مسار التصعيد الذي تسير عليه المناوشات اليومية على الحدود الجنوبية، يدعو إلى مزيد من الحذر والقلق في الداخل اللبناني، نظراً لهشاشة الوضع السياسي، وتلاشي فعالية السلطة الشرعية، فضلاً عن الشلل الذي يهيمن على وجود الحكومة.
دائرة القصف تتوسع، وتزداد عمقاً في الداخل، وإستهداف المدنيين من قبل العدو الإسرائيلي يتكرر، وبلغ ذروته أول أمس بقصف سيارة تنقل عائلة وأطفالها، والتركيز المتعمد على منازل المدنيين في القرى الحدودية، يوشي وكأن العدو يدفع الأهالي للنزوح من قراهم، وتفريغها من السكان، لغايات في نفس يعقوب.
هذا التصعيد من جانب العدو الإسرائيلي يحمل رسالة مكشوفة مفادها أن قرار الحرب والسلم هو بيد تل أبيب، وليس بيد المقاومة، وأن الآلة العسكرية الصهيونية قادرة على التحرك بالسرعة اللازمة، عندما تدق ساعة الحرب، حسب التوقيت الإسرائيلي.
وبإستثناء الحركة الديبلوماسية الناشطة التي قام بها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بإتجاه الدوحة وعمّان والقاهرة، فإن الحركة السياسية في البلد ما زالت أسيرة الخلافات التقليدية، والقطيعة مستمرة بين القيادات السياسية والحزبية، والدولة غارقة في غيبوبة الشغور الرئاسي، وتداعياته الخطرة على دوامة الأزمات التي يتخبط فيها البلد، بعدما غادرته وفود الوساطات الرئاسية، التي زهقت من لعبة الصراعات اللبنانية العقيمة، والتي لا يُقيم أطرافها أي إعتبار لمصالح البلاد العليا.
لبنان ليس بمأمن من الإعتداءات الإسرائيلية الغادرة. وسرطان الفراغ يتمدد في جسد الدولة بخطوات متسارعة، بدأ برئاسة الجمهورية، وإنتقل إلى حاكمية البنك المركزي، ويستعد للوصول إلى النيابة العامة التمييزية، وهو قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى قيادة الجيش، بعدما إستوطن في رئاسة الأركان منذ أشهر طويلة، وأصبح يشكل خطراً داهماً على بنية القيادة للمؤسسة الوطنية الكبرى.
ورغم المضاعفات الحرجة لهذا التدهور المتدحرج في مختلف مفاصل الدولة، لم يرف جفن لمسؤول، ولم ينبرِ رئيس حزب لطرح مبادرة للخروج من الجمود السياسي الراهن، ولم يبادر رئيس كتلة نيابية إلى فتح كوة، ولو صغيرة، في جدار الأزمة السميك، الذي أدى إلى إختناق الحركة السياسية في البلد.
ليس صحيحاً القول أن حرب غزة فرضت وضع الملف الرئاسي على رف الإنتظار من جديد. بل العكس هو الأصح، بحيث يجب أن تكون الأخطار الناجمة عن إحتمال توسع جغرافية الحرب، خاصة بإتجاه لبنان، المبرر الأول والأخير لإنجاز الإستحقاق الرئاسي بالسرعة اللازمة، تمهيداً لإعادة الإنتظام العام لعمل الدولة، وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات الدستورية، تكون قادرة على تمثيل لبنان في المحافل العربية والدولية بالفعالية المطلوبة.
يا سياسيِّي لبنان أُخرجوا من أنانياتكم قبل فوات الأوان!
صلاح سلام – اللواء