تتابع الأوساط الدبلوماسية الغربية باهتمام شديد انعكاسات حرب غزة على لبنان، وهي ترصد وتيرة انخراط «حزب الله» في المواجهة العسكرية عبر الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وسط تحسب لاحتمال ان تتجاوز «معادلاته» الميدانية في لحظة ما، «المعادلات» الراهنة.
هذه المواكبة الغربية للشق اللبناني من التطورات، اتخذت أشكالاً عدة من بينها توجيه الرسائل المباشرة، عبر الموفدين والسفراء، الى الحكومة وقيادة «حزب الله» بضرورة الامتناع عن توسيع دائرة النزاع، انطلاقاً من الجبهة الجنوبية.
ويقول دبلوماسي غربي واسع الاطلاع، في بيروت، ضمن مجلس خاص: «دولتي على الاقل لم توجّه تهديدات الى «حزب الله» والدولة اللبنانية، ربطاً بالتوتر السائد على الحدود الجنوبية. والصحيح هو اننا أبلغنا إليهما أنّ القيادة الإسرائيلية تمّر في مزاج سيئ ومتهور بعد هجوم «حماس» في 7 تشرين الاول، وقد حذّرنا من أن تدفعها حالة الغضب والصدمة الى شنّ حرب مدمّرة على لبنان، وبالتالي دعونا إلى تفادي منحها اي ذريعة لتفعل ذلك. نحن نعرف انّ «حزب الله» سيكون قادراً على إلحاق خسائر كبيرة باسرائيل ولكن هي أيضا ستدمّر لبنان، وهذا ما لا نريده». ويضيف: «انطلاقاً من حرصنا على بلدكم، نصحنا قيادة الحزب والسلطة السياسية بالتروي، ولم نهدّدهما بتاتاً كما أشاع البعض».
ويعتبر الدبلوماسي الغربي، الواسع الاطلاع، انّ الخطاب الاخير للسيد حسن نصرالله «كان عاقلاً ومسؤولاً»، مشيراً الى «انّ الرجل أظهر انّه يتحلّى بحسّ المسؤولية ويهتم للبنان».
ويلفت الدبلوماسي إياه الى «انّ «حزب الله» هو لبناني ويشكّل جزءاً من النسيج الوطني اللبناني، وممثل في البرلمان بكتلة وازنة، والواقعية تقتضي التواصل معه والانفتاح عليه، بمعزل عن التحفّظات على بعض سلوكياته».
ويتابع الدبلوماسي الخبير في ملفات المنطقة وتوازناتها: «نحن نعرف انّ «حزب الله» يمثل القوة الأساسية في لبنان، وهذا ما يفسّر انّ رسائل كثيرة وصلت من جهات دولية إلى السيد نصرالله نفسه حول ضرورة عدم توسيع النزاع مع اسرائيل والانزلاق الى حرب شاملة. ولكن هذه القوة تعزز هواجس جزء من اللبنانيين الذين سيحمّلون الحزب تبعات اي مشاركة واسعة من جهته في الحرب، كونه هو الذي يمسّك بالقرار في هذا الشأن وليس الدولة اللبنانية، علماً انّ من الواجب الإقرار بأنّه اثبت حتى الآن تعاطيه بحكمة مع حرب غزة وتداعياتها».
ويروي الدبلوماسي انّه سبق له، في سياق مهمّاته الدبلوماسية، أن زار قطاع غزة مرات عدة، كاشفاً انّه أمضى في إحداها ليلة كاملة هناك، «والانطباع الذي خرجت به هو انّ غزة ليست سوى سجن كبير. وما لفتني انني مررت أثناء دخولي الى القطاع بثلاثة حواجز تفتيش اسرائيلية، وعبرت خلال خروجي منه أربعة حواجز، وكلها مزودة تقنيات متطورة، وهذا ما أصابني بالذهول حين تمكنت «حماس» من تنفيذ هجومها الواسع في 7 اكتوبر، لأنّ ذلك كان يبدو، حتى عشية هذا التاريخ، مستحيلًا على أرض الواقع».
ومحاولاً تفسير دوافع الموقف الغربي، يلفت الدبلوماسي الى انّ «عليكم ان تأخذوا في الاعتبار انّ الغرب تعامل بحساسية فائقة وردّ فعل حاد مع عملية 7 اكتوبر، لأنّه كان هناك بين القتلى والأسرى في غلاف غزة أشخاص غريبون، وكون هؤلاء يحملون أيضاً الجنسية الإسرائيلية، لا يلغي حقيقة انّ لدى كل منهم جنسية أوروبية او اميركية، ولذا كنا معنيين مباشرة بما جرى».
ويضيف: «اذا كان البعض في العالم العربي ناقماً علينا لاننا تعاطفنا مع إسرائيل بعد عملية «حماس»، فعليه الاّ يغفل في الوقت نفسه عن انّ دولاً أوروبية عدة، مثل فرنسا، صوّتت لاحقاً الى جانب اكثر من مشروع قرار دولي وأممي بوجوب وقف إطلاق النار. نحن نرفض استهداف المدنيين الفلسطينيين وانتهاك القانون الدولي. وأبلغنا الى بنيامين نتنياهو اننا نعارض الاجتياح البرّي الواسع لقطاع غزة».
ويتساءل الدبلوماسي باستغراب: «على العموم وقبل محاسبتنا، ماذا عن المواقف الخجولة والاستهلاكية لبعض الدول العربية؟ هل المطلوب منا ان نكون عرباً اكثر من العرب أنفسهم؟».
ويؤكّد «أنّ المعالجة الواقعية تبدأ من الاتفاق على هدنة انسانية، ستشكّل فرصة لالتقاط الأنفاس، وربما يمكن البناء عليها للتوصل الى وقف إطلاق نار ثابت. أما الحل الجذري فيكمن في إحياء المسار السياسي المجمّد، للتوصل الى تسوية نهائية للنزاع الفلسطيني – الاسرائيلي». ويلاحظ انّ القضية الفلسطينية عادت بقوة الى دائرة الاهتمام الدولي «بعدما ساد، الى حين، افتراض بأنّ الاتفاقيات بين اسرائيل والدول العربية كفيلة بأن تنهي الأمر، ليتبين انّ هذا التقدير لم يكن سليماً».