عبارات قليلة اختصرت جوهر خطاب الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في مهرجان تكريم الشهداء الذين ارتقوا على طريق القدس في المواجهات الاخيرة في الجنوب، مفادها انّ المعركة الحقيقية لمحور المقاومة في لبنان والمنطقة هي ضدّ اميركا، اما ضدّ اسرائيل فهي بمثابة «تفصيل او تحصيل حاصل». إذ حملت كلمته عبارات تهديد للقوة العسكرية والمصالح الاميركية أكثر مما حملت من تهديد للكيان الاسرائيلي.
ومن أبرز العبارات الملفتة للإنتباه في كلمة نصرالله تحميلها الإدارة الاميركية مسؤولية الحرب على غزة والمجازر فيها، إذ قال: «أميركا تستطيع أن توقف العدوان على غزة لأنّه عدوانها. ومن يريد أن يمنع قيام حرب إقليمية يجب أن يسارع الى وقف العدوان على غزة».
اما التهديد المباشر لأميركا فجاء في قوله: «أميركا بجنودها وأساطيلها وقواعدها هي التي ستدفع ثمن أي حرب في المنطقة. هذه التهديدات لن تخيفنا ونقول لكم إنّ أساطيلكم التي تهدّدوننا بها نحن مستعدون لها. أقول للأميركيين التهديد علينا وعلى المقاومين في منطقتنا لا يجدي نفعاً. أساطيلكم التي تهدّدوننا بها قد أعددنا عدّتنا لمواجهتها».
وفي استعادة تذكيرية لعملية تفجير مقرّ جنود مشاة البحرية الاميركية (المارينز) على طريق المطار عام 1983، قال نصرالله: «أيها الأميركيون عليكم أن تتذكّروا هزائمكم في منطقتنا، ومن هزموكم في لبنان في بداية الثمانينات لا يزالون على قيد الحياة ومعهم أبناؤهم وأحفادهم».
ولوحظ انّ كلمة نصرالله لم تركّز على تهديد اسرائيل بقوة كما كان يفعل سابقاً، بمقدار ما حملت تجديداً لضرورة العودة الى قواعد الاشتباك، «وإلاّ عدنا الى معادلة مدني مقابل مدني». من دون إغفال انّه ربط اي تصعيد واسع في الجبهة الجنوبية اللبنانية «بسلوك العدو إزاء لبنان الذي يُحدّد تحركاتنا» مع إبقاء «كل الاحتمالات في جبهتنا اللبنانية مفتوحة» ربطاً بسير الامور في غزة.
مسألة اخيرة لا بدّ من الوقوف عندها في النتائج المرتقبة لكلمة نصرالله على اهل الجنوب، وهي انّهم اطمأنوا إلى انّ الحرب الواسعة غير واردة على الأقل في المدى المنظور. وانّ قوة ردع المقاومة ما زالت تفعل فعلها، ولو حصل تجاوز محدود لقواعد الاشتباك من جانب جيش الاحتلال بقصف بعض الأحياء السكنية في القرى الأمامية وبعمق لا يتجاوز 5 كيلومترات، بإستثناء الخرق الوحيد بقصف تلال جبل صافي والريحان، وهي تقع شمالي نهر الليطاني المتفق على انّه خط العمليات العسكرية جنوباً. لكن المقاومة ردّت ايضاً مرتين او ثلاث بقصف مدينة صفد في العمق الفلسطيني، وهي تبعد بين 15 و20 كلم عن الحدود. اما التجاوب الشعبي مع نصرالله فتجلّى في حشود عشرات آلاف المواطنين في المناطق التي تمّ بث الاحتفال فيها عبر الشاشة في الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع، وهذا مؤشر إلى الاطمئنان والدعم.
وفي التقدير السياسي والعسكري، انّ نصرالله أبقى الكيان الاسرائيلي مُعلّقاً على حبال التوتر والقلق واستنفار كل طاقاته العسكرية، مقابل استنفار مجموعات قليلة لعناصر المقاومة تقوم بعمليات نوعية ومدروسة لكن مؤثرة على طول الجبهة، بحيث انّ كل القوى العسكرية البرية والبحرية والجوية للكيان الاسرائيلي كانت منذ 8 تشرين الاول الماضي وحتى الأمس، في حالة جهوزية عليا كأنّها في حالة حرب واسعة. وأبقى المجال مفتوحاً سياسياً امام ما يُسمّى المجتمع الدولي، لا سيما الإدارة الاميركية، لوقف المذبحة الفظيعة الجارية في غزة، لا سيما وانّ وزير خارجية اميركا انتوني بلينكن كان مجتمعاً خلال خطاب نصرالله امس مع رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، عندما حصلت مجزرة جديدة في غزة بقصف جموع المواطنين وفرق الإسعاف التي كانت تنقل مصابي مجزرة سابقة إلى مستشفيي «الشفاء والاندونيسي».
هذه المجزرة تؤشّر إلى احد أمرين: اما انّ بلينكن لم يضغط كفاية لوقف المجازر، واما انّ اسرائيل غير مهتمة بما تطلبه اميركا، وتريد فقط الانتقام من اهل غزة بعد الذي حصل في بداية عملية «طوفان الأقصى» من كسر هيبتها وخسارتها عشرات الجنود والمستوطنين. وفي الحالتين هذه المجزرة هي مِصدَاقٌ لما قاله نصر الله عن مسؤولية اميركا في كل ما يجري.
غاصب المختار- الجمهورية