة بكميات كافية لاستمرار القطاع.
يقر أبو شقرا بزيادة كلفة استيراد المواد النفطية من الخارج، ذلك أن لبنان ليس بالبلد المنتج لها، فقد طالبت الشركات الموردة في الخارج بزيادة التأمين بسبب ارتفاع الأخطار ووقوع لبنان في منطقة التوترات.
يحذر فادي أبو شقرا من خطورة تخزين البنزين، لأنه “بمثابة قنبلة موقوتة في المنازل، وضمن التجمعات السكنية” والاكتفاء بما تؤمنه محطات المحروقات الرسمية، منوهاً إلى تراجع الطلب على المحروقات في لبنان بنسبة 40 في المئة بسبب النزوح ومغادرة المغتربين.
بشير مصطفى صحافي – اندبندنت عربية