الجمعة, نوفمبر 22
Banner

“الفرانشايز” في لبنان تدفع ثمن سياسة مانح الامتياز الأجنبي

ليست المرة الأولى التي تتعرّض فيها مؤسّسات وشركات لبنانية تحمل علامات تجارية أجنبية لاعتداءات وممارسات عنفية كلما تعكّرت الأوضاع سياسياً أو أمنياً أو عسكرياً في لبنان والعالم العربي.

آخر هذه المشاهد ما تعرّض له “ستاربكس” و”ماكدونالدز” من اعتداءات وتكسير في بعض المناطق على خلفية تصاعد وتيرة الحرب على غزة، واتهام العلامتين التجاريتين في بلد المنشأ بدعم إسرائيل مادياً ومعنوياً.

ما بين الغضب والاستنكار من جهة، والعلامات التجارية “الغربية” في غالبيتها من جهة أخرى، يدفع المستثمر اللبناني، الذي لا يزال بالرغم من الانهيار الاقتصادي وسقوط الليرة، صامداً في البلد ومراهناً على تبدّل ظروف العمل فيه، آملاً عودة الاقتصاد والليرة والنموّ إلى سابق عهدها.

تهدّد هذه الممارسات العنفية، بسقوط الثقة كلياً بالأسواق اللبنانية والاستثمار فيها، وهو ما لا يحتاج إليه أبداً الاقتصاد في هذه الظروف الصعبة، وكذلك تهدّد بخروج استثمارات عريقة لعلامات تجارية كبرى من السوق اللبنانية، وانكفاء مؤسّسات وعلامات تجارية أخرى، كانت تتحيّن الفرصة الملائمة لدخول الأسواق مجدداً.

هذه العشوائية، العفوية في تشكلها ودوافعها، إذا استمرّت تهدّد للأسف أيضاً، بتشريد ألوف العمال والموظفين وخسارتهم مورد رزقهم، في ظروف اجتماعية واقتصادية شديدة القسوة والسوء.

لا أحد يدري إن كان المتظاهرون الغاضبون على السياسات الأوروبية والأميركية وغيرها، وينتصرون للحق والعدالة في غزة وعموم فلسطين من خلال التكسير، يعرفون جيداً أو يعلمون يقيناً، أن مؤسسات الفرانشايز والاستثمارات المستهدفة من قبلهم، التي تعمل تحت علامات تجارية غربية، أوروبية أو أميركية، هي مؤسسات وشركات واستثمارات لبنانية صرف، ويملكها ويديرها لبنانيون “أقحاح”، غالبيتهم الساحقة تلتقي وتتقاطع وتتماهى مع الموقف القومي والوطني الذي يتبنّاه المهاجمون. وهؤلاء كما يعلن معظمهم رافضون بالمطلق للحروب والمجازر المتتالية التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني، واستمرار انتهاك حقوقه الوطنية والإنسانية.

هذه الاستثمارات كلفت ملايين الدولارات لبنائها، وبعضها في السوق اللبنانية منذ عقود، وتخدم الاقتصاد اللبناني بقوة، إن مباشرة من خلال مشاركتها بفعالية وحرفية عالية في تعزيز وتطوير بناه السياحية، وخلق فرص عمل لعشرات الألوف من الشباب اللبناني، وغير مباشرة من خلال إيرداتها الضريبية المرتفعة إلى الخزينة اللبنانية.

عربيد: التكسير لا يفيد القضيّة

لا يشكّك رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي شارل عربيد في أن تكون ردود الفعل ناتجة عن غضب واستنكار لما يحصل بحق الشعب الفلسطيني، و”لكن في النتيجة الضرر يقع على شركات لبنانية توظف لبنانيين وتسهم في نموّ الاقتصاد اللبناني، وتالياً لا أعتقد أن التكسير وإلحاق الضرر بمؤسسات خاصة يفيد القضيّة”. والأهم أنه “ليس بالضرورة أن يكون المشغل اللبناني للعلامات التجارية العالمية متبنّياً لموقف مانح الامتياز الأساسي، وتالياً فإن كل عملية تكسير أو اعتداء ينتج عنها ضرر على مستثمرين ومشغلين وموظفين لبنانيين”.

ويؤكد أن “المشغل للعلامات التجارية في أي بلد يدفع لمانح الامتياز بين 1% و2% لقاء تكاليف تشغيلية، ويحصل مقابلها على مساعدة تقنية لكي يكون في مقدوره استخدام الاسم. ولكن الاستثمار الأساسي والتكاليف تكون على عاتق المشغل المحلي للعلامة، والأهم أن كل المخاطر التجارية والاقتصادية والسياسية والأمنية تكون على عاتقه”.

صحيح أنه لا يمكن وضع هذه الاعتداءات إلا في خانتي الحماسة والتعاطف الشديدين مع الشعب الفلسطيني، بيد أن عربيد يشير الى أن “قرار حظر دخول علامات تجارية الى لبنان يتعلق بالسلطات المحلية، فيما تبقى مقاطعة العلامات التجارية حرية شخصية، ولكن لا يجوز اللجوء الى موقف تخريبي من خلال الاعتداء على أملاك خاصة برساميل لبنانية ومشغلين لبنانيين فهذا يؤدّي حتماً الى قطع أرزاق الموظفين وعائلاتهم”، لافتاً الى أن “غالبية العلامات التجارية التي تعمل في لبنان، إن كان في قطاعات الألبسة أو قطاع الأغذية والمشروبات، هي علامات أوروبية، ونحو 15% من أميركا، ولكن مهما كان يجب أن نأخذ في الاعتبار مصالح اللبنانيين ومؤسساتهم والموظفين”.

