مع استمرار الحرب «المفتوحة» على قطاع غزة و«المقيدة» على الحدود الجنوبية، تكثر التكهنات حول نيّات «حزب الله» المتسلّح بغموض يُقلق العدو ويحيّر الصديق.
وسط احتجاب الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله عن الاطلالة الخطابية، منذ بدء العدوان على غزة، انشغلت الاوساط الإسرائيلية بالصورة الثلاثية الأبعاد التي جَمعته مع الامين العام لحركة الجهاد الاسلامي زياد نخالة ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، لِما انطوت عليه من دلالات في لحظة احتدام المواجهة في غزة وعلى الحدود الجنوبية.
وبَدت الصورة، المنشورة عن سابق تصور وتصميم، أشبه بصاروخ اعلامي – نفسي «دقيق» انطلق من مكان ما في الضاحية الجنوبية، وذلك في خضمّ حربٍ تُخاض في جانب اساسي منها عبر جبهة «الميديا» التي يحاول الكيان الاسرائيلي أن يَستحوذ عليها منذ وقوع عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول.
وأكد العاروري لاحقاً «ان ليست كل اللقاءات مع قيادة الحزب معلنة وقد سبق أن التقينا بالسيد نصرالله في اليوم الأول للمعركة، «ما يؤشّر إلى أنّ نشر صورة اللقاء الأخير كان مقصوداً لإيصال رسالة تحذير بالبريد السريع الى تل أبيب، بل لعل تلك الصورة كانت تُعادل من حيث الأهمية والمعنى مضمون الاجتماع نفسه، ضمن مقتضيات الحرب النفسية والميدانية، على حد سواء.
وترافق الاعلان عن اللقاء بين اطراف محور المقاومة مع تسريب رسالة خَطّها «السيد» بيده وطلب فيها تسمية شهداء الحزب في المواجهات على الحدود مع فلسطين المحتلة بـ»شهداء على طريق القدس».
ولئن كان بمقدور «السيد» توزيع هذا التعميم على أجهزة الحزب عبر أشكال أخرى، الا انّ اختياره اعتماد صيغة الرسالة التي كتبها بنفسه، يعطي مضمونها من جهة بُعداً وازناً يتجاوز الإطار الاجرائي التقليدي الى تحديد هوية المعركة التي يخوضها مقاتلو الحزب ومعنى تضحياتهم، ويعكس من جهة أخرى أريحيته في ادارة كل تفاصيل المواجهة الحالية على رغم مخاطر المرحلة وضغوطها.
الى جانب هذه الاطلالات الجزئية والمدروسة، وعلى رغم انشغاله بتفاصيل حرب غزة ومعركة الحدود الجنوبية، خصّص السيد نصرالله نحو 20 دقيقة لنقاش هاتفي عبر الخط الداخلي الآمن مع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الذي كان قد تمنّى التواصل معه في إطار مبادرته الاخيرة لتحصين الوضع اللبناني والتي قادته الى زيارة القيادات السياسية.
ويؤشّر هذا الاتصال الى انّ السيد نصرالله يولي الجبهة الداخلية وضرورة تحصينها جزءاً أساسياً من اهتمامه، وهو يضعها في حساباته الاستراتيجية عند درس الخيارات الممكنة في مواجهة تحدي العدوان على قطاع غزة ولبنان.
وبالنسبة الى حرب الاستنزاف التي جَرّت المقاومة الاسرائيلي اليها جنوباً، يؤكد المطّلعون انّ الحزب لم يستخدم في المواجهات الحدودية حتى الآن سوى واحد بالمئة من قدراته، وهو لم يكشف بعد أوراقه القوية التي تعجّ بها جعبته، في انتظار التوقيت المناسب المرتبط حصراً بمجريات التطورات الميدانية واحتمال التدحرج نحو الحرب الكبرى.
ويلفت هؤلاء الى انّ القتال يدور حالياً على «الحافة الأمامية» حيث يطلق مقاتلو الحزب الصواريخ الموجّهة نحو مواقع الاحتلال الإسرائيلي المنتشرة على طول الواجهة الحدودية، مشيرين الى ان المقاومين يخاطرون بأنفسهم ويُطلِقون صواريخهم من أماكن متقدمة ومكشوفة، ما يفسّر عدد الشهداء المرتفع، ولو انهم يتراجعون قليلاً الى الخلف لكان بإمكانهم التمويه والاحتماء، لكنهم لا يفعلون حرصاً على حماية البلدات الجنوبية من ردود فعل الاحتلال.
ويلفت العارفون الى ان المقاومة تتدرّج في استعمال اسلحتها وخياراتها، آخذة في الحسبان انّ الحرب قد تطول ولا يجب حرق المراحل.
عماد مرمل – الجمهورية