“تراخيص الامتياز”: شراكات مع مصانع لبنانية

رداً على حملات المقاطعة التي يجري الترويج لها، في إطار دعم غزة ومناهضة داعمي إسرائيل، والتي تستهدف علامات تجارية عالمية، بينها سلسلة مطاعم “ماكدونالدز” ومقاهي “ستاربكس” و”بيتزا هات” وسواها… وبعد التعرّض لفرعي ماكدونالدز وستارباكس في بيروت، أصدرت الجمعية اللبنانية لتراخيص الامتياز (الفرانشايز) بياناً توضيحياً عن ماهية تلك الامتيازات وأهميتها في الاقتصاد اللبناني.

وأشارت في بيانها إلى أن قطاع “الفرانشايز المتكامل” يضم علامات/ماركات فرانشايز محلية الصنع. كما يضم علامات/ماركات أجنبية، استثمر فيها لبنانيون، ويعمل فيها لبنانيون، وتضطلع بدور مهم في تكبير حجم الاقتصاد، وتسهم في زيادة الناتج الوطني، لأن القسم الأكبر من مداخيل المشغل/المستثمر اللبناني يدخل في حسابات الناتج.

وقد “تمكن أصحاب القطاع، بمبادراتهم وتحليهم بالشجاعة، من مواجهة التحديات رغم المشكلات السياسية والأمنية والاقتصادية. كما أن الماركات العالمية في لبنان، ولا سيما المطاعم، عقدت شراكات تطويرية مع صناعات لبنانية غدت موردة لها بنسب تخطت 80% في بعض الحالات، بمواصفات وجودة عالمية، بما جعل هذه الماركات تصدّر منتجاتها المحلية إلى حاملي تراخيص للامتياز للماركات عينها في الدول المجاورة، متفوّقة على منافسات حقيقية في الأسواق الأكثر تطلباً”.

وبما أن الفرانشايز اللبناني المنشأ يتوسّع عالمياً بالاعتماد على مميزات ومواصفات لبنانية خاصة وفريدة وجذابة، فقد “أصبح منتشراً في الخليج العربي، أوروبا، أفريقيا، أميركا وكندا. وهذا يبرهن وفق الجمعية أنه “فرض ذاته وهويته، وأنه قطاع ناجح قائم على الابتكار والإبداع والحداثة والديناميكية والاستثمار وتأمين الفرص والوظائف للبنانيين، في لبنان والخارج”.

ويسهم جناحا الفرانشايز، المحلي والأجنبي، إيجاباً في تحريك عجلة الدورة الاقتصادية، ويخففان كثيراً من حالتي الركود والكساد، وتالياً فإن أي ضرر يلحق بأحد الجناحين المتكاملين، يصيب الاقتصاد الوطني، الأمر الذي يؤثر سلباً عليه، ويحرمه من الاستثمار والتوسّع وفرص العمل الواعدة.

رئيس جمعية تراخيص الامتياز يحيى قصعة أكد لـ”النهار” أنه قبل الأزمة في 2019 كان قطاع تراخيص الامتياز يشغل نحو 100 ألف موظف في لبنان، وبعد الأزمة انخفض الرقم الى النصف تقريباً، لافتاً الى أنه في عام 2012 كان يضم نحو 320 علامة تجارية. ولكن نشاطه تراجع في الأعوام الأخيرة وتحديداً بعد عام 2019 عندما اشتدّت الأزمة بما انعكس تدهوراً كبيراً، ولا سيما في قطاع الملابس، ولكن منذ 6 أشهر يمر القطاع بفترة يمكن القول إنها جيدة جداً، فيما كانت بعض العلامات التجارية تخطط للعودة الى لبنان بعد إعادة فتح الأسواق في الوسط التجاري. ولكن حرب غزة فرملت اندفاعة المستثمرين، وكذلك فتح السوق، علماً بأن القطاع لا يزال يشكل أكثر من 4% من الناتج المحلي للبنان”.

في أقل من سنة أُحصي افتتاح ما لا يقل عن 400 مطعم جديد، 40% من أصحابها يحاولون تطوير أعمالهم لتصبح مؤهلة لتكون “فرانشايز موديل”، وفق ما يقول قصعة “علماً بأننا أحصينا 30 ماركة جديدة “فرانشايز” في قطاع المطاعم خلال الأشهر الستة الأخيرة”.

ويتطرق الى الاعتداءات التي حصلت على بعض المحالّ في لبنان على اعتبار أنها تمثل ماركات أميركية اتُّهمت بأنها تدعم إسرائيل، مؤكداً أن “النسب التي يدفعها صاحب الامتياز في لبنان لمانح الامتياز الأساسي تشكل بين 1 و2% من الحلقة الاقتصادية فيما 98% من الحلقة لبنانية بشكل كامل”.

ويعطي “الماكدونالدز” في لبنان مثالاً، فيشير الى أن “الصندوق المخصّص للتغليف يُصنع في لبنان، حتى إن أصحاب الامتياز لماكدونالدز في 7 دول مجاورة المصنع أصبحوا يتعاملون مع المصنع اللبناني. وكذلك الحال بالنسبة للخبز الذي يُصنع في أحد الأفران المشهورة في لبنان، المعتمد من كل مطاعم الماكدونالدز في المنطقة”. وإذ لفت الى “أن ثمة 24 فرعاً لماكدونالدز في لبنان يعمل فيها نحو 1050 موظفاً لبنانياً، كشف أن 80% من المصانع التي تتعامل معها “الفرانشايز” هي مصانع لبنانية وتشكل حلقة اقتصادية قيمتها نحو 18 مليون دولار، عدا عن التصدير”.

سلوى بعلبكي – النهار

Leave A Reply